«حورية البحر» ممنوعة لأنها ترتدي البكيني، وماركيز ونجيب محفوظ أيضاً.. وتيرة حظر الكتب في الكويت تسجل أرقاماً قياسية

زادت حملة حظر الكتب في الكويت استجابة لمطالب كتلة المحافظين المتنامية بالبرلمان فقد بلغ عدد العناوين المحظورة 4390 كتاباً منذ عام 2014

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/03 الساعة 18:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/03 الساعة 18:51 بتوقيت غرينتش

شملت حملة حظر الكتب في الكويت أخيراً موسوعةً تضم صورةً لتمثال داود لمايكل أنجلو، ونسخة من ديزني لـ"Little Mermaid-حورية البحر الصغيرة".

لم يكن لتمثال ديفيد ورقة تين، وكانت حورية البحر ترتدي نصف بكيني فحسب.

شمايل الشارخ، الناشطة الكويتية في مجال حقوق المرأة، تسخر من القرار، قائلة إنه ليس ثمة حوريات بحر يرتدين الحجاب، "لقد رأى أصحاب السلطة أنَّ لباسها منحلّ. إنه أمرٌ مهين!".

يحب الكويتيون النظر إلى بلدهم بصفتها هامشاً للحرية الفكرية بمنطقة الخليج المحافظة، والملاذ الذي كان في الماضي يرحب بالكُتاب العرب المنفيِّين. لكنَّ هذه الصورة الذاتية أصبح الحفاظ عليها أصعب؛ إذ زادت حملة حظر الكتب في الكويت، استجابة لمطالب كتلة المحافظين المتنامية بالبرلمان.

تعددت الأسباب و حظر الكتب في الكويت واحد

اعترفت الحكومة، في شهر أغسطس/آب 2018، بأن حملة حظر الكتب في الكويت وصلت إلى 4390 كتاباً منذ عام 2014، المئات منها العام الجاري (2018)، ومن ضمنها العديد من الأعمال الأدبية التي كانت فيما مضى تُعتَبَر غير قابلة للمساس؛ ما أدى إلى مظاهرات في الشوارع واحتجاجات على الإنترنت.

أحياناً تُقدِّم لجنة الحظر المُكوَّنة من 12 عضواً (6 من القراء بالعربية، و6 من القراء بالإنكليزية)، والتي تصدر أحكاماً على الكتب لوزارة الإعلام، سبباً: فكتاب المختارات الأدبية "لماذا نكتب" حُظِرَ لأنَّ مُحرِّرته، ميريديث ماران، قد اتَّهَمَت أباها زوراً بالتحرُّش الجنسي.  

وفي حالاتٍ أخرى يكون التبرير غامضاً، مثلما كان الحال مع كتاب "فن القراءة" لديمون يونغ. وتحظى مايا أنجيلو بالتكريم في أميركا بطابع بريدي، لكنَّ مذكراتها "أعرف لماذا يغني الطائر المحبوس" ضمن لائحة حظر الكتب في الكويت.

حملة حظر الكتب في الكويت وصلت إلى 4390 كتاباً منذ عام 2014/ رويترز
حملة حظر الكتب في الكويت وصلت إلى 4390 كتاباً منذ عام 2014/ رويترز

وليس الحاصلون على الجوائز محصَّنين؛ بل في الواقع يبدون كما لو كانوا ضحايا مُتكرِّرين؛ إذ حُظِرَت رواية "مائة عام من العزلة" للكاتب الفائز بجائزة نوبل، غابرييل غارسيا ماركيز؛ بسبب مشهد ترى فيه إحدى الزوجات زوجها عارياً، كما هو الحال مع "أولاد حارتنا" للكاتب المصري نجيب محفوظ، أول عربي يفوز بجائزة نوبل في الأدب.

لو كان كلُّ ما سبق يبدو أوريليّ الطابع، فإنَّ رواية "1984" لجورج أورويل ضمن لائحة حظر الكتب بالكويت، على الأقل في إحدى ترجماتها العربية، مع أنَّ ثمة ترجمة أخرى مسموحاً بها.

أصبحت الكتب مثل المخدرات

وقد ردَّ القراء الكويتيون بمزيجٍ من الحنق والسخرية المرحة. ونشر البعض صوراً لأكوامٍ من العناوين المحظورة الموجودة لديهم في مكتباتهم.  

واقترح مُؤلِّفون أنَّ بإمكان خدمات التوصيل عن طريق الإنترنت من الخارج التملُّص من الحظر، الذي ينطبق في الغالب على المكتبات والناشرين المحليين. وقالت هند فرنسيس، الناشطة في إحدى مجموعات مكافحة حظر الكتب بالكويت تسمى "ميم 3": "أصبحت الكتب الآن مثل المخدرات. يجب أن يكون لديك تاجر تشتري منه الكتب المحظورة".

