تطور معايير جمال المرأة إلى «الجسد النحيل» بسبب الحرب والثورة الصناعية! ثم دعمت الفكرة عارضات الأزياء وشركات التجميل  

أريد أن أصبح أكثر نحافة! أنا بدينة جداً! أتبع حِمية لأصبح أنحف! وغيرها من الجمل التي نسمعها بشكل يومي، تجعلنا نتساءل عن تطور معايير جمال المرأة لتصبح النحيفة الأكثر جمالاً.

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/17 الساعة 15:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/17 الساعة 15:06 بتوقيت غرينتش
Woman working with electric drill in factory, (B&W)

أريد أن أصبح أكثر نحافة! أنا بدينة جداً! أتبع حِمية لأصبح أنحف! وغيرها من الجمل التي نسمعها بشكل يومي، تجعلنا نتساءل عن تطور معايير جمال المرأة لتصبح النحيفة الأكثر جمالاً.

وهناك العديد من الأسباب التاريخية للنظر إلى الجسد النحيل على أنه الجسد المثالي للمرأة، ليختلف عن معايير جمال المرأة قديماً.

تطوُّر معايير جمال المرأة: من الجسد الممتلئ إلى الممشوق

بدأت القصة مع انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية وبدايات انتشار الأقمار الاصطناعية؛ ومن ثم قنوات التلفزيون الكثيرة خلال القرن الماضي، ليتبعه العديد من التغيّرات الثقافية والاجتماعية.

من هذه التغيرات، اختلاف معايير جمال المرأة والصورة النمطية السائدة عن الجمال.

أصبح الجسد الممشوق -كعارضات الأزياء- هو نقطة الاتفاق الثابتة بين الكثير من المجتمعات لمعايير الجمال.

وهو على النقيض مما كانت عليه الصورة في الماضي؛ إذ كان يتم تفضيل القوام الممتلئ، وكان هو معيار الجمال لدى المرأة.

أدَّى هذا التغيُّر إلى أن يسبب القوام الممتلئ، أو أي زيادة في الوزن، التوتر والقلق لدى النساء، وأصبح عدم الرضا عن الوزن أمراً مشتركاً بين الجميع، حتى معتدلات الأوزان تجدهن يرغبن في المزيد من النحافة؛ ومن ثم ثقتهن بأنفسهن.

معايير جمال المرأة قديماً: لوحة "فتاة جيبسون" كانت البداية

في مطلع القرن العشرين، بدأت معايير الجمال تتغير إلى الجسد الممشوق، وهو ما تم تجسيده في لوحة للرسام تشارلز دانا جيبسون، عُرفت باسم "فتاة جيبسون".

كانت اللوحة مثال الأنوثة حينها والتي جعلت القوام الأمثل هو الجسد الطويل النحيل.

على الرغم من أنّ لوحة جيبسون كانت مجرد رسم، فإنها فتحت الباب أمام الرغبة في إلقاء نظرة سريعة على الحياة، ثم تقديم الممثلات وعارضات الأزياء اللاتي لديهنّ هذا الجسد باعتبارهنّ مثالاً للجمال الواقعي الصريح.

تاريخ جمال المرأة تغير مع الحرب العالمية

جلبت الحرب العالمية، والثورة الصناعية وبداية نزول المرأة لسوق العمل، نمطاً أكثر تقليدية في صورة الأزياء النسائية والجسد المثالي.

فقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت الحياة الأساسية للنساء مُرتبطة بحياة البيت والأسرة، ولكن مع بداية توجُّه الرجال إلى الخارج للقتال، بدأت تستجد لدى المرأة أماكن أخرى عليها الوجود فيها بخلاف المنزل.

فأخذت النساء مكانهن في المصانع والمحلات التجارية والمكاتب، فبين عامي 1914 و 1918 انضم أكثر من مليون امرأة إلى سوق العمل.

