اكتشاف أقدم لوحة تشخيصية في العالم داخل كهف بإندونيسيا.. هذا «العشاء الشهي» ألهم أول فنان عرفه البشر

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/12 الساعة 07:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/12 الساعة 07:34 بتوقيت غرينتش
3000-5000 years of pre-history painting in Thailand,Khao para,Uthai Thani.

لوحة فنية لوحش رُسمت على الجدران الجيرية لكهفٍ في جزيرة بورنيو الإندونيسية، قد تكون أقدم لوحة تشخيصية في العالم تم اكتشافها حتى الآن.

اللوحة التي تبدو غير منتظمة نتيجة لتغير لون الجدران بفعل تعرضها للهواء، يُعتقد أنها قد تكون أقدم مثالٍ معروفٍ للفن التشخيصي على الأحجار وفقاً لما نقلته صحيفة The Guardian البريطانية عن الباحثين الذين أرخوا لهذا العمل.

وتضيف أقدم لوحة تشخيصية في العالم مزيداً من الضوء على عالم الإنسان البدائي التي تتكشف خفاياه يوماً بعد يوم.

ماذا رسم هذا الفنان في أقدم لوحة تشخيصية في العالم؟

إذا صح تأويل أحد الخطوط البارزة من تلك المغارة (دهان أصفر قوامة أكسيد الحديديك المائي الطبيعي) على اعتباره رمحاً يخرج من خصر حيوان، فستكون تلك اللوحة صورةً باهتةً ومتصدعةً ذات لون برتقالي مائل إلى الحمرة تُظهر حيواناً مكتنزاً ذا قوائم نحيفة.

وربما يكون هذا الحيوان هو أحد أنواع الأبقار البرية التي لا تزال تعيش على الجزيرة حتى الآن، أو تعبر ببساطةٍ عن صورةٍ للعشاء في عيني الفنان الذي رسمها.

أي أن هذا العشاء الشهي ألهم الإنسان الأول برسم أول لوحة تشخيصية في العالم تم اكتشافها حتى الآن.

يُعتقد أن أقدم لوحة تشخيصية في العالم كانت لبقرة برية/ISTOCK
يُعتقد أن أقدم لوحة تشخيصية في العالم كانت لبقرة برية/ISTOCK

وهذا الحيوان هو واحدٌ من ثلاثة مخلوقاتٍ كبيرةٍ تُزين صورها جدران كهف Lubang Jeriji Saléh بمقاطعة كاليمانتان الشرقية في جزيرة بورنيو الإندونيسية.

والرسومات معروفة منذ عام 1994 حين اكتشف المستكشف الفرنسي لوك هنري فاغ الصور للمرة الأولى.

ولكن نتائج الأبحاث التي أجريت مؤخراً تعطي مؤشرات إلى أنها قد تكون أقدم لوحة تشخيصية في العالم يتم اكتشافها حتى الآن.

وقد جرت دراسة الرسومات على الصخور في المنطقة، التي يصل عددها إلى آلاف الرسومات على جدران كهوف الحجر الجيري، منذ عثر عليها المستكشف الفرنسي للمرة الأولى.

وهذه هي الأداة التي استخدمها البشر الأوائل لرسم طبعات الكفوف التي تميز رسومات الكهوف

"إنَّها أقدم اللوحات التشخيصية داخل الكهوف في العالم. من المذهل رؤية ذلك، حسب ما يقول مكسيم أوبرت عالم الآثار والجيوكيمياء بجامعة غريفيث في كوينزلاند بأستراليا.

ويضيف أوبرت الذي ترأس فريق الاكتشاف قائلاً "إنَّها نافذةٌ مشرَّعة على الماضي".

في الأعلى، وبين رسومات الوحوش الثلاثة توجد طبعاتٌ لكفوفٍ، وهي العلامة المميزة للفنون داخل الكهوف لدى أسلافنا.

