إن كنت تظن أن ترمب وحده من يستخدم الألفاظ النابية والإهانات.. فأنت لم تسمع بما فعله سياسيو روما القديمة!

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/06 الساعة 10:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/06 الساعة 10:23 بتوقيت غرينتش

هل تعد الاتهامات البشعة والإساءة اللفظية في السياسة أمراً معتاداً؟

في السنوات الأخيرة بدت الطعنات اللفظية المتداولة بين المعارضين السياسيين أبعد ما تكون عن حديث بين بالغين، وأقرب لحوار لاذع مقتطف من فيلم Mean Girls، ذلك أنها بلغت درجة خطيرة من السوء.

لكن على الرغم من أن مثل هذا السلوك يعتبر مقيتاً ومنفراً، فإنه ليس بجديد.

فقد كان تقليد الساسة الذين يستمتعون بتوجيه الإهانات الشخصية القاسية منتشراً في جميع أنحاء الجمهورية الرومانية القديمة، بل وكان شديد القسوة وفق أحد الأبحاث الجديدة، حسب ما نشر موقع Live science الأميركي.

في الواقع، كان القادة الرومان يتبادلون في كثير من الأحيان الهجمات اللفظية، ويقذفون خصومهم بإهانات شخصية شديدة واتهامات فاضحة، حتى أنهم عانوا من الإهانات الكثيرة التي تصلهم من شعبهم الذي يحكمونه، وذلك وفقاً لما أفاد به مارتن جيهن، أستاذ التاريخ القديم في جامعة دريسدن التقنية بألمانيا.

وسيقدم جيهن ما توصل إليه من نتائج عن الإهانات في السياسة الرومانية القديمة في التجمع الـ52 للمؤرخين الألمان، الذي سيُعقد بجامعة مونستر في ألمانيا من 25 إلى 28 سبتمبر/أيلول الحالي.

ويتناول، وفق بيان المؤتمر، "المجتمعات المنقسمة"، حيث سيعالج الكلام المسيء والتحديات التي تفرضها الانقسامات بين المجموعات الاجتماعية منذ العصور القديمة حتى الوقت الحاضر.

أي عبارات مهينة كان يستخدم أعضاء مجلس الشيوخ الروماني؟

وفقاً لما ذكره جيهن، استخدم أعضاء مجلس الشيوخ الروماني الملاحظات المهينة ضد الخصوم لتعزيز مكانتهم بين مؤيديهم، وهي الاستراتيجية ذاتها التي تستخدم على الساحة السياسية اليوم.

وقال جيهن إن الإهانات آنذاك، كما هو الحال الآن، كانت تستخدم في إطار الترفيه، ولجذب الانتباه وتوليد الغضب، تماماً كما تفعل الإهانات والتهديدات وخطاب الكراهية على شبكة الإنترنت اليوم وخاصة تلك التي يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

 لكن مثل هذه الاستراتيجية قد تترتب عنها نتائج عكسية، خاصة إذا انحاز الجمهور للطرف المتلقي للإهانات، وهو ما صرح به جيهن لموقع "livescience" عبر رسالة إلكترونية.

وأوضح جيهن أنه "دائماً ما تعني الإهانة في السياق العام الكفاحَ من أجل الظفر بقبول الجماهير. لكن، لا يمكنك أبداً التأكد من طبيعة رد فعل الناس".

القذف اللاذع

عندما يتعلق الأمر بالإهانات السياسية المعاصرة فإن ترمب يعتبر أشهر من نار على علم في هذا المجال، حيث يستخدم الألقاب للتقليل من شأن الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة وعلى المستوى العالمي.

وقد وصف ترمب الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، "برجل الصاروخ الصغير"، ووصف رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو "بالمخادع والضعيف".

كما سخر من إليزابيث وارن، عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية ماساشوستس، من خلال وصفها بـ"البلهاء" و"بوكاهونتاس"، في إشارة عنصرية واضحة لأصلها العرقي.

وعلى سبيل المثال، تحتوي قائمة ترمب من الألقاب المهينة الموجهة لكل من الديمقراطيين والجمهوريين، الأسماء المرفوضة لأقزام ديزني السبعة، على غرار "المخادع" و"الكاذب" و"الماكر" و"المجنون" و"الملتوي"، وهو ما يمثل غيضاً من فيض إهاناته.

