فرانكنشتاين في لندن: التجارب الحقيقية لقصص العودة إلى الحياة التي ألهمت الخيال العلمي والأدبي

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/28 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/28 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
Lviv Oblast, UKRAINE - Aug 29, 2017: The Frankestein masked man is advertising of a night club which name is Frankestein. He handles brochures. This is the most famous square of Lviv which name is Rynok Square.

في السابع عشر من يناير/كانون الثاني عام 1803، شُنِق شابٌ يُدعى جورج فوستر داخل سجن نيوغيت في لندن؛ لارتكابه جريمة قتل. وبعد إعدامه، مثلما يحدث في الغالب، نُقلت جثته عبر المدينة، وفقاً للمراسم الرسمية، إلى كلية الجراحين الملكية بإنكلترا، حيث سيجري تشريحها علناً. غير أنَّ ما حدث كان صادماً أكثر من كونه مجرد عملية تشريحٍ بسيطة. كان فوستر سيتعرض لصدماتٍ كهربائية، بحسب موقع The Conversation.

كانت التجارب سَتُنَفَّذ عن طريق فيلسوف متخصص في الفلسفة الطبيعية يُدعى جيوفاني ألديني، وهو ابن أخ لويجي غالفاني، الذي اكتشف "الكهرباء الحيوانية" في عام 1780، والذي سميت على اسمه الخلايا الغلفانية. عندما كانت جثة فوستر على منضدة التشريح أمامه، بدأ ألديني ومساعدوه في تجاربهم. وكتبت صحيفة The Times عن هذه التجارب:

"في التطبيق الأول للعملية على الوجه، بدأ فك جثة المجرم المتوفى في الارتعاش، والعضلات المجاورة كانت تتلوى بصورةٍ فظيعة، وفُتحت في واقع الأمر عينٌ من عينيه. وفي الجزء اللاحق من العملية، رُفعت اليد اليمنى وضُمت قبضة اليد، وتحركت قدماه وفخذاه".

بدا الأمر لبعض المشاهدين "كما لو أنَّ الرجل البائس على أعتاب العودة للحياة مرةً أخرى".

ما علاقة الكهرباء بالعودة المزعومة للحياة؟

في الوقت الذي شهد إجراء ألديني للتجربة على فوستر، كانت فكرة وجود علاقة وثيقة غريبة بين الكهرباء وعمليات الحياة تبلغ من العمر مائة عامٍ على الأقل. تكهن إسحاق نيوتن بوجود هذه العلاقات في بدايات القرن الثامن عشر. وفي عام 1730، عرض عالم الفلك والصبَّاغ ستيفن غراي مبدأ التوصيل الكهربائي. علَّق غراي صبياً يتيماً في أسلاك حريرية وسط الهواء، ووضع أنبوباً مشحوناً بشحنةٍ إيجابية بالقرب من قدم الصبي، ليُوَلِّد شحنةً سلبيةً فيهما. ونتيجةً لانعزاله كهربياً، ولَّد هذا شحنةً إيجابيةً في أطراف الطفل الأخرى، مما تسبب في انجذاب طبقٍ من أوراق الذهب إلى أصابعه.

وفي عام 1746 في فرنسا، أراد جون أنطوان نوليت تسلية الحضور في قصر فرساي من خلال التسبب في أن يقفز 180 حارساً ملكياً معاً عندما مرت شحنةٌ من قارورة ليدن (وهو جهاز تخزين كهربي) عبر أجسادهم.

كان ما دفع ألديني لإجراء تجاربه على فوستر هو الدفاع عن نظريات عمه من هجمات المعارضين من أمثال أليساندرو فولتا. زعم فولتا أنَّ الكهرباء "الحيوانية" تولَّدت من خلال الاتصال بالمعادن، وليس لأنَّها من خواص الخلايا الحية، لكن كان هناك عديدٌ من فلاسفة الفلسفة الطبيعية الذين تحمسوا لأفكار غالفاني. إذ أجرى ألكسندر فون هومبولت تجاربه من خلال بطارياتٍ مصنوعة بالكامل من الخلايا الحيوانية. حتى أنَّ يوهان ريتر أجرى تجارب كهربائية على نفسه ليستكشف مدى تأثير الكهرباء على الأحاسيس.

والفكرة التي تشير إلى أنَّ الكهرباء هي في الحقيقة مصدرُ الحياة وأنَّها قد تستخدم في إحياء الموتى كانت مألوفةً بالتأكيد في أنواع الدوائر التي تحركت فيها الشابة ماري شيلي، مؤلفة رواية فرانكشتاين. وكان صامويل تايلر كولريدج، الشاعر الإنكليزي وصديق العائلة، منبهراً بالعلاقة بين الكهرباء والحياة. وعندما كتب إلى صديقه الكيميائي همفري ديفي، بعد أن سمع أنَّه يلقي محاضرات في المعهد الملكي بلندن، استخدم الاستعارات والتعبيرات التي توضح مدى تأثره، فأخبره كيف "تقلصت عضلاتي المثارة وأصابها الخدر عند سماع الأخبار، كما لو أنَّك عريتها وعرضت الألياف الساخرة من الحياة للغلفنة". وحتى بيرسي بيش شيلي نفسه، الذي سيصبح بعد ذلك زوج ماري شيلي في عام 1816، كان متحمساً هو الآخر للتجارب الغلفانية.