وهذه العلامات التي تظهر فرادى أو في مجموعاتٍ، تُرسم عادةً بنفث صبغات أكاسيد الحديد من الفم على اليد الموضوعة على الصخور.

ولكن كيف تمكن العلماء من تقدير عمرها؟

توصل العلماء إلى عمر الرسومات عن طريق حساب عمر قشور الكالسيت التي تشبه تجاويف حبات الفشار والتي تنتشر عادةً على جدران كهف الحجر الجيري.

وتتكون هذه القشور من جراء تسرب مياه الأمطار عبر الجدران.

وتشير تلك القشور الموجودة تحت الرسمة إلى أقصى عمرٍ مقدرٍ لها، بينما تشير تلك الموجودة فوقها إلى أقل عمرٍ مقدر.

وقد وجد فريق أوبرت قشور الكالسيت قرب مؤخرة الحيوان المرسوم، واستخدم تقنيةً للتحليل الزمني باستخدام اليورانيوم لتقدير عمرها بنحو 40 ألف سنةٍ على الأقل.

وهي تسبق بآلاف الأعوام أقدم صور مكتشفة من قبل

ولو صحت القياسات، فرسومات بورنيو قد تكون أقدم بنحو 4500 عامٍ من صور الحيوانات التي تزين جدران الكهوف في جزيرة سولاويزي المجاورة، والتي يقدر عمرها بـ 35000 عام.

يُمكن تقسيم رسوم الكهوف في كاليمانتان الشرقية إلى ثلاث مراحل مميزةٍ. تشمل الأولى طبعات الأيدي البرتقالية المائلة للحمرة ورسوم الحيوانات التي تصور غالباً الثيران البورنية، وهي نوعٌ من الأبقار البرية لا يزال موجوداً إلى وقتنا هذا.

وتتكون المرحلة الثانية من طبعات لأيدٍ أصغر حجماً، وزخارف ورموزٍ معقدةٍ، وتصاوير لأشخاصٍ أنيقين يشبهون الخيوط، بعضهم يرتدي أغطية رأسٍ متقنةً، وبعضهم يرقص على ما يبدو، مرسومين بلونٍ أرجوانيٍ داكنٍ أو بصباغ التوت على جدران الكهوف.

في حين تظهر في المرحلة الثالثة رسوماتٌ أكثر حداثةً لناسٍ وقوارب وتصاميم هندسيةٍ، كلها باللون الأسود.

وبسبب هذا الاكتشاف، العلماء يتوصلون إلى الطريقة التي انتشر بها الفن بالمنطقة.. الحيوان أولاً

استناداً إلى التواريخ المستنتجة من قشور الكالسيت في كهف Lubang Jeriji Saléh وغيره من الكهوف المجاورة، فقد وضع فريق أوبرت تسلسلاً زمنياً مؤقتاً لتقدم الفن في المنطقة.

وهم يعتقدون أنَّ فن الرسم على الصخور، الذي ركز في البداية على لوحات الحيوانات الكبيرة، بدأ منذ نحو 40 إلى 52 ألف سنةٍ مضت، واستمر حتى 20 ألف سنةٍ مضت عندما بدأت المرحلة الثانية.

وقال أوبرت: "في ذلك الوقت، بدأ البشر أخيراً يصورون العالم البشري".

بدأ الإنسان برسم الحيوانات ثم رسم البشر بعد ذلك/ISTOCK
بدأ الإنسان برسم الحيوانات ثم رسم البشر بعد ذلك/ISTOCK

ولا يعرف أحدٌ ما إذا كان التحول جزءاً من التطور الطبيعي للفن، أو جاء مع وصول موجةٍ أخرى من البشر.

أما المرحلة الأخيرة من فن الرسم على الصخور فربما تكون بدأت منذ 4000 عام.

كما يرجحون أن الفن في أوروبا وآسيا نشأ بشكل متزامن ولكنْ كل بطريقته

يرجح ذلك العمل الفني أنَّ الفن التشخيصي ربما يكون قد نشأ في جنوب شرق آسيا وأوروبا في الوقت ذاته تقريباً، وظل متزامناً حين تحول من تصوير الحيوانات إلى تصوير عالم الإنسان.

