بمطرقة في اليد تسلّقها وشرع في تحطيم الرأس.. تمثال المرأة العارية بالجزائر يتعرض للتخريب لثاني مرة في أقل من سنة

دقات الساعة تشير إلى 11 ظهراً من يوم الثلاثاء، ومعها تدق المطرقة على رأس تمثال المرأة العارية في عين الفوارة للمرة الثانية بأقل من سنة في محاولة لتحطيمها.

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/10 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/10 الساعة 18:12 بتوقيت غرينتش

في اليوم الـ66 من كشف تمثال المرأة العارية في عين الفوّارة بسطيف 300(كم شرق الجزائر)، بعد ترميمه عقب حادثة التحطيم الأولى، يجلس عبد السلام زاوش بالمقاعد الحديدية لمحطة الترامواي، يتبادل أطراف الحديث مع زملائه، وأغلب كلامهم يدور حول ناديهم المحبوب "وفاق سطيف".

دقات الساعة تشير إلى تمام الحادية عشرة ظهراً من يوم الثلاثاء 9 أكتوبر/تشرين الأول 2018، ومعها تدق المطرقة على رأس تمثال المرأة العاريةعين الفوارة للمرة الثانية بأقل من سنة، في محاولة لتحطيمه.

ويؤكد عبد السلام في حديث لـ"عربي بوست"، أن المكان الهادئ تحوَّل إلى صراخ وفوضى عارمة، لمّا صعد رجل يبدو في الخمسينيات من عمره، التمثال، وبدأ يحطم في الجزء الخلفي للرأس.

الرجل بحسب زاوش، كان ملتحياً ويرتدي قميصاً أبيض من فوق سروال يميل إلى الرمادي، بمعطف خريفي، وبدأ بعد تسلّقه الجدار الحجري الأسود، بعملية تخريب التمثال، قبل تدخُّل المواطنين وعناصر من الأمن.

ورغم محاولة فرار المتورط في عملية التخريب، يقول عبد السلام، فإن تحرُّك المواطنين رفقة رجال الشرطة مكَّن من توقيف المتهم واقتياده إلى مقر الأمن.

الرجل لم يتمكن من تخريب التمثال، بعد تدخل المواطنين / خاص
الرجل لم يتمكن من تخريب التمثال، بعد تدخل المواطنين / خاص

الحلقة الثانية للحادثة

66 يوماً مرت على كشف وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، الستار عن تمثال المرأة العارية ، بعد الترميمات الكبيرة التي خضع لها وسط الشارع الرئيسي للمدينة.

ففي الـ4 من أغسطس/آب 2018، أشرف "ميهوبي" على تدشين المَعلمة الأثرية لـ"عين الفوارة"، بعدما قام ملتحٍ في 18 ديسمبر/كانون الأول 2017، بتخريب أجزاء من وجهها، وصدرها والركبتين.

واعتبر الوزير حينها أن عملية رفع الستار التي تمت بحضور جمع غفير، تعد ربحاً لرهان إبقاء التمثال، المرتبط بتاريخ وثقافة المدينة، في مكانه الأصلي وإصرار أبناء المدينة على إبقائه بموقعه، وجعل "عين الفوارة" ملتقى كل الناس بسطيف.

أضرار تمثال المرأة العارية أخف هذه المرة

مقارنة بما تعرضت له دائماً المرأة العارية في ديسمبر/كانون الأول 2017، بحسب المواطن عبد السلام، فإن الرجل لم يتمكن من الوصول إلى مراده، بعد تدخُّل المواطنين ومنعه من ذلك، واقتصر التخريب على الجانب الخلفي للرأس وخصلات الشعر الحجرية للمرأة.

وأثبتت مقاطع فيديو صوَّرها هواة كانوا بموقع الحادث، صعود الرجل إلى أعلى التمثال، وبدء عملية التخريب، قبل أن يتسلق أحد المواطنين لمنعه.

Gepostet von Ouari Amine am Dienstag, 9. Oktober 2018

كما وثَّق مقطع آخر عملية قفز المتهم، ومحاولته الفرار إلى الأزقة الجنوبية لـ"عين الفوارة"، خلف المسجد العتيق المحاذي للتمثال.

Gepostet von Ouari Amine am Dienstag, 9. Oktober 2018

وزير الثقافة يتدخل مرة أخرى

لم ينتظر وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، كثيراً، ليبدي تأسُّفه من حادثة محاولة تخريب تمثال "عين الفوارة".

ونشر على صفحته الرسمية بـ"تويتر" تغريدة، أكد فيها أن التمثال يتعرض مرة أخرى لمحاولة تخريب، لولا يقظة المواطنين.

وكتب الوزير يقول: "مرة أخرى، تمتد يد التخريب لتمثال عين الفوارة، حيث تمكّن مواطنون من إيقاف شخص حاول تدمير التمثال الذي يتوسط مدينة سطيف".

وأضاف: "مصالح الأمن تعرفت على هوية الجاني، وهو مسبوق قضائياً ويعاني اضطرابات عقلية. التمثال أصيب بأضرار خفيفة، ستتم معالجتها، وإننا نناشد المواطنين التدخل السريع".

والأمن يواصل تحقيقاته مع المتورط

صرح مصدر أمني بسطيف، رفض ذكر اسمه، لـ"عربي بوست"، بأن "المتهم بمحاولة تحطيم عين الفوارة رهن الحبس المؤقت، في انتظار تحويله إلى جهات التحقيق القضائي الأربعاء 10 أكتوبر/تشرين الأول 2018".