وقد اجتمع النشطاء والكُتاب للتظاهر ضد حظر الكتب 3 مرات في سبتمبر/أيلول 2018، كان آخرها يوم السبت 29 سبتمبر/أيلول 2018، وهو آخر أيام الأسبوع الدولي للكتب المحظورة. وتعد الكويت واحدة من الدول الخليجية التي تسمح بالتظاهرات العامة، على الرغم من خضوعها لرقابةٍ صارمة. وقد حظيت هذه التظاهرات بحضورٍ ضئيل، لكنَّ أيَّ جمهورٍ يحتشد في الهواء الطلق ينبغي له أن يتحدى درجاتِ حرارةٍ ما تزال تصل إلى 40 درجة مئوية.  

وقالت فاطمة مطر، أستاذة القانون وإحدى مُنظِّمي التظاهرات: "الأمر تحدٍّ، لكننا نخبرهم بأننا سوف نُبقي على المظاهرة ساعة فحسب".

والمسؤولون يميزون بين الحظر والرقابة

ردَّ المسؤولون بالنفي، مع قدوم معرض الكويت للكتاب -وهو ثالث أكبر معرض في العالم العربي بعد مَعرضَي القاهرة وبيروت– والمُقرَّر عقده في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018؛ إذ جاء في تصريح حديث لوزارة الإعلام: "ليس ثمة حظر للكتب في الكويت.. هناك لجنةٌ للرقابة على الكتب تستعرض جميع الكتب".

وأوضح أحد مساعدي وزارة الإعلام، محمد عبد المحسن الحواش، قائلاً: "في الكويت، خلال السنوات الخمس الماضية، حُظرت 4300 كتاب فحسب من أصل 208 آلاف كتاب، وهو ما يعني أنَّ 2% فحسب قد حُظرت، و98% قد تمت الموافقة عليها. بعض الكتب تُحظر في الولايات المتحدة وأوروبا وبيروت وبلاد أخرى أيضاً".

اجتمع النشطاء والكُتاب للتظاهر ضد حظر الكتب 3 مرات في سبتمبر/ رويترز
اجتمع النشطاء والكُتاب للتظاهر ضد حظر الكتب 3 مرات في سبتمبر/ رويترز

وقال الحواش إنه خلال الأشهر الـ11 الماضية، وافقت الرقابة على 3600 كتاب، في حين حظرت 700 كتاب.

ومع ذلك، فقد أصرَّ قائلاً: "منذ تأسيس الكويت، كانت دوماً معروفةً برعايتها الأدب والثقافة".

هذه القضية حسَّاسةٌ بشكلٍ خاص؛ لأنَّ أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، قد دفع باتجاه جعل بلده مركزاً ثقافياً إقليمياً. وفي حين يحظى المسرح والرقص والموسيقى برعايةٍ ملكية ويُعفى من الرقابة، فإنَّ الكتب ليست كذلك.

وقالت بثينة العيسى، المؤلفة الكويتية التي حُظِرَ كتابها "خرائط التيه": "هذا المحور الثقافي لا يمكن بناؤه عندما تكون لديك مذبحة للكتب كهذه، مع حظر كل هذه الكتب". وأضافت بثينة أنَّ الرقابة قد حظرت كتابها بسبب مشهد لإساءة معاملة طفل تجري أحداثه في مكة، بالسعودية، لكنَّ السعوديين لم يحظروا كتابها قط في بلدهم، حيث كان من أكثر الكتب مبيعاً.

ويقول النقاد إنَّ حظر الكتب في الكويت امتد لأول مرة، ليشمل العديد من الكتب والمراجع الدولية الموجودة بالفعل على رفوف الكتب الكويتية، ويرجع ذلك جزئياً على الأقل إلى الضغط البرلماني.

وقالت شمايل الشارخ: "هذا العام (2018) وصلوا إلى مرحلة السخف؛ كتب أطفال وكتب مؤلفين كويتيين!". وبحسب هند فرنسيس، فحتى الأعمال التي أنتجتها دار النشر التابعة للحكومة في المجلس العام للثقافة والفنون والآداب، مثل دراسة علمية عن غشاء البكارة، قد حُظرت.

ويقول النشطاء إنَّ تاريخ الكويت مع الحرية الأدبية هو السبب في أنَّ حظر الكتب أمر محزن للغاية للمفكرين؛ إذ قالت شمايل الشارخ: "لقد أحرزت الكويت قدراً كبيراً من التقدُّم فيما يتعلَّق بالحريات المدنية. نحن أصحاب الريادة في منطقة الخليج، وكذا كنَّا عقوداً طويلة".

الديمقراطية تحولت إلى "عدو" للثقافة

ويعد البرلمان الكويتي أكثر البرلمانات استقلالاً في الخليج، لكنَّ محبي الكتب يشتكون من أنَّ ذلك أيضاً أصبح مشكلة؛ إذ قالت فاطمة مطر: "في الحقيقة، أصبحت الديمقراطية عدوة الديمقراطية. يعتقدون أنه ينبغي لنا جميعاً أن نفكر بالطريقة ذاتها".