ففي كهف شوفيه في منطقة أرديتشي في فرنسا.

تغطي الجدران قطعٌ فنيةٌ خلابة مرسومة بالفحم لخيولٍ وحيوان وحيد القرنٍ لا يقل عمرها عن 30 ألف سنةٍ.

ولكن الفن التجريدي بدأ قبل ذلك بكثير

إذ كانت أقدم لوحة تشخيصية في العالم تعود إلى 40 ألف سنة، فإن هناك فنون أقدم بكثير. 

إذ أن فن الرسم على الصخور نفسه يعود تاريخه لأقدم من ذلك بكثير، رجوعاً إلى الرسومات على جدران كهوف النياندرثال في إسبانيا، قبل وصول الإنسان الحديث إلى أوروبا بفترةٍ طويلةٍ.

وبدأ الفن التجريدي (فن يعتمد على أشكال ونماذج مجردة تنأى عن مشابهة المشخصات والمرئيات في صورتها الطبيعية) أيضاً قبل الرسم التشخيصي.

ففي سبتمبر/أيلول 2018، نشر باحثون تفاصيل عن كتلة صخرية عمرها 73 ألف عامٍ تحمل تصميماً متقاطعاً من أكسيد الرصاص جرى اكتشافها في كهفٍ في جنوب إفريقيا.

ولكن البعض يشكك في العمر الذي وضعه الباحثون لهذه الرسومات

غير أنَّ هناك مجالاً للشك بشأن حقيقة أن هذا الاكتشاف الأخير يشكل بالفعل أقدم لوحة تشخيصية في العالم.

ففي دورية Nature أقر الباحثون بأنَّ القشور التي قاموا بتحليلها قد تشكلت فوق جزءٍ من صورة الحيوان تعرض لعملية تجوية كثيفة، (عملية تفتت وتحلل الصخور والتربة والمعادن بواسطة العوامل الجوية).

كما أقروا بأنَّ التحليلات الصبغية لا يمكن أن تميز الدهان الأساسي عن ذلك الموجود في طبعات الأيدي الملونة المجاورة.

وقال بول بيتي، أستاذ علم الآثار القديمة في جامعة درهام بولاية كارولاينا الشمالية الأميركية، إنَّه على مستوى "القيمة الإسمية"، فالنتائج تشير إلى وجود نمطٍ متماثلٍ لتطور الفن على طرفي قارة أوراسيا (اسم يجمع آسيا وأوروبا ككتلة قارية متصلة) منذ أكثر من 40 ألف عامٍ.

لكنه يتوخى الحذر في ما يتعلق بالتأريخ في الدراسة الأخيرة، وبالتالي الإدعاء بأنها أقدم لوحة تشخيصية في العالم، حسبما يقول مكتشفوها.

إذ يتسابق الأثريون على إثبات أن اكتشافاتهم هي الأقدم

"للأسف يشير هذا العمل إلى المنافسة الأكاديمية والاندفاع نحو التواريخ الأقدم أكثر مما يشير إلى تطور الفن"، حسبما يقول بيتي.

ويضيف قائلاً "أنا أرحب بالاكتشاف المبهر والتوثيق لمنطقةٍ كبيرةٍ تأوي فن بدائي، لكن لدي تحفظاتٍ لا يستهان بها حيال ملائمة العينات المؤرخة لما تحتها من فن".

إذ يرى أستاذ علم الآثار القديمة "أنه لم يتضح بشكلٍ كافٍ يخلو من اللبس ارتباط الحد الأدنى للعمر المقدر للصخور بالفن التشخيصي المكتشف".

وبالتالي قد يكون من السابق لأوانه الجزم بأنها أقدم لوحة تشخيصية في العالم يتم اكتشافها حتى اليوم.

علامات:
تحميل المزيد