قصة النبي دانيال الذي دفن بعد الرسول.. أقدم كنائس العالم ومسجد لنبي يهودي بشارع يجمع الأديان الثلاثة بالإسكندرية

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/18 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/18 الساعة 06:06 بتوقيت غرينتش

مسجد، ثم معبد يهودي، تتوسطهما كنيسة، ترى معالم دور العبادة الثلاث منذ أن تطأ قدمك هذا الشارع الذي يحمل بين جدرانه آثار طموحات الأسكندر الأكبر وتراث الأديان السماوية الثلاثة، إنه شارع النبي دانيال.

يشق شارع النبي دانيال وسط مدينة الإسكندرية، من ميدان محطة مصر إلى ميدان محطة الرمل، ويعتبر أحد أقدم شوارع المدينة التي أسَّسها الإسكندر المقدوني.

فحينما قام الإسكندر بتأسيس المدينة التي تحمل اسمه، كلَّف المهندس اليوناني دينو قراطيس بتخطيط مدينته، فأعدَّ له مخططاً أشبه بقطعة الشطرنج، عبارة عن شارعين رئيسيين متقاطعين، بزاوية قائمة، تحيط بهما شوارع فرعية تتوازى مع الشارعين.

أحد هذين الشارعين هو شارع النبي دانيال.

الآن في أول الشارع يقع مسجد النبي دانيال، الذي يحمل الشارع اسمه، وعلى بُعد أمتار منه تقع واحدة من أقدم الكنائس في الشرق الأوسط، وهي "الكاتدرائية المرقسية، بناها القديس مرقس عام 43 ميلادية، ويوجد بها رأسه".

أما في نهاية الشارع فيقع معبد الياهو حنابي اليهودي.

كيف تجاورت الأديان الثلاثة في شارع النبي دانيال؟.. إنها قصة الأسكندرية

شارع النبي دانيال يوجز تاريخ الإسكندرية؛ لاحتضانه الأديان السماوية الثلاثة.

هكذا وصف أحمد عبدالفتاح -مستشار وزير الآثار السابق- الشارع التاريخي.

ويقول عبد الفتاح لـ"عربي بوست" إن تاريخ نشأة الأديان في مصر بدأ من الإسكندرية، وذلك بنزوح اليهود إلى المدينة الساحلية التي كانت عاصمة مصر البطلمية والرومانية والبيزنطية.

كما أن المسيحية انتشرت من المدينة بفضل القديس مرقس، الذي أتى من ليبيا واستقرّ "بشارع النبي دانيال" ليُبشر بالمسيحية، ولولا تأسيسه الكرسي البابوي لما انتشرت المسيحية في العالم كله، حسب عبدالفتاح.

وأشار إلى أن هذا الشارع يحتوي كذلك على كثير من مراكز الثقافة العالمية والعربية، مثل المركز الثقافي الفرنسي، ومنزل شاعر الأطلال إبراهيم ناجي، وشاعر الإسكندرية الجريجي، بجانب نوادي أبناء النوبة.

كما تناول الكاتب البريطاني لورنس داريل هذا الشارع في مجموعته الروائية "رباعية الإسكندرية".

وكان الشارع يضم معالم مهمة أيضاً من تاريخ مصر الحديث، فبجوار مسجد النبي دانيال كانت توجد مقبرة لبعض أفراد أسرة محمد علي، أهمها مقبرة الوالي سعيد باشا حاكم مصر في القرن التاسع عشر الذي بدأ في عهده حفر قناة السويس.

مسجد النبي دانيال مَعْلم شهير لا يدرك قيمته أهله

يعد مسجد نبي الله دانيال من المساجد الشهيرة، الذي يتبع الطرق الصوفية، رغم أن الكثير من الصوفيين لا يهتمون به، ولا يقيمون به احتفالات.

ولكن كل خميس تقيم الطريقة البرهامية داخل المسجد حلقة ذكر، عقب صلاة العشاء، ويتم خلال الحلقة الإنشاد بأبيات من الشعر والمدح في حب رسول الله وآل البيت، بعد إطفاء الإضاءة  بالمسجد.

مسجد النبي دانيال/مواقع التواصل الاجتماعي
مسجد النبي دانيال/مواقع التواصل الاجتماعي

ويحوي الدور الأرضي من المسجد ضريح النبي دانيال، الذي يتطلب الوصول إليه المرور من فتحة باب بالجدار الشمالي الشرقي للمسجد، والهبوط عبر سلم خشبي بعمق 5 أمتار إلى غرفة أسفله.

وكانت الغرفة تضم سرداباً، وتتوسط أرضية الضريح تركيبتان من الخشب، إحداهما تحتوي على قبر النبي دانيال، وأخرى تضم قبراً يُعرف باسم قبر لقمان الحكيم.

ولكن ما قصة النبي دانيال الذي دفن بعد الرسول؟

تتباين الروايات حول تاريخ المسجد وسر تسميته الغريبة.

