الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو "السبب الرئيسي وراء الحروب ووراء كل هذا العداء المكبوت في العالم الإسلامي"، ليست هذه كلمات أحد المثقفين العرب، بل هو ما يؤمن به ملك بريطانيا القادم، إذ يبدو أن الأمير تشارلز متعاطف مع القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية.
يسرد الكاتب روبرت جوبسون في كتابه Charles At Seventy: Thoughts, Hopes and Dreams (تشارلز في السبعين: أفكار وآمال وأحلام) آراء الأمير -ثاني أكبر فرد في العائلة الملكية البريطانية- حول الشرق الأوسط وعلاقة الغرب بالإسلام، حسب ماورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
أبرز المواقف التي ظهر فيها أن الأمير تشارلز متعاطف مع القضايا العربية
الكتاب يكشف مواقف عديدة ظهر فيها أن الأمير تشارلز متعاطف مع القضايا العربية والإسلامية، كما أبدى فهماً، خاصة للعالم الإسلامي.
والأغرب أنه أبدى اعتراضاً على سياسات بلاده تجاه المنطقة رغم أنه يفترض أنه يجب ألا يتدخل في السياسة.
ويكشف الكتاب عن أبرز مواقف وريث التاج البريطاني:
* عارض حرب العراق.
* اعترض على حظر البرقع والنقاب في الدول الأوروبية.
* أخبر وزراء رفضه بيع الأسلحة للشرق الأوسط.
* يدرس القرآن، ويوقع الخطابات للزعماء الإقليميين باللغة العربية.
* يعتقد أن المسيحية يمكن أن تتعلم من الإسلام.
إنه ليس مجرد كتاب بل وُضع بالتنسيق مع مكتب الأمير
يُعد الكتاب المؤلف من 300 صفحة، الذي نُشر في نفس الشهر الذي يصادف بلوغ الأمير تشارلز السبعين من عمره، أبرز دراسة مُعمقة حول أفكار ولي عهد المملكة المتحدة منذ كتاب Prince of Wales: A Biography الصادر عام 1994 للكاتب جوناثان ديمبلبي.
على الرغم من أن الكتاب لا يُعد سيرة ذاتية رسمية، تنبع أهميته الكبيرة من أنه كُتب بالتعاون مع مكتب الأمير Clarence House.
كثيراً ما حل جوبسون، الذي التقى بالأمير تشارلز في مناسبات عدة، ضيفاً على وسائل الإعلام في المملكة المتحدة، فضلاً عن شبكات NBC و 7 Network، للتعليق على أخبار العائلة الملكية. فقد كان أول من كشف أخبار زواج الأمير تشارلز بكاميلا باركر بولز عام 2005.
يقول جوبسون إن الكتاب يحتوي على تصريحات "عدد من المصادر المقربة من الأمير لم تدلِ بأي تصريحات من قبل".
ولكن الأمر تخطَّى المواقف الشخصية إلى الرغبة في التحرك
كتب جوبسون أن تشارلز "مُصمم على استخدام علاقاته الشخصية مع القادة العرب في الخليج من أجل الصالح العام".
كما يكشف الكتاب أكثر من أي كتاب سابق عن علاقة الأمير بالعالم العربي.
يستكشف الكتاب شخصية الأمير، ومعتقداته وأفكاره حول الدين والسياسة، في محاولة للكشف عن شخصيته عند اعتلائه العرش.
وتعاطفه مع الفلسطينيين جعله غير مؤهل للعب دور سلام
تشارلز يعتقد أن الحل السياسي للقضية الفلسطينية أمر غاية في الأهمية للقضاء على مشكلة الإرهاب الدولي.
كتب جوبسون أن آراء الأمير الراسخة حول القضية، جعلته "غير مؤهل على الأرجح للعب دور صانع السلام".
ويقول جوبسون في كتابه، إن أحد رجال حاشية الأمير قال له "لقد سمعته (تشارلز) يقول مراراً وتكراراً، انزع السم، وسوف تتخلص من أحد الأسباب الرئيسية للإرهاب. تلك قناعة الأمير المتأصلة حيال القضية".
ولهذا جعل نجله الأمير ويليام يقوم بأول زيارة ملكية إلى إسرائيل
وربما بسبب أن الأمير تشارلز متعاطف مع القضايا العربية أو نتيجة لمشاعره القوية تجاه الشرق الأوسط فإنه تجنب أن يقوم بأول زيارة ملكية لإسرائيل، وفضل أن يقوم ابنه بهذه المهمة.
وبالفعل قام الأمير ويليام بأول زيارة ملكية إلى إسرائيل في يونيو/حزيران من العام الجاري 2018.
والتقى الأمير ويليام خلال جولته برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
كما زار أيضاً مدينة رام الله بالضفة الغربية، حيث التقى بالرئيس الفلسطيني محمود عباس.
طُلب من الأمير ويليام أيضاً "أن يؤدي دور مبعوث سلام، عندما حمله رئيس الوزراء الإسرائيلي رسالة إلى الرئيس الفلسطيني".
