كثير من الأساطير دارت حول أشهر تاجر مخدرات في العالم، خواكين غوزمان لويرا، والمعروف باسم إل تشابو، حتى إن السينما أفردت لقصة حياته مساحة كبيرة، وأنتج أكثر من مسلسل عن حياة إل تشابو، اختلط فيها الحقيقة بالخيال.
لكن هذه القصة التي ترويها صحيفة The New York Times الأمريكية رغم غرابتها إلا أنها حقيقية هذه المرة، ويحكيها أحد الذين شاركوا بها بالفعل، طبقاً لشهادته في المحكمة.
إل تشابو وعشيقته يهربان من الشرطة
صبيحة يوم 17 فبراير/شباط عام 2014، كان خواكين غوزمان لويرا، تاجر المخدرات المكسيكي، في الفراش مع إحدى عشيقاته الكثيرات، حينَ اقتحم سكرتيره الخاص الغرفة برسالةٍ عاجلة: القوات على الأبواب، حان وقت الرحيل.
رَكَضَ غوزمان عارياً إلى الحمام، مُشيراً لباقي من في البيت ليأتوا معه. كاشفاً عن الفتحة المؤدية لمهربه، رفَعَ غوزمان غطاء المغطس لتظهر مجموعة من السلالم الخشبية المؤدية إلى نفق. وفيما استخدم فريق تكتيكي من قوات مشاة البحرية (المارينز) المكسيكية المدقَّ لخلع باب المنزل، اختفى تاجر المخدرات المُلقَّب بـ"إل تشابو" في دهاليز النفق المُظلمة، وفي سجلات الأساطير الإجرامية كذلك.
ومثل الأساطير الأخرى التي أحاطت غوزمان، فإنَّ الحقائق الرئيسية حول هروبه من قوات المارينز المكسية قبل 5 سنواتٍ رُويت مراراً لدرجة أنَّها بدأت في إثارة التباس حول أسطورة هروبه. لكن في يوم الخميس 10 يناير/كانون الثاني 2019، سُردت القصة مُجدَّداَ، ليس فقط بتفاصيل جديدة مُدهشة، ولكن على لسان مصدر مباشر مُذهل: لوسيرو غوالدالوبي سانشيز لوبيز، العشيقة التي هربت معه داخل النفق.
قصة حب بعيداً عن عالم المخدرات
في فترة ما بعد الظهيرة يوم الإدلاء بالشهادات في قضية اتجار إل تشابو في المخدرات في نيويورك، اصطحبت لوسيرو هيئة المُحلفين بعيداً في رحلة عن قصة حبٍّ في عالم المخدرات لا تُصدَّق، بدءاً من اللحظة التي التقت فيها زعيم الجريمة وهي ابنة الواحد والعشرين عاماً، وانتهاءً بالمسيرة المُروِّعة داخل بالوعات مدينة كولياكان المكسيكية.
وعلى مدى ثلاث سنواتٍ من الرومانسية المشوَّهة، كما وصفتها، أدت لوسيرو دور "ربَّة منزل" لغوزمان وشريكه غير المأجور في الجريمة، إذ كانت تشتري له كيلوغراماتٍ من المخدرات، وتُؤسس شركاته الوهمية، فضلاً عن التأكد من أنَّ لديه ملابس داخلية جديدة في كثير من الأحيان. ورُغم أنَّها أدلت بكل هذا في شهادتها باعتبارها أحد شهود الادِّعاء، لا تزال لوسيرو تبدو مُغرمةً بتاجر المخدرات، إذ أجهشت بالبكاء عند مرحلة ما أثناء اعتلائها منصة الشهود.
وقالت لهيئة المحلَّفين: "حتى اليوم، لا أزال مُشوَّشة. لأنني اعتقدت، في ما يخص علاقتنا، أنَّ هناك ما يربطنا عاطفياً، كشركاء".
عشيقة إل تشابو في يد الشرطة
يُذكر أنَّ لوسيرو، التي أصبحت في التاسعة والعشرين من عمرها الآن، وكانت في السابق مُشرِّعة من ولاية سينالوا، اعتُقِلت عام 2017 أثناء محاولتها دخول الولايات المتحدة عند حدود مدينة سان دييغو. ورُغم عدم درايتها بالأمر آنذاك، كانت لوسيرو هدفاً لتحقيقٍ ممتد يجريه عملاء فيدراليون أمريكيون عن طريق التنصُّت على الهاتف.
وكجزءٍ من تحقيقٍ منفصل، جرى اعتراض رسائلها النصية الخاصة مع غوزمان بعد أن ثبَّت مُتخصص تقني برامج تجسس على هاتف BlackBerry خاصتها، ومن ثمَّ أعطى كلمة المرور لمكتب التحقيق الفيدرالي.
الحب يظهر على المخدرات
رسَمت العديد من الرسائل التي عُرِضت على هيئة المُحلَّفينَ يوم الخميس صورةً للثنائي الشريكين في الجريمة باعتبارهما شيئاً يشبه النسخة المكسيكية من الزوجين بوني وكلايد (زوجان أمريكيان اشتهرا بجرائمهما المُروِّعة). وفي إحدى تلك الرسائل، أخبرت لوسيرو عشيقها بأنَّها ختمت للتو عشرات الكيلوغرامات من الماريغوانا بعلامةٍ مميزة تضمَّنت رمز القلب ورقم 4، في إشارة إلى يوم ميلاد زعيم الجريمة، 4 أبريل/نيسان.
