عادية وشرسة ولديها «أنف يشبه الخطاف».. هل كانت كليوباترا جميلة حقاً؟

دائماً ما تستحق كليوباترا النشر عنها؛ لذلك عندما قيل في فبراير/شباط 2007 إن هناك عملةً معدنية صغيرة في مجموعات جمعية الآثار في نيوكاسل غيَّرت فهمنا لشكلها

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/01 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/04 الساعة 14:51 بتوقيت غرينتش
كليوباترا ملكة مصر كما ظهرت في أحد أفلام هوليوود

دائماً ما تستحق كليوباترا النشر عنها؛ لذلك عندما قيل في فبراير/شباط 2007 إن هناك عملةً معدنية صغيرة في مجموعات جمعية الآثار في نيوكاسل قد غيَّرت فهمنا لشكلها، احتل ذلك الخبر العناوين الرئيسية في جميع أنحاء العالم.

لم تكن ملكة جمال

كان رد فعل الصحفيين صادماً، إذ ذكرت تقارير صحفية أن كليوباترا لم تكن جميلة أو ملكة جمال. فالوجه الموجود على العملة المعدنية لم يكن مثل وجه إليزابيث تايلور. في المقابل، بدت كليوباترا "عادية"، و "شرسة"، وكان لديها "أنف يشبه الخطاف". وقد أُعلِنَ ذلك باعتباره اكتشافاً، حسب ما ذكرت مجلة History Extra البريطانية.

ومع ذلك، رغم كل هذه الضجة، لم يكن ثمة شيء غير عادي على وجه الخصوص حول عملة نيوكاسل. فهناك الكثير من القطع النقدية التي بقيت عليها صورة كليوباترا، وهي تكرِّر عموماً نفس السمات التي بدت مذهلة للمراسلين: أنف بارز، وجبهة مائلة، وذقن مدبب بشدة، وشفتان رفيعتان، وتجاويف عين جوفاء.

هناك جدل مستمر حول حقيقة جمال كليوباترا

هذه الصور الموجودة على العملات المعدنية، والتي قد تكون مدهشة لأولئك الذين اعتادوا على صورة "كليوباترا الهوليوودية"، هي الصور الوحيدة المؤكدة لدينا. لكن ذلك لم يمنع الناس من محاولة استبعاد تلك الصور باعتبارها غير دقيقة ومُعَدَّة بصورةٍ مُبالَغ فيها -على أمل أن يكون هناك وجه آخر لكليوباترا، وجه خفي يلبي توقعاتنا. ويشير هؤلاء الناس إلى أن هذه الصور غير المقنعة ربما تكون من أعمال فنانين غير مهرة.

ومع ذلك، لا يوجد سببٌ للاعتقاد أن هذه الصور الموجودة على العملات المعدنية خاطئة. في ذلك الوقت، كان أسلوب الصور الشامل الذي يُظهِر العيوب في التصوير رائجاً في عالم مناطق البحر الأبيض المتوسط​​، ويبدو أن صورة كليوباترا ليست استثناءً من هذا الاتجاه. ربما كانت هناك مبالغة قليلاً في بعض السمات مثل الأنف الكبير أو الذقن المحدد، لكن فقط لأن تلك الميزات كانت أكثر السمات التي يمكن تمييزها للفرد المُصوَّر. بهذا المعنى، يمكن أن تكون الصور واقعية.

هكذا يبدو وجهها الحقيقي

تظهر صور والد كليوباترا الموجودة على العملات المعدنية، وهي أندر بكثير من صور كليوباترا نفسها، بأنفٍ بارز وجبهة منحدرة، لذلك قد تكون سمات الوجه هذه سماتٍ عائلية. حتى عشاق كليوباترا، لا تطابق ملامحهم الصور الحديثة المشهورة أيضاً: قيصر لديه عنق متجعد ومخفي ويخفي رأسه الأصلع بتاج، وذقن ماركوس أنطونيوس البارز وأنفه المكسور لا يشبهان ملامح الممثل ريتشارد بيرتون.

هذه العملات المعدنية قد سُكَّت في أماكن مختلفة في شرق البحر المتوسط​​، من الإسكندرية في مصر إلى ميناء باتراس في اليونان. لقد منح ماركوس أنطونيوس كليوباترا عدداً من المدن والأقاليم الشرقية، وصدرت العملات المعدنية في تلك الأماكن باسم الحاكمة الجديدة. على الرغم من أن الصور الموجودة على العملات المعدنية تختلف في الأسلوب من فنانٍ إلى آخر، فهي متسقة بشكل عام في التفاصيل، مما يشير إلى أن الفنانين كانوا يتبعون الإرشادات عند حفر النقوش لسكِّ العملات النقدية. ومن المحتمل أنهم كانوا ينسخون صورةً رسمية وافقت عليها الملكة، بما في ذلك الأنف والذقن.

وهكذا تبدو ملابسها أيضاً

على الرغم من ولعها الأسطوري بارتداء الملابس الرسمية الفخمة، تبدو صور كليوباترا على العملات المعدنية متواضعةً إلى حدٍّ ما. فكانت كليوباترا ترتدي تاجاً قماشياً منسوباً لحكام العصر الهلنستي حول رأسها، وشعرها مسحوبٌ للخلف في ضفائر وملفوف في شكل كعكة في قاعدة جمجمتها. وترتدي فوق كتفيها عباءةً تغطي ثوبها، إلى جانب قرطٍ متدلّ من شحمة الأذن، وحول عنقها عُقدٌ من اللؤلؤ -التلميح الوحيد للثراء الذي وصفه الشاعر الروماني ماركوس أنايوس لوكانوس، الذي يُصوِّر كليوباترا المنغمسة في الملذات، جاء بأنها كانت تتزيَّن "بجميع غنائم البحر الأحمر على رقبتها وشعرها". على بعض العملات المعدنية، تبدو عباءتها مثبتة بواسطة مشبك يتضمَّن سلاسل أكثر من اللؤلؤ -كنز ربما كان له أهمية كبيرة في ذلك الوقت (هدية من يوليوس قيصر أم من أنطونيوس؟).