وأكد المتحدث ما جاء في تغريدة وزير الثقافة، بالقول: "الشاب يدعى ب.أحمد، ويبلغ من العمر 34 سنة، متزوج وينحدر من منطقة بئر العرش، كان عاملاً للنظافة ببلية سكناه، وله سوابق عدلية، ويتابع العلاج بالمصحات المتخصصة في الأمراض العقلية".

وأراد المصدر الأمني ترك معلومات أخرى للجهات القضائية التي ستباشر التحقيق مع المتهم بداية من 10 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وباشرت الشرطة تحقيقاتها، بأخذ المقاسات وحجم الأضرار التي تعرض لها التمثال، وتؤكد تلك الصور إصابة تمثال المرأة العارية بتشوهات خلف الرأس.

إصابة تمثال المرأة العارية بتشوهات خلف الرأس/ خاص
إصابة تمثال المرأة العارية بتشوهات خلف الرأس/ خاص

وسكان المدينة يستنكرون

يعتبر سكان سطيف "عين الفوارة" أحدَ رموز مدينتهم منذ مئات السنين؛ بل وتكون معقلاً لمختلف الاحتفالات، وعلى رأسها الاحتفالات بالانتصارات الكروية.

ويؤكد عبد السلام زاوش، في حديث لـ"عربي بوست"، أن سكان الولاية لا يرون في التمثال شيئاً من التبرج أو العيب كما يروج البعض، وإنما يعتبرونه تحفة أثرية وتراثاً تاريخياً يؤرخ لمرحلة من مراحل المنطقة.

وكانت قناة "النهار" الجزائرية قد بثت تصريحات لبعض المواطنين عقب الحادثة، استنكروا فيها الفعل، وطالبوا بحماية التمثال.

تنديد ومباركة وبينهما سخرية كبيرة

وتساءل أسامة مازاري، في منشور له على "فيسبوك"، عن الجهة التي تقف وراء محاولات تخريب تمثال عين الفوارة، وقال: "في ظرف سنة محاولتان لتهديمها؟! من يقف وراء ذلك، هذي ولات جياحة لي يوجعوا راسو يروح للتمثال، (أي هذا أصبح غباء ومن يصيبه صداع في رأسه يتحول إلى التمثال)".

عين الفوارة تتعرض لمحاولة تخريب أخرى صبيحة اليوم من أبو مارطو 2 في ظرف سنة محاولتين لتهديمها؟! من يقف وراء ذلكهذي ولات جياحة لي يوجعوا راسو يروح للتمثال !لا حول ولا قوة الا بالله شعب غير قابل للتطور

Gepostet von Oussama Mazari am Dienstag, 9. Oktober 2018

أما الإعلامي حمزة شيبان، فقد وصف ظاهرة تحطيم التمثال بـ"الظاهرة البومارطوية"، نسبة للآلة التي تُستعمل في التحطيم "مطرقة"، ويطلق عليها بالعامية الجزائرية "المارطو".

#الظاهرة_البومارطويّة تعود مجددا ..محاولة تحطيم تمثال امرأة عين الفوارة هذا الصباح !!

Gepostet von ‎حمزة شيبان‎ am Dienstag, 9. Oktober 2018

الناشط وليد بقاش، بدوره، دافع عن الشاب بالقول: "مهما يكن الموقف والفعل.. الإنسان أولى من الحجر!".

لسان حال بعض من لم تعجبهم الحلقة الثانية من مسلسل ابومراطو 2…يقول:من فعل هذا بآلهتنا !!!!!؟؟؟؟؟مهما يكن الموقف والفعل .. الإنسان أولى من الحجر !!!!

Gepostet von Walid Begache am Dienstag, 9. Oktober 2018

الناشط عمار إيتوشن كتب أيضاً: "الملتحون في الفترة الأخيرة مهوسون بعين الفوارة… كأن مشاكل العالم معلَّقة في هذا التمثال!.. أعداء الحياة".

https://www.facebook.com/omar.itouchene/posts/2175041906152964

من هي "فاتنة المرمر" المهدَّدة في كل مرة؟

تجتمع الروايات حول كون تمثال المرأة العارية منحوتة بكل إتقان، على يد فرانسيس دو سانت فيدال، وكانت معروضة من قبلُ في متحف اللوفر الفرنسي قبل أن تُنقل إلى سطيف سنة 1898.

وتقول إحدى الروايات، إن التمثال كان لمحبوبة أحد الحكام الفرنسيين، والتي تزوجت شخصاً آخر، فلم يكن بيد الحاكم الفرنسي إلا أن يطلب نحتها ووضعها على منبع الماء؛ تخليداً لحبه إياها الذي سيبقى متدفقاً إلى الأبد تماماً كتدفق الماء.

وتقول رواية أخرى، إن تمثال المرأة العارية الذي كان معروضاً في متحف اللوفر بفرنسا، وبمجرد أن لمحه الحاكم العسكري لسطيف آنذاك، أعجب به أشد الإعجاب، فأهداه إياه النحات، ليتم وضعه بمنتصف المدينة.

في حين تذكر الرواية الثالثة أن "الفوارة" كانت تستقطب المئات من الناس الذين كانوا يتوقفون للاستراحة من أسفارهم بها، ويتوضؤون من المنبع ليقيموا صلواتهم، وهو المنظر الذي أزعج الحاكم الفرنسي لسطيف، الذي حاول بشتى الطرق إبعادهم عن المنبع، إلا أنهم كانوا يعودون ويتوضؤون في كل مرة، وهو ما جعله يطلب من فرانسيس دو سانت فيدال أن ينحت له تمثالاً لامرأة عارية؛ حتى يضعه فوق المنبع، ليخدش حياء المُصلين بها ويبعدهم عن أداء صلاتهم.

علامات:
تحميل المزيد