كتبت لوسيرو في تعليقٍ منها على الأمر: "رمز القلب يعني أُحبك. ويعني الرقم 4 أنَّني أشكر الله على اليوم الذي جئت فيهِ إلى العالم".
لكن شهادة العشيقة أحرجت الزوجة
كانت زوجة غوزمان، إيما كورونيل أيسبورو، تجلس في قاعة المحكمة حينَ جرى عرض هذا الحديث الحميمي على الشاشة. وكانت تلك التطورات مُحرجةً بعض الشيء على أقل تقدير. فحينَ اعتلت لوسيرو منصة الشهود في الساعة الثانية بعد الظهر، زادت حدَّة اختلاجة وجهها المُعتادة، بسبب القلق على ما يبدو. عَبثت إيما بخصلات شعرها وحدَّقت إلى الأمام إلى حدٍّ بعيد. فيما امتنع غوزمان عن النظر إلى أيٍّ من المرأتين.
زادت الحدَّة الدرامية لتلك القصة الأشبه بمسلسلٍ تلفزيوني يتسم بالغرابة، والتي تكشَّفت مباشرةً في المحكمة الاتحادية في بروكلين، فقط حينَ هدأت لوسيرو، بعد أن ذرفت دموعها، وسردت تفاصيل هروبها مع غوزمان داخل النفق في كولياكان.
لعبة القط والفأر مع الشرطة
قالت إنَّ إل تشابو سَبقها في البداية، وتركها مع خادمه وسكرتيره، وهو رجلٌ معروفٌ فقط باسم كوندور، في "مكانٍ رطب يغمره الماء والطين" على حد قولها. ظلَّ الهاربون ماكثينَ هناك لمدة ساعة على الأقل، يتجوَّلون في الظلام لفترةٍ طويلة بما فيه الكفاية "لتُصيبني بالهلع" كما ذكرت. وأضافت لوسيرو أنَّهم خرجوا من النفق في النهاية في مكانٍ بالقرب من النهر. اختُصرت بقية قصتها بنهاية يوم المحاكمة.
قبل أن تعتلي لوسيرو منصة الشهود، استمع المحلَّفون إلى ما حدث بعد هروب إل تشابو من فيكتور فازكيز، وهو عميلٌ يعمل مع إدراة مكافحة المخدرات وكان يعمل ضمن قوات المارينز المشاركة في عملية القبض على إل تشابو. وَصف فازكيز العملية بأنّها أشبه بلعبة القط والفأر عالية المخاطر بينما كان يُلاحق جنود المارينز غوزمان في مُطاردةٍ ليلية عبر العديد من المواطن الآمنة لتاجر المخدرات، التي كانت مرتبطة ببعضها البعض بواسطة سلسلة من الأنفاق السرية.
لم تتمكَّن قوات المارينز المكسيكية من العثور على غوزمان قط في تلك الليلة، لكنَّهم عثروا على بعضٍ من مُتعلقاته، مُتضمِّنةً: قاذفة قنابل صاروخية يدوية، ومسدساً مُرصع بالألماس يحمل توقيه الخاص، وصناديق بلاستيكية مليئة بالكوكايين.
الشرطة تروي قصة القبض على إل تشابو
بعد تعقُّب غوزمان والتزود بمعلوماتٍ فورية تقريباً من خلال أجهزة التنصت الأمريكية على هواتف أفراد العصابة، اكتشفت قوات المارينز في النهاية أنَّ غوزمان فرَّ إلى مدينة ماساتلان المكسيكية وكان مُختبئاً في غرفة بفندق ميرامار، وهو مبنى قريبٌ من الشاطئ، حسبما قال فازكيز.
وأضاف أنَّ قوات المارينز اتخذوا الاحتياطات القُصوى عند القدوم إلى ماساتلان، إذ خلعوا زيهم الرسمي، واشتروا صنادلَ وسراويل قصيرة من سوق وول مارت المحلي. وبعد مُراقبة الفندق، استعدُّوا لمهاجمته يوم 22 فبراير/شباط، قبيل الفجر، بحسب فازكيز.
حينَ بدأت عملية المُطاردة، على حد قول العميل فازكيز، توَّجهت مجموعة من قوات المارينز المكسيكية إلى داخل الفندق بينما كان غوزمان يقف في الردهة. وفي غضون دقائق، جاءته رسالة مُشفرة عبر جهاز الراديو، كُتب فيها: " 7-7-7, confirmado."، حسبما ذكر.
وقال في تلك اللحظة "عرفتُ أنَّهم أمسكوا به"، مضيفاً أنَّه بعدما نزل إلى موقف السيارات في الطابق السفلي بالفندق، رأى إل تشابو يجثو على ركبتيه، مرتدياً قميصاً مُتَّسخاً، ومُحاطاً بالجنود الذين قبضوا عليه.
تذكَّر فازكيز قوله آنذاك: "ها هو أنت"، مُشيراً إلى غوزمان، الذي سيتمكَّن بعدها وفي غضون عامٍ من الهروب من السجن مُجدداً.
لم يتعلَّق الأمر بغوزمان فحسب؛ إذ عثرت قوات المارينز على زوجته إيما وابنتيهما التوأمين.
وبعد هروب غوزمان مع عشيقته، عادَ مُجدداً وألقيَ القبض عليه أثناء وجوده مع زوجته.