ولأنَّ للبرلمان الكويتي سلطة الدعوة إلى تصويت ثقة على الوزراء، وإجبارهم على الاستقالة، فإنَّ الوزراء يسيرون بحذر، لا سيما فيما يتعلَّق بالقضايا الاجتماعية الشائكة.

هذا العام تم حظر كتب أطفال ومؤلفين كويتيين/ رويترز
هذا العام تم حظر كتب أطفال ومؤلفين كويتيين/ رويترز

ويقول المُؤلِّفون ومؤيدوهم إنَّ وزارة الإعلام قد استجابت للضغط البرلماني بإعطاء الرقباء سلطات واسعة لحظر الكتب، رغم أنَّ الدستور الكويتي يضمن حرية الفكر.

وقالت الكاتبة الكويتية أروى الوقيان إنَّ كتابها "فلتكوني بخير" قد حظر بسبب فقرة فيه، قالت إنَّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يجتذب المراهقين "في المساجد". طلب الرقيب منها أن تغيِّر هذا الجزء، ليكون "في بعض المساجد"، ورفضت.

لكن بعض المكتبات مصرَّة على التحدي

بالنسبة لبعض المُؤلِّفين المحليين، فإنَّ حظر كتبهم قد خلف فرصة لزيادة المبيعات. فبعد حظر كتاب "أزرق" لمحمد غازي، بسبب قطعة في الصفحة 56، استخدم غازي، وهو كاتب عراقي يكتب بالإنكليزية، "تويتر" لدعوة القراء لشراء الكتاب واكتشاف سبب الحظر. وقال غازي إنَّ مبيعاته زادت على الضعف.  

هذا التحدي منتشر، فالعديد من الكتب المحظورة لا تزال معروضة للبيع في المكتبات بالكويت. ومؤخراً، في مكتبة جرير، كبرى مكتبات البلاد، بمنطقة الشامية، كانت هناك كتب معروضة لماركيز وأورويل مع نسخة ليست فاضحة للغاية من "حورية البحر" التي ترتدي البكيني، لهانز كريستيان أندرسون.

لكنَّ منافذ بيع أخرى، تضع في اعتبارها الغرامات الثقيلة، تزيل العناوين المسيئة خوفا من حملة حظر الكتب في الكويت.

وقالت فاطمة مطر: "الأمر يحدث بالتدريج، لكنَّ الكتب تختفي ببطء وبشكل مؤكد". وتعد الكتب الجديدة لمؤلفين كويتيين هشة بشكل خاص؛ لأنَّ كتبهم لو حُظرت، فلن يمكنهم طباعتها وتوزيعها. وقالت فاطمة مطر إنَّ ديوانها الشعري قد مُنع من البيع عندما رفضت حذف السطر المسيء.  

العديد من الكتب المحظورة لا تزال معروضة للبيع في المكتبات / رويترز
العديد من الكتب المحظورة لا تزال معروضة للبيع في المكتبات / رويترز

وتعلق الشاعرة بأنها لا تريد ببلدها أن يصل إلى تلك المرحلة التي "نذهب فيها إلى مكتباتنا لنجد كتب الطبخ وكتب الشريعة فحسب".  

ويدير تجار الكتب المحظورة سراً بالفعل تجارةً نشطة، خدمةً للخارجين على القانون الأدبي. ويستخدم الكثيرون خاصية إخفاء الصور في إنستغرام لعرض بضاعتهم، ويأخذون الطلبات ويتقدَّمون على القانون بخطوة، وذلك بحسب أحد المؤلفين الشباب، الذي قال إنه يكمل دخله بهذه الطريقة.

وفي محل لبيع الكتب بمدينة الكويت، أظهرت المالكة خزانة سرية مليئة بالكتب المهرَّبة وراء سجلِّ النقدية، ومخزناً بالطابق السفلي يحتوي على المزيد من ذلك. وقالت: "إنَّ الفكرة القائلة بأنَّ حظر الكتب في الكويت يساعد مبيعات الكتب فكرة مبتذلة. لكني بصفتي بائعة كتب، بإمكاني أن أخبرك بأنني أفضِّل بكثير عرض الكتب عياناً".

كان لدى بائعة الكتب نسخة محظورة من "زوربا اليوناني" معروضة بتحفُّظٍ؛ إذ قد يؤدي ذلك إلى غرامة لا تقل عن 1650 دولاراً لو رأتها وزارة الإعلام. وقالت إنها ليست قلقة كثيراً: "يمكنك دائماً اكتشافهم عندما يأتون. يمكنك أن تعرف أنهم ليسوا قراءً".

علامات:
تحميل المزيد