قبل مئة عام بالضبط، في الساعة الحادية عشرة من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من عام 1918، أُطلقت آلاف الأبواق إيذاناً بوقف إطلاق نار الحرب العالمية الأولى.
في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1918، انكفأت قوات الإمبراطور الألماني غليوم الثاني دي هوهنتسولرن على كل الجبهات.
أدت الحرب العالمية الأولى إلى خسارة ألمانيا وسقوط الإمبراطورية النمساوية-المجرية والإمبراطورية الروسية والسلطنة العثمانية، وقيام العديد من الدول، فضلاً عن إعادة تشكيل دول كبرى في الشرق الأوسط، وكانت أبرز هذه التغيرات هي:
الثورة البلشفية ونهاية الإمبراطورية الروسية
أنزلت الحرب حكم الإعدام بالإمبراطورية الروسية التي كانت في وضع صعب ويسودها عدم الاستقرار.
فقد لحقت بها هزائم بشكل متكرر، كما أن الإنفاق العسكري المدمر والمجاعة والغضب الشعبي بمواجهة حمام الدم أدت إلى تشكيل تربة خصبة لنشوء الثورة البلشفية عام 1917.
في آذار/مارس 1917، أسفرت الثورة الأولى عن تنازل القيصر نيقولا الثاني عن العرش وتشكيل حكومة لا تسيطر على أي شيء تقريباً. في تشرين الثاني/نوفمبر، استولى البلاشفة على السلطة وكان قرارهم الأول الاقتراح على البلدان التي تخوض حرباً مع روسيا وضع حد للقتال.
في 3 آذار/مارس 1918، توصل لينين إلى اتفاق سلام مع ألمانيا وحلفائها في بريست ليتوفسك.
نهاية حكم عائلة هابسبورغ وسقوط الإمبراطورية النمساوية المجرية
كانت الإمبراطورية النمسوية المجرية التي حكمتها عائلة هابسبورغ القوة المهيمنة في أوروبا الوسطى طوال خمسة قرون. وقد امتدت عام 1914 من سويسرا إلى أوكرانيا جامعة 12 قومية.
لكن المشاعر الوطنية ستقوض وحدة الإمبراطورية التي بدأت بالتفكك من الداخل اعتباراً من خريف عام 1918.
في 28 تشرين الأول/أكتوبر، ولدت تشيكوسلوفاكيا. في اليوم التالي، قام السلاف الجنوبيون بتأسيس يوغسلافيا، في حين بدأ التمرد في العاصمة المجرية بودابست في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر.
بعد ذلك بيومين، تم حل الإمبراطورية رسمياً خلال التوقيع على الهدنة بين النمسا-المجر والقوى المنتصرة، أي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن عن قيام جمهورية النمسا.
أوروبا جديدة: ولدت بولندا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا
وكانت نتيجة انهيار الإمبراطوريتين تقسيم أوروبا الوسطى إلى عدة دول.
بالإضافة إلى تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، أسفر انتهاء الحرب عن ولادة بولندا، التي كانت مقسمة سابقاً بين النمسا وروسيا وبروسيا، وأربع دول جديدة تشكلت من الأراضي الروسية هي فنلندا وإستونيا وليتوانيا ولاتفيا.
كما خسرت المجر ثلثي أراضيها. واستولت إيطاليا على جزء من إقليم التيرول أما "الباقي"، وفقاً لتعبير رئيس الحكومة الفرنسية جورج كليمنصو، فقد أصبح النمسا المعاصرة.
دول أخرى توسعت أو وُجدت!
يشرح لك هذا الفيديو في دقيقة واحدة من دون تعليق صوتي، كيف تغيرت حدود الدول الأوروبية والتركية بعد الحرب العالمية الأولى.
تحولت دولتان صغيرتان إلى دولتين كبيرتين
تضاعفت مساحة يوغوسلافيا التي كانت مملكة الصرب 3 مرات تقريباً، وأُضيف إليها الجبل الأسود ودلماشيا والبوسنة وسلافونيا، وذلك على حساب النمسا والمجر.
وتوسعت رومانيا كثيراً على حساب النمسا والمجر أيضاً، اللتين شُطرتا إلى نصفين وانفصلتا، وأُنقص عدد سكان النمسا إلى النصف وكذلك المجر بموجب معاهدة تريانون.
ثم تقلصت مساحة بلغاريا بموجب معاهدة نويي، وانتُزعت منها تراقيا الغربية، التي استولت عليها من تركيا في بداية الحرب، وضُمت إلى اليونان.
وتفككت السلطنة العثمانية الكبيرة
عندما أعلن السلطان محمد الخامس "الجهاد" ضد فرنسا وبريطانيا وروسيا في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1914، كانت السلطنة خسرت معظم الأراضي الخاضعة لها في أوروبا.
وانتهت هزيمة السلطنة العثمانية عام 1918 بتقطيعها. وتم رفض أول معاهدة وقعت في سيفر عام 1920، من قبل الأتراك الذين تجمعوا حول مصطفى كمال "أتاتورك" الذي واصل القتال ضد الأرمن واليونانيين والفرنسيين، وأطاح بالسلطان.
وأصبحت تركيا جمهورية وفرضت معاهدة جديدة على الحلفاء وقعت في لوزان عام 1923، تحتفظ بموجبها بمنطقة الأناضول والمضائق لكنها فقدت كل المناطق العربية التي كانت تحت سيطرتها.
وألمانيا خسرت الكثير من أراضيها وجيشها
أدت اتفاقية باريس إلى خسارة ألمانيا بعض أراضيها ومستعمراتها لصالح أطراف أخرى، ووُضعت القيود على الجيش الألماني بما يمنع زيادته على 100 ألف جندي، ومنع إنشاء قوة جوية، والتقيد بـ15 ألف جندي بَحرية، وعدد محدود من السفن، ومنع الغواصات الحربية تماماً، واتُّخذت إجراءات لضمان خلو الجيش من الكفاءات العسكرية المدربة.
تنازلت ألمانيا بموجب المعاهدة لبلجيكا عن مدينتي يوبين ومالميدي، وأعادت شمال لزفيج إلى الدنمارك، وأُجبرت على رد الألزاس واللورين لفرنسا. هذا إضافة إلى دفع 269 مليار مارك ألماني، تم تخفيضها إلى النصف تقريباً كتعويضات عن خسائر المنتصرين من الحرب.
والعرب خسروا كثيراً بسبب اتفاقات المنتصرين السرية
في بلاد ما بين النهرين وفلسطين، تمكن البريطانيون من إلحاق الهزيمة بالعثمانيين بمساعدة انتفاضة القبائل العربية التي وعدوها بالاستقلال. وكان تحرك لورنس العرب، عالم الآثار البريطاني الذي أصبح ضابط ارتباط، حاسماً في هذا الصدد.
لكن البريطانيين اتفقوا سراً مع الفرنسيين في وقت مبكر من أيار/مايو 1916 لاقتسام الشرق الأوسط بموجب اتفاقات سايكس بيكو: لبنان وسوريا لفرنسا، والأردن والعراق لبريطانيا. وأدى هذا التقسيم إلى إصابة العرب بالإحباط.
وقد زاد "إعلان بلفور" الشهير عام 1917 من حالة الارتباك. فمن خلال دعم "إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين بعد الحرب"، وضع وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور الأساس لقيام دولة إسرائيل بعد 30 عاماً غارساً بذلك بذور نزاع لا يزال يواصل تمزيق المنطقة حتى اليوم.