كيف تحوَّل أعداء الأمس إلى حلفاء اليوم؟ عندما أحرقت بريطانيا البيت الأبيض ومبنى الكونغرس!

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/02 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/02 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش

لم تكن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بالقوة والحميمية نفسها طوال الوقت، كما هو الحال الآن، بل كانت بينهما حروب طاحنة، قام في إحداها الجيش البريطاني بإحراق أغلب مباني العاصمة الأميركية واشنطن، بما فيها البيت الأبيض وبعض معالم واشنطن من بينهم مبنى الكابيتول الشهير؛ تلك القصة التي قد لا تعرفها عن الصراع، والحرب بين الولايات المتحدة وبريطانيا.

الاستعمار البريطاني للأرض الجديدة.. في البدء كانت جيمس تاون

حتى العام 1776م لم يكن هناك ما يسمى دولة "الولايات المتحدة الأميركية". كانت أميركا، منذ نُسب اكتشافها إلى كريستوفر كولومبوس عام 1492م وحتى هذا التاريخ، عبارة عن مجموعة من المستعمرات تدين بالولاء لإمبراطوريات أوروبا المتناحرة.

أسست الإمبراطورية الإسبانية عام 1493م، أول مستعمرة أوروبية في الأراضي الأميركية المكتشفة حديثاً، ثم تبعتها الإمبراطوريات الفرنسية والهولندية، وعندما بدأت الإمبراطورية البريطانية في التفكير بشكل جدي في إقامة مستعمرات باسمها، كان هناك الكثير من النقاط الاستعمارية الإسبانية والفرنسية والهولندية، وأيضاً الروسية.

أنشأت بريطانيا أول مستعمرة لها في أميركا الشمالية عام 1587م، عندما استقرت مجموعة من المستعمرين (91 رجلاً و17 امرأة و9 أطفال) بقيادة السير والتر رالي في جزيرة روانوك. لكن بحلول عام 1590م اختفت مستعمرة روانوك بالكامل، بشكل غامض. وما زال المؤرخون حتى الآن لا يعرفون ماذا حدث بالضبط لسكانها.

وفي عام 1606، قسم الملك جيمس الأول ساحل المحيط الأطلسي إلى قسمين، أعطى النصف الجنوبي لشركة لندن، والنصف الشمالي لشركة بليموث. وبعد بضعة أشهر من إصدار الملك قراره، أرسلت شركة لندن 144 رجلاً إلى فرجينيا على متن 3 سفن، ووصلوها في ربيع عام 1607. ثم شيد المستعمرون الجدد مستوطنة أطلقوا عليها اسم "جيمس تاون"، نسبة إلى الملك الذي منحهم الأرض.

وعلى مدى نحو 125 عاماً، شيّد البريطانيون 13 مستعمرة، هم: نيو هامبشاير، ماساتشوستس، كونيتيكت، رود آيلاند، نيويورك، نيوجيرسي، وبنسلفانيا، ديلاوير، ميريلاند، وفيرجينيا، كارولينا الشمالية، كارولينا الجنوبية وجورجيا. وتضخمت أعداد المستوطنين من 144 رجلاً عام 1606م، إلى 2.5 مليون مستوطن أوروبي وإفريقي، بحلول عام 1775.

لم يكن يدور في خلد صناع القرار البريطانيين، في ذلك الحين، أن مستعمراتهم تحديداً ستصبح فيما بعد نواة لـ "الولايات المتحدة الأميركية"، الدولة التي ستقود العالم وتُقصي إمبراطوريتهم التي لقبت بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

بوسطن بدأت الشرارة الأولى.. فلتسقط الإمبراطورية البريطانية!

بدأت القلاقل التي قادت إلى الثورة الأميركية في مدينة بوسطن، أواخر ستينات القرن الثامن عشر، وذلك بعد أن أثارت الضرائب الباهظة التي فرضتها الحكومة البريطانية غضب السكان. بدأت الضرائب الجديدة عام 1765م بضريبة الطوابع، ثم تفاقمت عام 1767م، عندما فرض البريطانيون ضرائب على البضائع المستوردة، بما فيها الزجاج والرصاص والدهانات والورق والشاي، وذلك ضمن "قوانين تاونسيند".  

