تثار من حين لآخر دراسات تاريخية أو جينية تشكك في أن كريستوفر كولومبوس هو أول من اكتشف أميركا، وتدور الاحتمالات عن أناس من آسيا وإفريقيا وأوروبا ربما يكونون قد وصلوا للسواحل الأميركية قبل رحلة كولومبوس التي وصلت لساحل الكاريبي في 1492 في أثناء محاولته إيجاد طريق للإبحار إلى الهند
نحن نعلم الآن أن البشر سكنوا الأميركتين قبل آلاف السنين، وأن العالم القديم، وخاصةً أن قارة آسيا كانت متصلة بشمال أميركا عبر جسر يابسة بيرنجيا الذي كان يربط شرق سيبيريا بألاسكا والذي أتاح هجرة البشر والحيوانات من آسيا للأميركتين قبل نحو 12 ألف عام، وكانت القارتان الأميركيتان متصلتين أيضاً عبر جسر بري عند قناة بنما الحالية.
شاهد هجرة البشر منذ عشرات الآلاف من السنوات حول الأرض في هذا المقطع السريع، الذي يتضمن هجرة البشر إلى الأمريكتين عبر جسر اليابسة الذي كان موجوداً بين أمريكا (آلاسكا) وروسيا (سيبيريا) الحاليتين.
لكن، بعد اختفاء هذا الممر البري، صار البشر على جانبي المحيط الواسع غير متصلين جغرافياً، وبدأت النظريات التي تتحدث عن محاولات التواصل بين العالَمين قبل كولومبوس.
وأشهر هذه الاحتمالات تدور حول أن الصينيين أو العرب أو الفايكنغ الأوربيين، ربما يكونون قد وصلوا للعالم الجديد قبل كولومبوس، وفي هذا الموضوع نتعرف على هذه الاحتمالات ونناقش مدى صحتها.
الصينيون
1421 Chinese discover america before europeans https://t.co/eQt0QkpuoQ via @YouTube
— Gary stephen Tucker (@gt96505) May 19, 2018
هل أبحر الصينيون إلى أميركا أولاً؟ يقول المؤرخ الهاوي البريطاني جافين منزيز إن عام 1421 شهد اكتشاف الصينيين أميركا، وفي كتابه المشهور عن الموضوع يقول إن الأدميرال الصيني تشنغ وصل إلى الأميركتين أكثر من 70 عاماً قبل رحلة كريستوفر كولومبوس الشهيرة.
تقول أدلة الكاتب إن الأدميرال الصيني تشنغ أبحر بأسطوله العظيم من القوارب قبل كولومبوس بقرن، وإنه في القرن الثامن عشر ظهرت خريطة مؤرخة عام 1418 من مكتبة شنغهاي، تصور أميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا وحتى القارة القطبية الجنوبية، واشترى الخريطة محامٍ صيني عرضها لاحقاً.
لكن صحة هذه الفكرة تظل محل استفهام، خاصة بعد اتهام بعض المدافعين عنها بتزوير خرائط قديمة لدعم آرائهم حول اكتشاف الصينيين أميركا، لكن الكاتب الصحفي في "الغارديان" البريطانية سيمون جنكنز، يقول إن الخريطة الصينية المزعومة هي خدعة ودقيقة أكثر ما ينبغي لخريطة أولية، وإنها قد تكون مفبركة، ولا يوجد دليل على صحة تاريخها، معتبراً أنها تعبر عن الشوفينية الصينية لا أسانيد علمي.
العرب والمسلمين
في لقاء له مع قادة مسلمين من أميركا اللاتينية بأسطنبول، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن البحارة المسلمين وصلوا للقارة الأميركية قبل 314 عاماً من كولومبوس، وبالتحديد في عام 1178.
وعلى ما يبدو، فقد كان أردوغان يشير إلى دراسة المؤرخ التركي فؤاد سزكين، الذي يخلص للفكرة نفسها وينسب إلى البحارة المسلمين اكتشاف أميركا أولاً، مشيراً إلى أدلة مفترضة من مخطوطات صينية تعود لأواخر القرن الثاني عشر الميلادي
ودراسة سزكين، تتلاقى مع الفكرة التي طرحها يوسف مروة، عالِم الذرة الكندي-اللبناني الذي تفرّغ لدراسة تاريخ العرب، ويستشهد بدراسات لغوية عن وصول العرب للأميركتين وتأثُّر لغات الهنود الحمر بالعربية ، مشيراً إلى أن رحلات بحرية كانت تنطلق من المغرب وغرب إفريقيا العربي للبرازيل، معتبراً أن البحارة المسلمين سافروا من الأندلس وغرب إفريقيا إلى الأميركتين قبل 5 قرون على الأقل من رحلة كولومبوس.
ويعتقد مروة وغيره أن هناك إشارات إلى تجاوز رحالة عرب "بحر الظلمات والضباب" ووصولهم لليابسة عند مؤرخين وجغرافيين عرب مثل الإدريسي والمسعودي، غير أن هذه الآراء لا تحظى بالتأييد من قبل بعض الباحثين التاريخيين ذوي الخلفية الأكاديمية الذين يشككون في صحة استنتاجاتها.
الفايكنغ الأوربيون
على الشاطئ الشرقي لأميركا الشمالية، ثمة أدلة على وجود الفايكنغ الأوربيين، عاش فيها البحارة الاسكندنافيون في الأراضي الأميركية، وقد تم اكتشاف موقعين مختلفين في كندا الحالية لمستوطنات إسكندنافية تعود للقرن العاشر الميلادي وتعد دليلاً على وصول الفايكنغ لغرين لاند وكندا قبل 5 قرون من رحلة كولومبوس.
ويعتقد أن بحارة من الفايكنغ عبروا من شمال أوروبا إلى غرين لاند، ومنها لشمال شرقي أميركا الشمالية، حيث عاشوا هناك وكانت لهم صلة بالسكان الأصليين أيضاً.
ماذا تقول الجينات؟
وفقاً لدراسة عام 2014، نُشرت في مجلة current biolgy، تخلص الدراسة إلى أدلة جينية على اتصال بين الهنود الحمر ومزيج من البولينيزيون والأوربيين في جزيرة الفصح الواقعة في المحيط الهادي الجنوبي، وتشتهر بتماثيلها الحجرية الضخمة الغامضة
ووجد الباحثون مزيجاً جينياً من بولينيزيون (سكان نيوزيلندا وجزر هاواي) مع الأميركيين الأصليين يعود للقرن الثالث عشر الميلادي أيضاً، مما يدل على حدوث الاتصال عبر المحيط الهادئ في وقت مبكر عن رحلة كولومبوس، لكن هذا لا يعد دليلاً على اكتشاف سواحل الأميركتيين؛ لأن الجزيرة تقع في قلب المحيط الهادي الجنوبي، بعيداً عن سواحل أميركا اللاتينية وآسيا على حد سواء.