السياسيون الرومان أكثر وحشية

لكن، قد يكون السياسيون الرومان أكثر وحشية.

فوفقاً لما قاله جيهن، اتهم ماركوس توليوس سيسيرو، وهو متحدث شهير وشخصية سياسية عاشت في القرن الأول قبل الميلاد، ذات مرة منافساً له اسمه كلوديوس بارتكاب سفاح الأقارب مع أخواته وإخوانه.

وقال جيهن في بيانه إن رد كلوديوس، الذي ادّعى أن سيسيرو يتصرف كملك، قد لا يبدو مروعاً بدرجة كبيرة وفق معايير اليوم، لكنه كان مثيراً للجدل للغاية في الجمهورية الرومانية التي ترفض ادعاءات الملكية.

وذكر جيهن لموقع أنه على الرغم من احتقار أعضاء مجلس الشيوخ الروماني للأجواء الملكية، فإنهم عادة ما ينتمون إلى أسر تتمتع بالوجاهة.

ومن المرجح أنهم تعلموا على يد كبار السن من أعضاء مجلس الشيوخ المتمرسين كيفية التنقل في حقل ألغام سياسي من الإهانات اللفظية التي يطلقها خصومهم.

وقال جيهن: "لقد تعلموا كيفية القيام بهذا الأمر من خلال المشاهدة والتقليد.

لذلك، إن سبق لهم أن شهدوا جدالاً مهيناً بشدة بين أعضاء مجلس الشيوخ، فإنهم قد تعلموا كيفية القيام بذلك وكيفية تحمله أيضاً".

السخرية القادمة من المقاعد الشعبية في المسرح

لم يكن السياسيون في روما القديمة الوحيدين الذين يتقاذفون الشتائم مع زملائهم.

فوفقاً لما ذكره جيهن، كان المواطنون الرومان يعبرون عن استيائهم من الشخصيات التي لا تحظى بشعبية من خلال السخرية العامة، وقد تتعرض تلك الشخصيات أحياناً للرشق على المسرح.

على سبيل المثال، في عام 59 قبل الميلاد، حضر السياسي والجنرال إغانيوس بومبيوس ماغنوس، الذي عُرف باسم بومبي، مسرحية في مهرجان للإله أبولو.

وقد استخدم الجمهور وفنانو العرض، المسرح لإظهار عدم رضاهم عن الزعيم الذي لم يكن يتمتع بالشعبية.

وقال جيهن إنه عندما قام أحد الممثلين بقراءة: "من خلال بؤسنا، هل أنت عظيم؟!"، نظر الجمهور لبومبي وانفجر ضاحكاً، وأصر على أن يكرر الممثل قراءة تلك الكلمات.

وقد كتب المؤرخ سيسرو أن الممثل كرر تلك الجملة أكثر من 1000 مرة.

وعلّق جيهن قائلاً إن "هذا مبالغ فيه، بطبيعة الحال. لكن بومبي كان عليه أن يجلس هناك ويتعرض للمهانة بينما كان الناس يضحكون عليه.

كان الحدث بأكمله مهيناً للغاية لبومبي ولم يكن بإمكانه فعل أي شيء تجاهه".

وقال جيهن إن الظروف المختلفة بين الحاضر والماضي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة، تجعل المقارنات المباشرة للسلوك البشري عبر آلاف السنين صعبة بعض الشيء.

ومع ذلك، فإن التوظيف المستمر للشتائم في المجال السياسي يشير إلى أمر غير سار حول الطبيعة البشرية، على حد قوله.

لكن، حتى وإن كان هذا صحيحاً، فلا يزال بإمكان الناس، كأفراد ومجتمعات، أن يقرروا متى يتوقفون عن ذلك.

وأضاف جيهن أننا قد لا نكون قادرين على التخلص تماماً من الدافع الذي يقف وراء توجيه الإهانة، لكن البشر لا يزالون قادرين على رسم الحدود ووضعها، ومواجهة السلوك غير المقبول وإدانته، مهما كان مركزهم.

 

تحميل المزيد