حتى الوظائف التي تحتاج إلى جهد بدني بالغ عملن بها، بدءاً من سائقي الترام ومنظفي القطارات، وصولاً  إلى عمال البريد ودوريات الشرطة.

ونتيجة طبيعية لكل هذا التغير، اختلف نمط حياة المرأة، وبالتبعية تغيرت معه فكرتها حول الجمال وحول الأزياء التي يُمكنها ارتداؤها.

أصبحت الأزياء تعتمد على إبراز ملامح الجسد المُحددة بدلاً من إخفائها، ما يجعل الاتجاه يزداد تجاه النحافة والقوام الممشوق، وفق صحيفة The Daily Telegraph البريطانية.

الحرب والثورة الصناعية ودخول النساء لسوق العمل بهذه الكثافة لم يتح للنساء الكثير من الوقت لكي يولين لجمالهن الاهتمام الكافي. فيجب أن يُنجز كل شيء في أقل وقت ممكن؛ لأنه أصبح هناك العديد من الأولويات الأخرى.

هذا إلى الحد الذي جعل النساء في عام 1941، تقمن باستخدام مواد الطلاء لتلوين سيقانهن كبديل لوجود الجوارب الطويلة التي كنّ يرتدينها أسفل الفساتين والتنورات القصيرة!

فكما أثّرت الحرب العالمية الثانية على كل شيء، أثرت أيضاً على مدى توافر مادة "النايلون" التي تتم صناعة تلك الجوارب منها.

توقفت صناعة تلك الجوارب تقريباً، وسببت أزمة حقيقية لمُستخدماتها، فكان على النساء التصرف وإيجاد حل سريع لا يحتاج إلى الكثير من الوقت أو الجهد، وهذه كانت القاعدة التي فرضتها تلك الفترة.

اختيار الملابس المناسبة لسوق العمل أثَّر على معايير جمال المرأة

في فترة الحرب العالمية الثانية، اتجهت ملابس النساء إلى المزيد من البساطة، التي تُسهِّل حركتهن وتناسب انضمامهنّ إلى سوق العمل.

فأصبحت البلوزات البسيطة هي السائدة، وأصبح هناك اتجاه لتحويل ملابس الرجال المنشغلين بالقتال ولا يرتدون ملابسهم العادية، إلى ملابس نسائية يومية.

وعلى النقيض من الأسلوب الصبياني السابق، أصبحت النساء تؤكدن على شكلهن الأنثوي، وأصبحت الإعلانات تُعلّم النساء كيف يمكنهن تجنُّب المظهر النحيف للغاية.

الاقتداء بعارضات الأزياء والممثلات

وفي فترة ما بعد الحرب، وتحديداً في الخمسينيات، أصبحت الصورة المثالية لجسد المرأة أكثر اكتمالاً، وأصبحت أجساد ممثلات مثل مارلين مونرو وجريس كيلي، هي النموذج المثالي.

وقد عزز انتشار هذا النموذج الشعبيةُ المتزايدة لأفلام هوليوود، وبعد الحرب عادت خيارات النساء في الأزياء أكثر تنوعاً، كما راجت صناعة منتجات التجميل، وهو ما جعل الجمال لدى المرأة مُرتبطاً بصناعتين؛ هما الأزياء ومنتجات التجميل.

في الستينيات، أصبح الجسد شديد النحافة هو معيار الجمال، وليس مجرّد الحصول على جسدٍ ممشوقٍ أو رشيق، وتجسِّد تويجي -وهي عارضة أزياء شهيرة في الستينيات- هذا التحوّل.

فعلى النقيض من مارلين مونرو، أصبح الجسد النحيف للغاية والشعر القصير والشكل الصبياني هو المُسيطر والأكثر انتشاراً الآن، وإن خلا من أي ملمح جمالي ناضج.

وإنْ ظهر في الستينيات أيضاً العديد من الممثلات البارزات اللاتي مثّلن معيار الجمال السائد في الخمسينيات مثل جين فوندا وصوفيا لورين.