إذ تقول إحدى الروايات إن دانيال هو أحد أنبياء بني إسرائيل، الذي كان أسَرَه البابليون أو الفرس، ودُفن في بلادهم، وبعد الفتح العربي الإسلامي نُقل في عهد عمر بن الخطاب إلى مصر، ودفن في هذا المسجد.

ولكن هناك رواية أخرى عن المسجد مختلفة تماماً.

فوفقاً للباحثين في تاريخ الإسكندرية فإن سبب تسمية المسجد يعود إلى الشيخ محمد دانيال الموصلي، الموجود ضريحه بالمسجد، وهو أحد العارفين بالله، وليس نبياً، وهو أحد شيوخ المذهب الشافعي.

ويقول الشيخ أشرف سلمان، الإمام السابق لمسجد النبي دانيال، إن الكثير من الإسكندرانية لا يعرفون عن المقام شيئاً، ولا عن تاريخ النبي دانيال، لذلك أغلب من يأتي لزيارة المقام من السائحين، يكونون من دول شرق آسيا، مثل ماليزيا والهند، بالإضافة لشباب الأزهر الوافدين إلى مصر الذي يزورون المقام حين يأتون إلى الإسكندرية.

المعبد اليهودي أحدث دور العبادة الثلاث و100 مليون لترميمه

أما عن المعبد اليهودي الذي يُطلق عليه معبد "الياهو حنابي"، ويتسع لـ700 مصلٍّ، فقد بدأت وزارة الآثار في تنفيذ خطة لترميمه، بعد تعرُّضه لانهيار بسيط، لتأثره بالنوات والأمطار، الشتاء قبل الماضي، وذلك بتكلفة تقدر بنحو 100 مليون جنيه.

وتشمل أعمال الترميم الزجاج المعشّق، والزخارف، والألواح الخشبية، وأعمال الشبابيك، والأسقف الخشبية، وأعمال الترميم الإنشائي للمبنى والموقع العام، بالإضافة إلى أعمال ترميم العناصر الرخامية والزخارف والكهرباء، وصيانة أعمال مكافحة الحريق وصرف المياه.

معبد
معبد "الياهو حنابي"، ويتسع لـ700 مصلٍّ/مواقع التواصل الاجتماعي

مدير منطقة الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالإسكندرية، محمد متولي، يقول لـ "عربي بوست" عن تاريخ المعبد اليهودي: "أنشأته الجالية اليهودية بالإسكندرية في عام 1881 ميلادية، وقد تم تسجيله في مجلد الآثار سنة 1987.

ويوجد بالمعبد عدد 63 سفراً من الأسفار اليهودية بالمعبد، أي 63 نسخة قديمة من التوراة، وهي لها قيمة دينية وأثرية كبرى".

أما الكنيسة فقد تعرَّضت للتخريب مراراً، ثم أعيد بناؤها في عهد محمد علي

وعن الكنيسة المرقسية التي تتوسط المسجد والمعبد، والتي تُعتَبر أقدم كنيسة في مصر وفي إفريقيا كلها، فقد استُخدِمت للصلاة لأول مرة حوالي عام 62م، مع دخول المسيحية إلى مصر عن طريق مارمرقس.

وفي عام 68م استشهد القديس مارمرقس بالإسكندرية، ووُضِع جسده في الكنيسة، وأصبحت من بعده عادة دفن الآباء البطاركة السكندريين مع جسد مار مرقس إلى جواره.

وقد تعرَّضت الكنيسة للتخريب وإعادة البناء لمرات عديدة، على مدار القرون الطويلة.

وفي عام 1219م هُدِمت الكنيسة أثناء الحروب الصليبية، ثم تمّ إعادة بنائها وتدشينها بيد البابا بطرس الجاولي عام 1819م، في عهد محمد علي باشا.

واهتمَّ بها البابا الراحل، شنودة الثالث، وجرت فيها توسعات عديدة لتليق بمكانتها في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية.

وعلى جانبي شارع النبي دانيال ينتشر باعة الكتب النادرة، وبقربه المسرح الروماني

لم يقتصر شارع النبي دانيال على جمع الأديان الثلاثة؛ بل احتفظ على مدار ثلاثة قرون بطابعه الثقافي، الذي ازداد زخماً منذ نهايات القرن 19.

إذ يضم الشارع على جانبيه عشرات الأكشاك لبيع الكتب النادرة والقديمة، مما يجعله الوجهة الأولى للمثقفين والكتاب المصريين والأجانب، في الإسكندرية.

المسرح الروماني قرب شارع النبي دانيال/مواقع التواصل الاجتماعي
المسرح الروماني قرب شارع النبي دانيال/مواقع التواصل الاجتماعي

ويستمد شارع النبي دانيال أهميته أيضاً من وجوده في غربي منطقة كوم الدكة، بما فيها من حمامات رومانية، والمسرح الروماني، الذي كان بمثابة قاعة استماع كبرى، تعقد به أهم الخطب والاجتماعات السياسية والمناقشات العلمية.

ويعود تاريخ هذا المسرح إلى القرن الثاني الميلادي، وهو الوحيد من نوعه في مصر.

 

تحميل المزيد