أمَرَ بنحت والدته وزوجته ليبقيا معه إلى الأبد.. مقبرة واح تي المكتشفة حديثاً تُظهر أهمية العائلة وتجذُّر البيروقراطية في زمن الفراعنة

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/20 الساعة 16:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/21 الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش

أعلنت وزارة الآثار المصرية عن اكتشاف مقبرة واح تي في سقارة محفوظة جيداً، والذي كان يشغل منصب مسؤول كبير لدى الأسرة الملكية الخامسة.

عمل "واح تي" مساعداً وكاهناً خلال عهد الفرعون "نفر إير كا رع"، من الأسرة الخامسة، وتعكس فخامة المقبرة مكانة الكاهن البارزة.

تلقَّى المهتمون بعلم الآثار المصرية الخبرَ بحماس، آملين كشف المزيد من أسرار الفراعنة.

صدر البيان الصحافي مع مجموعة مذهلة من الصور للنقوش والجداريات الرائعة، ولكن ما الذي يقبع خلف كل تلك الروعة؟

من أجل استكشاف ما يمكن لعلماء الآثار استخلاصه من مقبرة أثرية كهذه، شرحت عالمة المصريات، ليزلي آن واردن، الأستاذة المساعدة لتاريخ الفن بكلية رونوك، والخبيرة في المملكة المصرية القديمة بعضَ ما كشفته عمليات التنقيب لمجلة Forbes.

ماذا يعكس اكتشاف مقبرة واح تي في سقارة عن الأسرة الخامسة؟

ليزلي: ترجع هذه المقبرة إلى مسؤول رفيع المستوى، لذا فهي تمنحنا فكرة واضحة عن البيروقراطية إبان حكم الأسرة الفرعونية الخامسة في مصر القديمة.

عندما نفكر في مصر، تميل عقولنا للاعتقاد بأن الفرعون كان يتحكم في سائر أرجاء البلاد، ولكن استكشاف عدد من المقابر المشابهة، بيَّن بما لا يدع مجالاً للشك مدى تعقيد البيروقراطية وإدارة شؤون الدولة تحت حكم الفراعنة.

تسلط هذه المقبرة الضوءَ على كيفية قيام فرد واحد بأدوار مختلفة، وكيف تقاطعت وترابطت هذه الأدوار.

وبالنظر لدفن واح تي في مقبرة ملكية، فمن الواضح أنه كان على صلة بالفرعون، كما أنه تقلَّد أيضاً عدداً من المناصب الدينية، التي تعكس التسلسل الهرمي الديني.

ومن هنا، نرى كيف تداخل الدين والدولة في المملكة المصرية القديمة.

ما الذي يجعل منطقة سقارة، التي اكتُشفت فيها المقبرة، موقعاً مهماً؟

ليزلي: بُني أول هرم مصري -الهرم المدرج- في منطقة سقارة في عهد الأسرة الفرعونية الثالثة.

وفي فترة حكم الأسرة الفرعونية الرابعة، أصبحت منطقة الجيزة مكان الدفن المفضل للفراعنة، وقد بلغت هندسة بناء الأهرام ذروتها في هذه الفترة بطبيعة الحال.

عندما حكمت الأسرة الخامسة مصر القديمة، كان الفراعنة يُدفنون في عدة أماكن متفرقة، ولم يكن من الضروري أن يُدفن المواطنون العاديون الذين عملوا لديهم في نفس مكان دفن الفرعون.

فقد دُفن الفرعون الذي كان يعمل لديه واح تي، والذي يُعرف باسم "نفر إير كا رع" في منطقة أبوصير، الواقعة جنوباً.

ما نراه هنا هو تغير النمط الذي ساد إبان حكم الأسرة الفرعونية الرابعة، إذ كان الفرعون ورجال حكمه يبقون متقاربين للغاية في الحياة وبعد الموت، أما خلال حكم الأسرة الفرعونية الخامسة، فقد أصبحت إدارة شؤون الدولة أكثر تعقيداً واتساعاً.

في هذه الفترة أيضاً، لعبت الوراثة دوراً في اختيار مَن يشغل مناصب البيروقراطية الحكومية.

لذا، من المثير للاهتمام أن تظلَّ منطقة سقارة منطقة غاية في الأهمية بالنسبة لمصر القديمة.

فدفن واح تي في سقارة، بعيداً عن الملك الذي عمل تحت إمرته، بالإضافة إلى مناصبه التي تبوأها، يشير إلى أنه لم يكن شخصاً مرموقاً أو رفيع المستوى، على الرغم من أنه كان جزءاً من البيروقراطية والعاملين في البلاط الملكي.

ماذا يعني أنه لم يكن شخصاً مرموقاً؟

ليزلي: في نظام الحكم وإدارة الدولة في مصر القديمة، يتربع الفرعون على القمة، ثم يليه مباشرة وزير.

