"ملكة الكوكايين" غريسيلدا بلانكو كانت طفلة نشأت في حيٍّ شديد الفقر بإحدى المُدن الكولومبية، قبل أن تقرر أن أنسب الطرق وأقصرها للتخلص منه هو الانخراط في الأعمال غير المشروعة.
كانت غريسيلدا بلانكو صغيرة جداً حينما قررت البدء في عملها الإجرامي الأول، كانت طفلة لم يتجاوز عُمرها الحادية عشرة بعد.
في بدايتها الإجرامية، قامت باختطاف طفلٍ في العاشرة من عمره، ثم قامت بقتله بإطلاق النيران عليه بعد أن فشل والداه في دفع الفدية التي حددتها، هذه هي غريسيلدا بلانكو التي عُرفت باسم "ملكة الكوكايين".
كانت بلانكو هي مَنْ تحكم تجارة الكوكايين التي بدأت في السبعينيات، حينها لم يكن بابلو إسكوبار نفسه قد دخل سوق الكوكايين بعد، وطبعاً نعرف أن إسكوبار من أشهر المُهربين الكولومبيين للكوكايين، وحقق ثروة هائلة من وراء تجارته غير المشروعة تلك.
مع ذلك فإن بلانكو تُعتبر هي مَنْ مهَّدت طريق تجارة الكوكايين لإسكوبار وآخرين غيره، ويزعم البعض أن إسكوبار هو من كان يُقدّم الحماية لبلانكو من أجل استمرار عملها، بينما يُشكك آخرون في ذلك ويؤكدون أن الاثنين أصبحا مُتنافسين شرسين في سوق الكوكايين وتهريب المُخدرات.
"ملكة الكوكايين" غريسيلدا بلانكو.. فقر دفع للعنف، لكنه حولها إلى ثرية
Griselda Blanco, la reina de la cocaína que enseñó el negocio a #PabloEscobar 😲
➡️https://t.co/bRiPgFOuQO pic.twitter.com/X89cKvpKf5— La Neta Noticias (@LaNetaNoticias) April 12, 2018
ثبتت بلانكو أقدامها في عالم تجارة الكوكايين خلال السبعينيات، وقد جعلها هذا بطلةً محوريةً في حروب المُخدرات بميامي في الثمانينات.
خلال فترة سيطرتها على سوق الكوكايين خلقت لها العديد من الأعداء في جميع أنحاء كولومبيا والولايات المُتحدة الأميركية، ولم تكن بلانكو أبداً بالعدو السهل.
فقد أقسمت على نفسها أنها ستفعل أي شيء للقضاء على أعدائها، هذا الـ"أي شيء" الذي قامت به بلانكو شمل إطلاق النيران على مراكز التسوق، وتشكيل فرق الاغتيالات بالدراجات النارية، وتنفيذ العديد من حوادث الهجوم على منازل، فأصبحت بلانكو مسؤولة عن ما يصل إلى 250 جريمة قتل.
يقول عنها نيلسون أبريو، وهو مُخبر سابق في جرائم القتل: "كان الناس يخافون منها لدرجة أن سُمعتها سبقتها أينما ذهبت، والحقيقة أنها كانت أسوأ من أي من الرجال الذين تورطوا في تجارة المُخدرات".
وعلى الرغم من كل هذه الوحشية كانت بلانكو من مُحبي التفاصيل الدقيقة التي تتميز بالثراء والرفاهية حولها، فقد كان لديها قصر على شاطئ ميامي.
كما كانت حريصة على شراء بعض الألماس من السيدة الأولى في الأرجنتين إيفا بيرون، زوجة الرئيس الأرجنتيني خوان بيرون، وكان لدى بلانكو مُسدس آلي من الزمرد والذهب من طراز MAC 10، وقُدّرت ثروتها بالمليارات.
كل هذه المكاسب المادية والتفاصيل التي تدّل على الترف والرفاهية، كانت أشياء لم تكن تخطر على بال شخص نشأ في حي فقير في مدينة قرطاجنة بكولومبيا.