غير أن المسؤولين البريطانيين "تدخلوا على الفور، وأكدوا أن هذا ليس دور الأمير ويليام"، ومنعوه من "الدخول في التعقيدات السياسية في المنطقة".
الأمير "انتقد" بلير على غزو العراق رغم ما يبدو في ذلك من مخالفة للدستور
العائلة الملكية البريطانية مُلزمة بموجب الدستور بالبقاء بعيدة عن القضايا السياسية.
ولكن كشفت طلبات حرية تداول المعلومات التي قدمتها صحيفة The Guardian البريطانية، عن أن الأمير قد أعرب عن وجهات نظره من قبل لبعض وزراء حكومته في عدد من القضايا، من بينها الزراعة، وتمويل القوات المسلحة، والطب البديل.
إلا أن آراءه فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية الرئيسية المرتبطة بالشرق الأوسط، لم تكن معروفة من قبل.
وكما كتب جوبسون، فإنّ الأمير تشارلز كان معارضاً قويّاً للغزو الأميركي للعراق عام 2003.
و "كان بلا شك، يعبّر (بأقصى درجة ممكنة) عن اعتراضه على الحرب، في أحاديثه الخاصة مع رئيس الوزراء في ذلك الوقت توني بلير".
ولو كان ملكاً لاعترض على قرار الحرب
ويستمر جوبسون قائلاً إنّ الأمير أصابه الإحباط بسبب دعم بلير للغزو، وربما كان ليحتج ضده لو كان ملكاً.
وفي الواقع، "لربما كانت نصيحته لبلير في ذلك الوقت أن يُنصت لتحذيرات القادة العرب في المنطقة، وهم رجالٌ بنَى معهم تشارلز علاقات عمل جيّدة على مدار السنين".
إضافةً إلى هذا، فقد اعتقد الأمير إبان الأزمة أن هناك نقصاً حاداً في فهم الثقافة العربية، وقد كان "فهمها ضرورياً في تلك المرحلة".
ومع ازدياد "خيبة أمل الأمير تجاه قضيّة العراق"، لم يعد بإمكانه أن يفهم لماذا لم ترَ الحكومة يومها الشرق الأوسط "منطقةً تهيمن عليها الولاءات القبلية" وأنّ "دخولها حاملين لراية الديمقراطية الغربية لأمر طائش وعبثيّ".
حتى إنه شكك في تقرير استخباراتي برَّر الغزو وتبين أن كلامه صحيح
في الواقع، شكك أمير ويلز بقوة في ملف المخابرات الحكوميّ لعام 2002.
وجاء هذا التشكيك من قِبل الأمير تشارلز قبل وقت طويل من تقرير الـ BBC في مايو/أيار 2003 الذي أفاد بأن الملف قد "فُصل لأغراض معينة".
أخبر تشالز أصدقاءه مراراً وتكراراً أنّ على توني بلير أن ينصت لآراء القادة العرب في كيفية التصرف حيال العراق.
وقال عن رئيس وزراء بلاده إنه (كلب بوش)
يكتب جوبسون أنّ الأمير كان ناقداً بالأخص للدعم الذي وفّرته حكومة بلير للبيت الأبيض أثناء التجهيز للغزو.
معارضة الأمير لحرب العراق، كما يؤكّد جوبسون، "لم تأتِ بعد فوات الأوان. فقد أوضح تشارلز موقفه المباشر والصريح لمن كانوا في السلطة حينها". فقد أخبر شخصيات سياسية ومن كان يثق بهم أنّه اعتبر إدارة بوش (مروِّعة) وذمّ ما رآه قلة فطنةٍ من بلير.
فقد اعتقد أنّ بلير تصرّف كما لو كان (كلب) بوش، وقد قال ذلك.
ويكتب جوبسون أنّ القادة العرب أخبروا الأمير مراراً وتكراراًعن عدم ارتياحهم للتقارب الشديد بين بلير وبوش وكيف يشعرون "بالحيرةٍ وحزن" من موقف المملكة المتحدة "المنصاع للولايات المتّحدة" في الشأن العراقي.
ويواصل جوبسون قائلاً: "أكد الأمير أنه لم يكن بين الأميركيين ولا في الحكومة البريطانية من يستمع إلى منظور العرب أو إلى معرفتهم بالعراق وتعقيداته القبلية والدينية في سعيهم لإيجاد حلول لفترة ما بعد الحرب هناك.
وقد كان ذلك "غريبا جداً (من منظور الأمير)". وقد شعر الأمير أنّ تجاهل منظور القادة العرب أمر كارثيّ، وأنه تسبّب فيما وصفه بـ (الفوضى المربِكة التي نواجهها الآن في الداخل والخارج)".
واعترض على سياسة اجتثاث أعضاء حزب البعث بعد احتلال العراق
يقول جوبسون إنّ "عاملاً سابقاً في منزل الأمير قال إنّ تشارلز كان في حيرة تامّة بسبب بوش وموقفه الذي تجاهل تماماً نصائح القادة المحلّيّين".