يرجع تاريخ معظم الصور الموجودة على العملات المعدنية إلى منتصف أواخر الثلاثينيات قبل الميلاد، عندما كانت كليوباترا نفسها في منتصف إلى أواخر الثلاثينيات من عمرها. في تلك الفترة،  غالباً ما كانت كليوباترا مرتبطة بماركوس أنطونيوس، الذي تظهر صورته على الجانب الآخر (وأحياناً على الجانب نفسه بجانبها)، ولكنها توصف دائماً بأنها ملكة بحد ذاتها، وليست مجرد شريكة لأنطونيوس: "الملكة كليوباترا، الإلهة الجديدة"؛ و "كليوباترا، ملكة الملوك وأم الأطفال الذين أصبحوا ملوكاً في ما بعد". على بعض العملات المعدنية التي تصورها، لا يوجد أي اسم لها على الإطلاق، لكن السمات المميزة لكليوباترا أخبرت الناس عن هوية الشخصية التي ينظرون إليها.

هل خدعتنا هوليوود؟

إن رد الفعل السلبي الحديث على وجه كليوباترا يخبرنا أكثر عن حبنا للقصص أكثر من أي شيء آخر حول هذه الملكة المصرية الأشهر، التي حكمت من 51 إلى 30 ق.م. بالنسبة لنا، تتعارض حقيقة صور كليوباترا على العملات المعدنية مع الأسطورة الأكبر لكليوباترا، وهي أسطورةٌ كبيرة لدرجة أنها استهلكت طاقة الشخص الذي يقف وراءها عملياً.

لم تخترع هوليوود الصورة الفاتنة الجميلة لكليوباترا، حتى نقول إن الكثير من تأثيرها في عالمنا يأتي من صورة هوليوود. بدلاً من ذلك، اتبعت هوليوود الصورة النمطية طويلة الأجل لكليوباترا. وتقول الأسطورة إن كليوباترا انتحرت (من لدغة ثعبان كما يزعمون). في 31 قبل الميلاد، هُزِمَت هي وحبيبها، ماركوس أنطونيوس، على يد منافسهما أوكتافيوس، وفي العام التالي انتحرا في مصر. انتصر أوكتافيوس، لكنه كان المنتصر في حربٍ أهلية شرسةٍ حرَّضت الرومان ضد بعضهم البعض.

كانت كليوباترا كبش فداء مناسباً. ادعى أوكتافيوس أنه يشن حرباً ضد الملكة الأجنبية، وليس ضد أنطونيوس. وبهذه الطريقة، يمكن تصوير أنطونيوس على أنه روماني فاضل خان وطنه من خلال مكائد الفاتنة الشريرة. وصُوِّرَت كليوباترا باعتبارها فتاة مثيرة لا تُقاوم، وقد التقط الكُتَّاب الرومانيون هذه الفكرة وكتبوا عنها. فقد أعلن الشاعر هوريس أنها "وحشٌ قاتل"، في حين أطلق الكاتب بروبرتيوس، بكياسةٍ أقل، على الملكة لقب "عاهرة". مع ذلك، احتاجت كليوباترا إلى المزيد من الصفات الاستثنائية حتى تهزم يوليوس قيصر وماركوس أنطونيوس: لذلك قال عنها المؤرخ الروماني كاسيوس ديو إنها "امرأة ذات جمال لا مثيل له ولديها القدرة على إخضاع الجميع".

ولكن ليس كل المؤرخين أخذوا بتلك الروايات. فكاتب السير اليوناني بلوتارخ، الذي كتب بعد حوالي قرن من وفاة كليوباترا، كانت لديه شكوكٌ حول صفاتها الجسدية التي لا مثيل لها. فكتب قائلاً: "جمالها في حد ذاته كان عادياً، ولا حتى يدهش أولئك الذين رأوها"، لكنه نسب إليها "سحراً لا يقاوم". كانت كليوباترا ذكيةً وموهوبة، وكانت لديها هبةٌ تجعل الناس يشعرون أنهم كانوا محور اهتمامها -وكانت تلك السمة، لا هيئتها، هي السمة المميزة لها مع يوليوس قيصر وماركوس أنطونيوس. واعترف كاسيوس ديو بأن كليوباترا "لديها معرفة بكيفية جعل نفسها مقبولة للجميع". ربما يكون هذا هو التفسير الأقرب الذي من خلاله يمكننا الوصول إلى كليوباترا الحقيقية وشخصيتها الكامنة وراء وجهها على العملات المعدنية.

في المقابل، كانت صورة كليوباترا الفاتنة الجميلة والمنمقة عبارة عن دعاية من أوكتافيوس، وخلق عن غير قصد أعظم قصة حب في التاريخ. لكن العملات المعدنية النقدية تقدم لنا قصةً أخرى -لشخصين سياسيين طموحين ينسجان مستقبلاً معاً: أنطونيوس الروماني وكليوباترا ملكة الملوك. لم يكن وجهها رومانسياً، ولكنه ربما وجهٌ كانت الملكة نفسها قد تعرَّفت عليه، وكانت لتوافق على سكَّه.

علامات:
تحميل المزيد