ففي هذه البيئة الفقيرة وُلدت غريسيلدا بلانكو عام 1943، ونشأت في منزل شديد الفقر، لم يكن الفقر هو أسوأ ما تتعرض له في المنزل.
فقد دفعها الاعتداء الجسدي المُتكرر إلى ترك المنزل والخروج إلى شوارع مدينة ميديلين، وهي ثاني أكبر مُدن كولومبيا، لتبدأ حياة جديدة لم تكن أفضل حالاً بكثير من سابقتها حيث بدأت في العمل كعاهرة ونشالة أيضاً.
تجارة ملكة الكوكايين تزدهر بفضل الزوج الثاني
إحدى نقاط التحول الهامة في حياة بلانكو كانت عندما بلغت الثالثة عشرة من عُمرها، فقد عرفت عن طريق زوجها الأول كارلوس تروجيلو، أنه بإمكانها تحويل عملها الإجرامي إلى عمل تجاري كبير ومُربح.
كان كارلوس يعمل في التهريب، ولم يدم زواج كارلوس وبلانكو طويلاً على الرغم من أن لديهما ثلاثة من الأبناء، فقد قتلت بلانكو زوجها الأول في أوائل السبعينيات.
لم يمض وقت طويل حتى تزوجت زيجتها الثانية التي كانت من ألبيرتو برافو، وكان ألبيرتو بوابة عبور بلانكو إلى عالم الكوكايين، ففي أوائل السبعينيات انتقلا إلى نيويورك، وهناك ازدهرت أعمالهما، فقد كان لديهما خط مُباشر لإنتاج الكوكايين في كولومبيا.
في هذه الفترة وجدت بلانكو طريقة بارعة لتهريب الكوكايين إلى نيويورك، فقد كلفت مجموعة من الفتيات بالعمل على نقل الكوكايين من خلال سفرهن على متن الطائرات.
أما طريقة التهريب فقد تمثلت في تخبئة الكوكايين في ملابسهن الداخلية، التي صممتها بلانكو بنفسها، ومع التوسُّع في أعمال بلانكو وبرافو، عاد الزوج إلى كولومبيا لإعادة هيكلة نظام التصدير، بينما تفرغت الزوجة لتوسيع الإمبراطورية في نيويورك، لكن تلك التجارة لم تستمر طويلاً فقد انهارت كل جهود الزوجين بعدما تم اختراق أعمالهما من قبل شرطة نيويورك عام 1975.
وقبل أن يتم توجيه الاتهام إلى بلانكو، تمكّنت من الهرب إلى كولومبيا، وقيل إنها قتلت زوجها الثاني بمسدس كان مُخبأ في حذائها.
فيما تقول مصادر تاريخية أخرى إن بابلو إسكوبار هو من قتل الزوج، وأيّاً كانت الطريقة التي مات بها الزوج فقد كان لبلانكو يد بها بشكل ما.
وبعد وفاته حصلت بلانكو على لقب جديد هو "الأرملة السوداء"، وأصبحت تُسيطر بالكامل على إمبراطورية المُخدرات، وظلت تُدير أعمالها من كولومبيا، واستمرت في تصدير الكوكايين إلى الولايات المُتحدة الأميركية.
الزيجة الثالثة وتوسع إمبراطورية بلانكو
في عام 1978 تزوجت بلانكو زوجها الثالث، وكان الزوج لصّ بنوك يُدعى داريو سيبولفيدا، وفي نفس عام زواجها ولدت ابنها الرابع.
كانت تهدف إلى الانتقال لميامي، لتدعيم سيطرتها كـ"ملكة الكوكايين"، وفي ميامي عاشت ببذخ بين المنازل المُترفة والسيارات باهظة الثمن، وكانت لديها طائرة خاصة لتنقلاتها.
وقد استضافت في بيتها العديد من الحفلات التي كان يحضرها الكثير من تُجار المُخدرات، كما كانت تُحضر البغايا لخدمة الضيوف، وقالت المصادر التاريخية إنها كانت تُجبر الرجال والنساء على مُمارسة الجنس معها تحت تهديد السلاح.
