«موكب الشموع».. هكذا تحتفل مدينة مغربية بذكرى مولد النبي منذ 5 قرون

لحبّ الرسول الكريم مكانة خاصة في قلوب المغاربة، إذ يحتفون بذكرى المولد النبوي في جميع مناطق المملكة، إلا أن لمدينة سلا طريقة فريدة ومختلفة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/25 الساعة 08:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/25 الساعة 08:14 بتوقيت غرينتش
من احتفالات المولد النبوي بمدينة سلا (عربي بوست)

لم يكن من العبثِ أن يوكل رجال أشدَّاء، بحمل شُموع ضخمة متنوعة الأشكال والأحجام، يجوبون بها أهم شوارع المدينة، ويرقصون في حلقات دائرية، أمام جماهير اصطفَّت بالآلاف على جنبات الطرقات، كيف لا وهم يحملون هياكل شمعية قد يصل وزنها إلى 50 كيلوغراماً.

المكان: مدينة سلا (بالقرب من الرباط)، والزمان: بعد صلاة عصر الـ11 من شهر ربيع الأول، أما الانطلاقة فتكون من السوق الكبير، قرب دار صانع الشموع، حيث تُحمل الشموع الضخمة في جوٍّ من الموسيقى والغناء وقرع الطُّبول والمدائح النبوية. إنه "موسم الشموع"، أو ما يُطلق عليه السلاويون "دُور الشّمع".

لحبّ الرسول الكريم مكانة خاصة في قلوب المغاربة، إذ يحتفون بذكرى مولده في جميع مناطق المملكة، التي تُعطَّل مدارسها وإداراتها طيلة يومين، لإفساح المجال أمام المواطنين للاحتفال، إلا أن لمدينة سلا طريقة فريدة ومختلفة، تشُدُّ إليها مختلف الفرق الفلكلورية عبر جهات البلاد الرِّحال، أما صانعو الشمع وحاملوه فهم نجوم "الكرنفال" بلا منازع.

شموع عملاقة.. فخامة الصناعة التقليدية

لا احتفال بالمولد النبوي بمدينة سلا دون شموع، فهي قطب الرَّحى التي تدور حولها جميع الاحتفالات. فلا يُستهلّ المهرجان إلا باستعراضها، يحملها الشباب والرجال ويطوفون بها بعض شوارع المدينة، قبل التوجه صوب ضريح "مولاي عبدالله بن حسُّون"، أحد أبرز أئمة الصوفية المغاربة، وُلد بفاس 1515 وتوفي بسلا 1604.

بألوان بهيجة يغلب عليها الأبيض والأحمر والأخضر والأصفر، تتراصُّ مئات الشموع في شكل هندسي بديع شبيه بقَفير النَّحل، تُصنع على هياكل من خشب فتأخذ شكل قِباب أو صوامع مستوحاة من فن العمارة الأندلسية والإسلامية.

موكب الشموع
موكب الشموع

تُكسى الهياكل الخشبية بالورق الأبيض، قبل أن تُزخرف وتُزيّن بأزهار الشموع المختلفة تماماً عن شموع الإنارة أو الزينة، تتخلَّلها عبارات مثل "الله" و"بركة محمد" و"توكلنا على الله".

يُحتفظ بهذه الشموع لمدة 11 شهراً داخل الزاوية الحسونية، فيما تُنقل شهراً قبل حلول ذكرى المولد النبوي إلى مقر صانع شموع، قصد تطريزها وزخرفتها من جديد، وتتولَّى عائلة سلاوية عريقة هذه المهمة، وهي عادة متوارَثة منذ أجيال طويلة.

من إسطنبول إلى سلا

تشرئب أعناق الصغار عندما تلوح لهم صوامع الشموع، إيذاناً ببداية  "الكرنفال"، أما النسوة فيُبهجُهنّ الفرق الفلكلورية والصوفية المغربية، على اختلاف أهازيجها وأنغامها وآلاتها الموسيقية وملابسها التقليدية. فسيفساء ثقافية وحضارية مغربية تجتمع ذات عشية بمدينة سلا لغرض واحد.

هذه الطقوس الاحتفالية التي غدَت سمةً من سمات المدينة ليست وليدة اليوم، بل تعود لقرون عديدة، إذ كان أول احتفال بـ "دور الشمع" بُعيد انتصار المغرب في معركة وادي المخازن.

بالنسبة لعبدالمجيد الحسوني، نقيب الشرفاء الحسونيين بسلا، فإن المغاربة يولون اهتماماً كبيراً لميلاد الرسول الكريم، عبر إقامة احتفالات دينية واجتماعية وثقافية، إلا أن مدينة سلا تنفرد عن باقي المدن المغربية باحتفالية خاصة، يرجع تاريخها إلى الدولة السعدية، بحسب تعبيره.

وفق روايات عدد من المؤرّخين المغاربة، من بينهم المؤرخ السلاوي ابن علي الدكالي، فإن الملك السعدي أحمد المنصور الذهبي، وقُبيل توليه الحكم بمدة قصيرة، حضر لاحتفالات المولد النبوي المقامة بمدينة إسطنبول من قِبَل الدولة العثمانية، فانبهر بالشموع والطبول والأهازيج.

عاد المنصور الذهبي إلى بلاده آنذاك وفي نيّته أن يقيم مثل ذلك الاحتفال أو أعظم إن تولى حكم المغرب، وهو ما نفَّذه فعلاً بعد تربّعه على العرش، فكان أول استعراض للشموع بمدينة سلا سنة 986 هجرية.

عمل السلطان المغربي آنذاك على استدعاء أكفأ الصناع التقليديين من مدن سلا ومراكش وفاس، وشرح لهم كيفية صنع الشموع وفق مشاهداته في إسطنبول، ومن ثم ترسَّخ هذا التقليد السنوي ولا يزال مستمراً طيلة 5 قرون.

قاربت الشمس على المغيب، ووصل الموكب إلى الضريح، إلا أن انتهاء "موكب الشموع" لا يعني اختتام الموسم ولا انتهاء الاحتفال الذي يستمر ليلاً من خلال حفل تقليدي أصيل يدعى "رقصة الشمعة"، يتم على نغمات الموسيقى الأندلسية، متبوعاً بطقوس إيقاد الشموع عبر إنشاد المدائح النبوية، وتستمر الاحتفالات على هذا النحو لأسبوع كامل.

علامات:
تحميل المزيد