المعرفة الحيوية، ما هو سر الحياة؟

جذبت تجارب ألديني على الموتى اهتماماً كبيراً. سخر بعض المعلقين من الفكرة التي تقول إنَّ الكهرباء من الممكن أن تعيد الحياة، وسخروا من فكرة أنَّ ألديني كان قادراً على "جعل الموتى يتحركون بكل حيوية"، فيما تعامل آخرون مع الفكرة بجديِّةٍ كبيرة. إذ جادل المحاضر تشارلز ويلكنسون، الذي ساعد ألديني في تجاربه، بأنَّ الغلفانية كانت "مبدأً مُنَشِّطَاً، يشكل خط التمييز بين المادة والروح، ليؤسس السلسلة العظيمة للخلق، والعلاقة المتداخلة بين المادة الجسدية وجوهر الحيوية".

وفي عام 1814، ردد الجراح الإنكليزي جون أبرنيثي نفس هذا النوع من المزاعم في المحاضرة السنوية المعروفة بـThe Hunterian Oration، التي تُلقَى في كلية الجراحين الملكية بإنكلترا. أثارت محاضرته جدالاً محموماً مع زميله الجراح وليام لورانس. زعم أبرنيثي أنَّ الكهرباء كانت (أو كانت مثل) القوة الحيوية، فيما أنكر لورانس وجود أي حاجة لاستحضار أي قوة حيوية من الأساس لتفسير عمليات الحياة. عرف الزوجان ماري وبيرسي شيلي بالتأكيد عن هذا الجدال؛ فقد كان لورانس طبيبهما.

بخلاف الرواية الشهيرة، ماذا حدث في التجارب الحقيقية الشبيهة؟

وعندما نُشرت رواية فرانكنشتاين في عام 1818، كان قراؤها على دراية بالفكرة التي تفيد بأنَّ الحياة يمكن خلقها أو استعادتها عن طريق الكهرباء. وبعد أشهر قليلة من نشر الكتاب، نفذ الكيميائي الإسكتلندي أندرو أور تجاربه الكهربائية على جسد ماثيو كلاديسديل، الذي أُعدم لارتكابه جريمة اغتيال. وذكر أور أنَّ الرجل الميت عندما تعرض للكهرباء "اتخذت كل عضلة في وجهه حركات مخيفة. واتحدت تعبيرات بشعة في وجه المجرم من الغضب والرعب واليأس والكرب والابتسامات المروعة".

قال أور إنَّ التجارب كانت بشعة للغاية لدرجة أنَّ "عديداً من المشاهدين أُجبروا على مغادرة الشقة، وفقد أحد السادة وعيه". من المغري التكهن بدرجة تأثر أور برواية ماري شيلي التي كانت حديثةً آنذاك عندما نفذ تجاربه. ورواياته عن هذه التجارب كانت بكل تأكيد مصاغةً لتعمد تسليط الضوء على العناصر الأكثر بشاعة فيها.

جدل علمي أم أدبي؟

قد يبدو فرانكنشتاين أقرب إلى الخيال إذا نظرنا إليه نظرةً حديثةً، لكن لم يكن هناك أي خيالٍ بالنسبة لمؤلفة الرواية وقرائها الأصليين. ومثلما يعلم الجميع تماماً بشأن الذكاء الصناعي الآن، عرف قراء شيلي كذلك عن احتمالات خلق الحياة باستخدام الكهرباء. ومثلما يستحضر الذكاء الصناعي مختلف الاستجابات والجدالات، استحضرت احتمالات الحياة الكهربائية ردود فعلٍ مختلفة وأثارت جدالاتٍ كثيرة، ومثلها رواية شيلي.

يذكرنا العلم في قصة فرانكنشتاين بأنَّ الجدالات الحالية لها تاريخ طويل، وأنَّها متأثرة بهذا التاريخ. كان القرن التاسع عشر هو الشاهد على بداية تفكير البشر في المستقبل باعتباره بلداً مختلفاً مكوناً من العلم والتكنولوجيا. والروايات على شاكلة فرانكنشتاين، التي صنع المؤلفون مستقبلهم فيها من خلال مكونات حاضرهم، كانت عنصراً مهماً في تلك الطريقة الجديدة للتفكير في الغد.

لذا فإنَّ التفكير في العلم الذي جعل شخصية فرانكنشتاين بدت حقيقية جداً في عام 1818 قد يساعدنا في أن ننظر بحرصٍ أكبر للطرق التي نفكر بها في الاحتمالات والمخاطر المتعلقة بمستقبل حاضرنا.

تحميل المزيد