في هذه الأثناء أصبحت بلانكو مُدمنة، وقد كانت تتعاطى كميات كبيرة من الكوكايين غير المُكرر المُسمى بازوكا، وأحكمت سيطرتها على سوق الكوكايين.
وفي هذا الوقت كان هناك تنافس مُتزايد بين مُختلف الفصائل، وحركة الطائرات المُحملة بالكوكايين على متنها لا تهدأ.
ولَّدت هذه المُنافسة صراعاً لا يهدأ استمر مُنذ عام 1979 إلى عام 1984، حتى تحولت خلاله جنوب فلوريدا إلى منطقة حرب.
وفي عام 1983، قُتل الزوج الثالث لبلانكو أثناء تبادل النيران، خلال فترة الصراع حينما كانت بلانكو تأمر فرقة اغتيالات الدراجات النارية خاصتها بضربة ما، فإن هذا يعني أن كلَّ مَنْ بالمنطقة المُحيطة سيُقتلون، لكن هذا لم يكن يعني بلانكو كثيراً، بحسب أيالا وهو أحد أبرز رجال بلانكو.
بلانكو كانت تتصرف بلا رحمة، فإذا لم يدفع لها أحد المُتعاملين معها في تجارة المُخدرات المال في الوقت المُحدد فإن هذا يعني قتله هو وعائلته، أما إذا كانت هي لا تريد الدفع لأحدهم فإنها تأمر باغتياله بسهولة.
وقد كان أيالا يُحب بلانكو ورغبته فيها جعلته يُنفذ كل أوامرها، على الرغم من تجنبه قتل الأطفال خلال مهامه الاغتيالية.
إلقاء القبض على "ملكة الكوكايين" غريسيلدا بلانكو
Griselda Blanco Restrepo, known as La Madrina, the Black Widow, the Cocaine Godmother and the Queen of Narco-Trafficking, was a Colombian drug lord of the Medellín Cartel and a pioneer. @lifetimetv #realgriseldablanco pic.twitter.com/w7wiq1Ggt2
— Jr palmer (@Jrpalmer24) January 21, 2018
في أوائل عام 1984 انتقلت بلانكو للعيش في كاليفورنيا، وكانت مُستهدفة من العديد من الجهات التي تُريد قتلها، وكانت أيضاً محط تركيز إدارة مُكافحة المُخدرات، التي نجحت في أن تصل إلى بلانكو قبل غيرها ممن استهدفونها.
ففي عام 1985 أُلقي القبض عليها عن عُمر يُناهز 42 عاماً، وحُكم عليها بالسجن لمدة 20 عاماً بتهمة الاتجار بالمُخدرات، ولم تكن هناك أدلة كافية لإدانتها بحوادث القتل.
لكن في عام 1994 جاءت الضربة الحقيقية لبلانكو حينما أصبح رجلها الأبرز أيالا شاهداً رئيسياً ضدها في مُحاكمتها القضائية، وقد كان هذا كفيلاً بجعلها تُصاب بانهيار عصبي؛ لأنه كان يعرف عنها ما يكفي لإرسالها إلى الكرسي الكهربائي بل وإعدامها عدّة مرات إذا كان هذا مُتاحاً.
وما أنقذ بلانكو من هذا المصير كان فضيحة جنسية بين أيالا وأمناء من مكتب النائب العام لمدينة ميامي، ما جعل أيالا غير جدير بالثقة كشاهد رئيسي في القضية.
نجت بلانكو من عقوبة الإعدام وقبلت بصفقة الإقرار بالذنب، وفي عام 2004 أُفرج عنها وأُعيدت إلى كولومبيا.
وبعد سنوات، وتحديداً في عام 2012 لم يُمهلها الحظ أكثر من ذلك، إذ أصيبت بلانكو البالغة من العمر 69 عاماً وقتها بعيار ناري في رأسها عن طريق قاتل مُحترف على دراجة نارية.
لتنتهي قصة "ملكة الكوكايين" غريسيلدا بلانكو بنفس طريقة الاغتيال التي ابتكرتها.