يتخذ هذا الوزير الكثير من القرارات اليومية لتسيير شؤون الحكم. يلي ذلك عدد كبير من الأشخاص يعملون تحت إمرة الوزير.

من الصعب أن ترسم تسلسلاً هرمياً واضحاً للجميع. فقد كانت بعض المناصب تدل على المكانة، لا على المسؤولية الفعلية.

إذا كان واح تي شخصاً على صلة قوية بالفرعون، مثل الوزير، أو حتى كبير كهنة إله الدولة، أو حتى مصفف شعر ملكي يستطيع لمس جسد الفرعون، لكان في منصب أكثر أهمية.

لقد كان هذا الشخص في مرتبة متدنية من التسلسل الهرمي للدولة.

اختار واح تي أن يُجسد بجانبه زوجته ووالدته. ما أهمية الأسرة في المملكة القديمة؟

ليزلي: تطلَّع المصريون القدماء إلى تكوين عائلات، فقد كان ذلك أحد أهم ما يمكن للفرد أن يقوم به، أي أن يكون أباً أو أماً لطفل.

كان للعائلة أيضاً أهمية بالغة فيما يتعلق بالحياة الآخرة لدى المصريين القدماء.

فمن أجل الوصول إلى الحياة الأبدية، لا بد من وجود شخص ما ليقدم لك الطعام والقرابين، وهو ما لن يحدث بغياب العائلة.

إن وجود الزوجة والأم في المقبرة كان بالغ الأهمية، فالزوجة بطبيعة الحال كان وجودها ضرورياً، للحفاظ على نسل العائلة. أما الأم، فهي التي كانت سبباً في حضور الشخص إلى هذا العالم.

لذا، فمن المنطقى الإشارة إلى هؤلاء الأشخاص في حين تنتقل إلى العالم الآخر. للآباء والأمهات أهمية منقطعة النظير في حياة المصريين.

هل يمكن لاكتشافٍ مثل هذا أن يكشف حياة الأشخاص العاديين في مصر القديمة؟

ليزلي: يمكننا الاستفادة من هذه المقبرة لمعرفة طبيعة حياة هذا الشخص، وهذه الفئة الخاصة من الأشخاص، وكيف كانت الأسرة الفرعونية الخامسة تدير الحكم في هذه الفترة بشكل خاص. لا شك في أن الرسوم والتماثيل مدهشة، ولكن يجب الأخذ في الحسبان أن الفن المصري كان مثالياً للغاية.

كان واح تي من ملّاك الأراضي على الأرجح، استناداً إلى ما نعرفه عن مسؤولين آخرين في بلاط الفرعون من المرتبة نفسها، ويُرجح أيضاً أن هذه الأراضي مصدر الجزء الأكبر من ثروته الشخصية.

وقد استغل مقبرته ليقدم لنا نظرة مثالية عن أملاكه. لم يكن يقوم بأعمال الزراعة أو أي نوع من الأعمال بنفسه. ولم يكن الهدف من هذه الصور نقل الحقيقة.

إحدى أهم النقاط المهمة التي يجب أن نتطلع إليها، معرفة ما إذا كان الفريق المصري عثر على جثامين وقرابين لم تُمس من قبل أم لا.

إنّ فهم الطقوس الجنائزية وتقديم القرابين من خلال أشخاص لا ينتمون إلى الأسرة الملكية في هذه الفترة ودراسته مثير للاهتمام، كما أن الحصول على مزيد من المعلومات عن تلك الطقوس سيكون مفيداً للغاية.

إذا عُثر خلال عمليات التنقيب بالفعل على جثامين واح تي وعائلته، فمن المثير للاهتمام أن نرى ما يمكن أن تكشفه لنا التحاليل الحيوية الأثرية لهذه الجثامين عن حياتهم.

كيف توصلوا لاكتشاف المقبرة الجديدة في سقارة؟

في المؤتمر الصحافي أشاررئيس المجلس الأعلى للآثار المصرية مصطفى وزيري إلى أن البعثة استطاعت الوصول إلى واجهة هذه المقبرة أثناء أعمال الحفر الأثري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018 حيث كان المدخل مغلقا بجدار من الطوب اللبن، مما تطلب الكثير من العمل والوقت.

وأوضح المسؤول المصري أنه "خلال العمل اكتشفت البعثة نقوشا غائرة تضمنت 3 أسطر من الكتابة الهيروغليفية، تحمل أسماء وألقاب صاحب المقبرة واح تى"، ومنها "كاهن التطهير الملكي"، و"مفتش القصر الإلهي"، و"مفتش معبد الملك نفر إير كا رع"، و"مفتش المركب المقدس".

تحميل المزيد