تضيع عمرك في بناء قلعتك الصغيرة على الرمال ثم يأتي الموج ويزيلها تماماً.. هذا ما يحدث لرسوم الشوارع في برلين

وبحلول صيف 2020، ستختفي لوحة باولوزي مرةً أخرى خلف مبنىً إداريٍ طوله 60 متراً بواجهاتٍ زجاجيةٍ وحديقةٍ على سطحه

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/06 الساعة 15:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/06 الساعة 15:48 بتوقيت غرينتش

في زاوية شارع كورفورشتن شتراسه وشارع بودابستر شتراسه قبالة معرض الأحياء المائية في برلين، يستطيع العابرون الاستمتاع بعمل فني نادرٍ بالأبيض والأسود لرائد فن البوب إدواردو باولوزي. لكن.. لعدة أسابيع فقط.

إنها الجدارية العملاقة التي ظلَّ العالم محروماً منها لثلاثة عقود، قبل أن  أن تعاود الظهور في بداية 2018. غير أن اللوحة ستعاود الاختفاء بصورة دائمة في الشهور القليلة القادمة، ومعها جداريات أخرى وأعمال فنية، طالما منحت برلين هوية بصرية، وألهمت فناني الشوارع لينسخوها، أو يسيروا على خطاها.

هكذا أصبح متاحف برلين المفتوحة مهددة بالخطط العمرانية التي تلتهم كل الفراغات المتبقية من زمن الحرب العالمية الثانية، كما كتبت صحيفة the guardian في تقريرها عن جدرايات برلين المهددة بالاختفاء.

اللوحة التي سوف تطل لعدة أسابيع ثم تختفي

رُسِمت اللوحة على جانب مبنىً بُني سنة 1976 احتفاءً بنهاية السنة التي قضاها الفنان الاسكتلندي في برلين. وسرعان ما حُجِبَت الجدارية بسبب مكاتب لبعض البنوك يجري هدمها الآن. وهو ما يكشف بالتالي جزئياً أسلوب ريترو فيوتشريزم الذي رسم به باولوزي لوحته، في الوقت نفسه الذي تظهر فيه نسخة أصغر من العمل ذاته في متحف الفن الحديث في برلين على الجانب الآخر من المدينة.

وبحلول صيف 2020، ستختفي لوحة باولوزي مرةً أخرى خلف مبنىً إداريٍ طوله 60 متراً بواجهاتٍ زجاجيةٍ وحديقةٍ على سطحه.  ولا يمكن لمالك المبنى أن يتلقى عروضاً من مشترين راغبين في شرائها، أساساً لأنَّ اللوحة تبلغ مساحتها 990 متراً مربعاً من الخرسانة.

ولوحة ماركس وإنجلز على سحابة الشك تختفي أيضا

ومن المقرر أن تختفي أيضا لوحة ثلاثية الأوجه ذات أجواء سياسية، بين محطتي مترو أنفاق  زافيغني بلاتز وتسولوغيشر غارتن. تصور اللوحة كارل ماركس وفريدريك إنغلز يحدقان بتشكُّكٍ من فوق سحابةٍ، وراءَ عمارة من الشقق متناهية الصغر، يقصدها الموظفون والعزاب، ومن المقرر أن تكتمل في العام المقبل.

الجدارية التي ألهمت موجةً من أكثر من 200 عملٍ مشابهٍ في مختلف أنحاء برلين باتت معدودةً. إذ يبني مطورٌ عقاريٌ برجه الإداري الجديد في محطة تيرغارتن أمام جدارية الفنان بن فاغين المسماة فيلتباوم Weltbaum، أو "شجرة العالم" مباشرةً.

ويُحذِّر اتحادٌ من الفنانين من التهديد الذي يحمله هذا التدمير للبيئة.

Obey the Giant/ Shepard Fairey#streetart #streetartberlin #berlin #berlinstreetart #shepardfairey

Gepostet von Street Art Berlin am Dienstag, 12. Dezember 2017

يجبرون الرسام على التعهد بأنها "ليست أعمالا فنية"

حين رسم فاغين لوحة ماركس وإنجلز عام 1975، وجدت برلين في الجداريات فرصةً لإبهاج مدينةٍ ما زالت تغرق في كآبة الحرب الباردة. وخرجت أعمال باولوزي في نفس العام نتيجة منافسةٍ رعاها وحثَّ عليها مجلس شيوخ مدينة برلين.