الجسد الرياضي وبداية ظهور منتجات التنحيف

في السبعينيات، استمرّ نموذج تويجي في الهيمنة، وإن كان يؤثر هذا النموذج، بشكل كبير، على صحة المرأة وعاداتها الغذائية.

بدأ مرض فقدان الشهية في الظهور لأول مرة خلال هذه الفترة، كما شهد هذا الوقت أيضاً ظهور حبوب التنحيف لقمع الشهية.

اشتهرت خلال هذه الفترة الممثلة فرح فاوسيت، المكياج كان ضئيلاً لتحقيق مظهر طبيعي أكثر، وقد تنوعت صناعة مستحضرات التجميل للاستفادة من كل هذه الاتجاهات، وتوفير مجموعة أوسع من العروض من حيث مظهر المكياج.

في الثمانينيات، ظل نموذج السبعينيات مُسيطراً، وإن كان تزايد التركيز على اللياقة البدنية، والحصول على عضلات، ولكن ليس بشكلٍ مُفرط.

وفي هذه الفترة، انتشرت عروض التمارين الرياضية وشرائط الفيديو، ولم يعد اتباع نظام غذائي هو الطريقة الوحيدة للحصول على صورة الجسد المثالي.

وقد شهدت هذه الحقبة ظهور عارضات أزياء مثل نعومي كامبل وسيندي كروفورد وكلاوديا شيفر.

في التسعينيات، تراجع المظهر الصحي والحصول على العضلات الرياضية، وظهر التركيز على النحافة وحدها والحصول على ظهرٍ عظمي، وقد تم تلخيص هذا المظهر من خلال إعلانات كيلفن كلاين، التي أبرزت صورة الجسد على مثال عارضة الأزياء الإنكليزية كايت موس.

وخلال الأعوام الـ20 الماضية، ظل وزن الجسد وكتلته المثالية للمرأة والمتناسقة مع معايير الجمال في تناقص مُستمر، إلى الحد الذي جعل تحقيقها، أمراً قهرياً ودوامة لا مُتناهية من عدم الرضا عن النفس وتأنيب الضمير.

عوامل اجتماعية لتغيير معايير جمال المرأة

هناك عوامل اجتماعية أسهمت في جعل المرأة فريسة سهلة أمام معايير الجمال التي تنشرها وسائل الإعلام وتسبب تقليل ثقة المرأة بنفسها وعدم رضاها عن جسمها.

من هذه العوامل، عدم الحصول على دعم الوالدين والحصول على الثقة والتأييد من الأصدقاء والأقران، الذين تنجح وسائل الإعلام في استقطابهم أيضاً فيُشكلون هم أنفسهم عامل ضغط على الفتاة.

كذلك انتشار شكل محدد من الأزياء يحتاج إلى هذا الجسد الممشوق صعّب على الفتيات الحفاظ على أجسادهن بطبيعتها.

النساء لا يرضين عن أجسادهن

وقد أظهرت الدراسات أن نحو 40% من الفتيات في سن 6 سنوات يعبرن عن رغبتهنّ في الحصول على جسدٍ أنحف، وأن نسبة 81% من الفتيات بسن العاشرة في خوفٍ دائم من أن يصبحنَ سمينات.

في حين أن هناك نسبة تتراوح بين 50 و70% من الفتيات اللاتي يتمتعن بأوزان طبيعية، يرين أنهن يُعانين زيادة في الوزن.

بالطبع، ليست السمنة في ذاتها أمراً مطلوبااً، فالسمنة هي أحد عوامل الخطر الرئيسية والمؤدية إلى أمراض القلب والسكري والوفيات المبكرة.

وبين السمنة والنحافة، تُحقق بعض الشركات ملايين الجنيهات المتعلقة بصناعة منتجات تخص السمنة وأخرى تخص النحافة، مداعبين بذلك أحلام شرائح عريضة ممن يهمهنّ الحصول على صورة الجسد المثالي.

تحميل المزيد