وأضاف المصدر أنه "لم يكن بإمكان الأمير فهم منطق الموقف الأميركي، الذي كان في حاجة إلى إعادة النظر في سياسة اجتثاث البعث المجنونة [عبر طرد المسؤولين الذين كانوا أعضاء في حزب البعث تحت قيادة صدّام حسين].
وهي السياسة التي أدّت إلى استبعاد مهنيّين كثر ممن كانت هناك حاجة ماسّة إليهم في المجتمع العراقيّ، كما ألبت الكثيرين من العراقيين ضد التحالف".
وواصل المصدر القول إنّ "تشارلز كان يزدري -على وجه الخصوص- وزيرة الخارجية الأميركية في إدارة بوش، كوندوليزا رايس، أوّل امرأة سوداء تتولّى المنصب، وكذلك يستغرب مدَى جهل الولايات المتّحدة بالشرق الأوسط".
وهذا موقفه من إدارة ترمب
ولا يزال تشارلز يخفي شيئاً من عدم الثقة تجاه الإدارة الأميركية الحالية، وِفقاً لجوبسون.
يقول جوبسون: "لا ينتقد الأمير فقط افتقارَ الإدارة إلى سياسة مُحكَمة ومتماسكة تجاه الشرق الأوسط، ولكن يقلقه أيضاً رفضهم توقيع أيّ معاهدة دولية بخصوص التغيّر المناخي.
وهو الموقف الذي ازداد سوءاً في ظلّ الرئيس الحالي في البيت الأبيض، دونالد ترمب".
ويفترض أنه إذا كان الأمير تشارلز متعاطفاً مع القضايا العربية بالفعل، فإنه سيكون بطبيعة الحال مستاء من مواقف ترمب المناهضة للمسلمين.
إنه يرفض حظر النقاب ولا يريد بيع الأسلحة لدول الخليج
أحد المواقف التي ظهر فيها أيضاً أن الأمير تشارلز متعاطف مع القضايا العربية كانت المتعلقة بالحجاب والنقاب.
إذ كتب جوبسون أنّ الأمير تشارلز يختلف مع القرارات التي أصدرتها فرنسا وبلجيكا بمنع النساء المسلمات من تغطية وجوههن بالبرقع والنقاب في المجال العام، ويعتبر أنّ هذه القرارات تمثل "انتهاكاً لحقوق الإنسان" يُجرّم المرأة.
كما أخبر الأمير الوزراء البريطانيين أنه لم يعد يريد استخدام علاقاته الجيدة في الخليج لبيع الأسلحة في الشرق الأوسط لصالح الشركات البريطانية.
كما أنه دارس شديد الحماس للإسلام ويريد التعلم منه
لا يبدو الأمير تشارلز متعاطفاً فقط مع القضايا العربية، إذ إن الكتاب يسلط ضوءاً استثنائياً على رؤية الأمير للإسلام والعالم العربي.
ويشير إلى أنّ اهتمامه بالإسلام أعمق مما كنّا نظنه حتى اليوم.
فالأمير دارس شديد الحماسة للإسلام، وقد قرأ القرآن ويدرس اللغة العربية، حسبما كتب جوبسون.
ويكشف جوبسون كذلك عن أنّ الأمير دائماً ما يوقّع خطاباته إلى قادة دول الخليج بكتابة اسمه بالعربية بنفسه، وهي "إشارة صغيرة أخرى تنمّ عن احترام الثقافات الأخرى".
وبحسب جوبسون، فإنّ الأمير تشارلز الذي سيكون الرئيس القادم لكنيسة إنكلترا (باعتباره وليّ العهد؛ إذ يرأس الملك الكنيسة) "يعتقد أنّ الإسلام يمكن أن يعلّمنا الكثير عن طبيعة عالمنا وكيفية العيش فيه".
ويرى تشارلز "أن استبعاد الإسلام جعل المسيحية أفقر في هذا الجانب".
ولديه معارف عدة في المنطقة وهذه طبيعة علاقته مع الجانب اليهودي
وقد درس الأمير اليهودية كذلك، وهو مقرّب من الحاخام الأكبر السابق جوناثان ساكس.
ويعتقد الأمير أنّ كلّاً من اليهودية والإسلام لديهما "قدرٌ كبير من القواسم المشتركة" مع المسيحية.
ويؤمن أنّ "المستقبل بالتأكيد يكمن في إعادة اكتشاف الحقائق الكونية التي تقبع في القلب من هذه الأديان".
ويكتب جوبسون أنّ تشارلز لديه علاقات جيّدة مع أشخاص في المنطقة ويحظى باحترام شديد في دول الخليج والشرق الأوسط.
ويسرد الكتاب قائمةً بأصدقائه في المنطقة، والتي تشمل "آل ثاني في قطر، وآل الحسين في الأردن، وآل سعود في المملكة العربية السعودية؛ وهؤلاء جميعاً عرفوا الأمير بشكل شخصيّ لسنوات عدّة، ويكنّون احتراماً كبيراً له".