لكن سرعان ما بدأت السلطات المحلية تشعر بالقلق من أنَّ السماح للفنانين برسم أعمال ذات حقوق نشر قد يُشكِّل عقبةً في وجه التجديد العمراني: فمنذ عام 1976، كان على العديد من الفنانين أصحاب تلك الحقوق التوقيع على تنازلاتٍ تقول إنَّ ما رسموه ليس أعمالاً فنيةً.

Kuzb136 painting at Wandelism#streetartberlin #kuzb136 #wandelism #berlin #graffitiberlin #graffiti #withloveandsupport

Gepostet von Street Art Berlin am Samstag, 3. März 2018

ونتيجةً لذلك، يُعبِّر مجلس الشيوخ اليوم عن جهله بالأعمال الفنية التي شكَّلت هوية برلين البصرية في عيون العالم. على العكس مما يحدث في أماكن أخرى، مثل لندن مثلا. فقبل عامين تم ترميم فسيفساء باولوزي في محطة أنفاق توتينام كورت رود في لندن بعناية أثناء التجديدات الأخيرة للمحطة.

والرسام يعرف أن ما يبدعه على الجدران عابر وزائل

وقال توبي تريفيس، أمين مؤسسة الفنان الاسكتلندي والأمين السابق لمتحف تيت: "نحاول أن نعمل يداً بيدٍ مع المطورين لإنقاذ ميراث بولوزي قدر المستطاع. الأمر الصعب فيما يتعلق بالفنون العامة هو أنَّنا لم نعد نعرف من المسؤول عن معظمه".

وقال نوربرت مارتينز، المؤرخ والمصور المحلي الذي قضى 40 سنةً من عمره في توثيق قصة فنون الشارع في برلين: "يدرك الكثير من الفنانين أنَّ جدارياتهم ستظل دائماً مؤقتةً وأنَّك لا تستطيع حمايتها".

وأضاف: "لكنَّ مجلس الشيوخ لن يقترب تماماً من استغلال الإمكانات الكامنة في الفنون الموجودة في شوارع برلين من أجل السياحة. وتظهر مدنٌ مثل ليون بفرنسا وبروكسل ببلجيكا إمكانية فعل ذلك بطرقٍ مختلفةٍ تماماً. وعلى الأقل بوجود الجداريات الأصلية، كان يمكن لمجلس الشيوخ أن يتأكد من إعادة إنتاجها في مكانٍ آخر".

Tona#streetartclassics #streetartberlin #berlin #streetart #tona #boy

Gepostet von Street Art Berlin am Donnerstag, 8. Februar 2018

رغم ذلك يفكر في نقل لوحته إلى جدار آخر

فاغين، صاحب لوحة ماركس وإنجلز، يؤمن بالطبيعة المؤقتة لكل فنون الشوارع. يقول الفنان البالغ من العمر 88 عاماً: "المدن كالشواطئ الرملية، تُفني عمرك في بناء قلعتك الصغيرة الجميلة، ثم يأتي المد ويزيلها تماماً. هذا ما يحدث للفنون المرسومة في المدن"

غير أنَّه لم يفقد الأمل في إمكانية إعادة زرع جداريته "شجرة العالم" في مكانٍ آخر. وقد أعلنت بالفعل مجموعةٌ من الفنانين الشبان عن استعدادهم لإعادة تقديم نسخةٍ جديدةٍ، باختلافٍ بسيطٍ للغاية، من جدارية فاغين الكلاسيكية في مكانٍ آخر من المدينة.

وقد عرض سكان مبنىً في شارع ألبريشت شتراسه جدار مبناهم الذي يبدو أنَّه خالٍ ويَظهر واضحاً من محطة شارع فريدريك. والمستثمر الذي سيُغطي مشروعه اللوحة الأصلية قد وافق على التبرع بسقالةٍ وبأدوات رسم.

علامات:
تحميل المزيد