ولتنفيذ تلك القوانين، أرسل البريطانيون قوات عسكرية ضخمة إلى ماساتشوستس، مما فاقم التوتر بين السكان المحليين وممثلي التاج. وفي 5 مارس/آذار 1770م، حوصر جنود بريطانيون كانوا يحرسون دار جمارك بوسطن من قِبل المواطنين الغاضبين من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والضرائب. فقد مجموعة من الجنود أعصابهم عندما أصيب زميل لهم، وقاموا بإطلاق النار على المدنيين، فقتلوا 5 أشخاص وأصابوا 6 آخرين.

للسيطرة على الغضب المتفاقم، اضطر البرلمان البريطاني إلى إلغاء الضرائب، باستثناء الضريبة المفروضة على الشاي، لكن هذا لم يرض الأميركيين الذين أصبحوا أكثر عناداً من أي وقت مضى، فقامت مجموعة من المتظاهرين، في ديسمبر/كانون الأول 1773م، بتدمير شحنة شاي بقيمة 10000 جنيه إسترليني احتجاجاً على واجب الضريبة. ونتيجة لذلك، اعتمد البرلمان سلسلة من التدابير العقابية، وتم وضع مستعمرة ماساتشوستس تحت الحكم العسكري في عام 1774م.

بحلول ربيع عام 1775م، حمل المقاومون السلاح وأعلنوا الحرب على الإمبراطورية البريطانية. وفي 4 يوليو/تموز عام 1776، أعلن المستعمرون الاستقلال عن التاج البريطاني، في وثيقة خلّدها التاريخ باسم "وثيقة الاستقلال".

حقائق عن العلاقات الخاصة بين بريطانيا وأميركا.. من وكالة التنصت والاستخبارات إلى "العيون الخمس" والاقتصاد والجيش

  من مونتجمري إلى جورج واشنطن.. معارك ساهمت في تأسيس الولايات المتحدة

ظلّت حرب الاستقلال الأميركية مشتعلة من العام 1775م وحتى العام 1783م، ودخلت فيها فرنسا رسمياً عام 1778م لدعم الثوار الأميركيين. ورغم محاولات الحكومة البريطانية المستميتة للإبقاء على مستعمراتها تحت ولايتها، فإن الثوار الأميركيين كان لهم رأي آخر. هذه أهم المعارك المفصلية في تاريخ حرب الاستقلال:

  • معركة لكسنجتون وكونكورد، أبريل/نيسان 1775: لم تكن معركتا لكسنجتون وكونكورد، الواقعتان في ماساتشوستس، معركتين ضاريتين، ولكنهما كانتا عبارة عن سلسلة من المناوشات بين القوات البريطانية والثوار الأميركيين. ورغم ذلك ينظر إلى هذه المعركة باهتمام، باعتبارها أولى معارك حرب الاستقلال الأميركية.
  •  معركة بنكر هيل، يونيو/حزيران 1775: كانت هذه أولى معارك حرب الاستقلال الحقيقية. بدأت وقائع المعركة عندما أرادت القوات البريطانية أن تسيطر على التلال المحيطة بمدينة بوسطن، والتي كان يتحصن فيها الثوار. انتهت المعركة بفوز البريطانيين بعد معركة حامية الوطيس، لكنه كان فوزاً غالي الثمن، إذ سقط 1000 جندي بريطاني بين قتيل وجريح في هذه المعركة، مقابل 400 أميركي.
  •  معركة كيبيك، ديسمبر/كانون الأول 1775: حاول الثوار الأميركيون نقل المعركة بعيداً عن مدينة بوسطن، فهاجموا مدينة كيبيك الكندية بقوة قوامها 1675 مقاتلاً، لكنهم تلقوا هزيمة فادحة وقتل قائد المعركة الجنرال ريتشارد مونتجمري، وأسر عدد كبير من الجنود.
  • معركة ترينتون، ديسمبر/كانون الأول 1776: نجح الأميركيون بقيادة الجنرال جورج واشنطن، في الفوز بمعركة ترينتون (مدينة تقع في ولاية نيوجيرسي)، وهزيمة القوات البريطانية، وهو ما انعكس إيجابياً على الروح القتالية للجنود الأميركيين الذين كانوا تلقوا عدداً من الهزائم القاسية قبل تلك المعركة.
  •  معركة ساراتوجا، أكتوبر/تشرين الأول 1777: تعتبر هذه المعركة، التي وقعت في مدينة ساراتوجا بولاية نيويورك، إحدى أهم معارك الثورة الأميركية. إذ أجبر جيش الثوار القوات البريطانية على الاستسلام للمرة الأولى في تاريخ الحرب. وكانت المعركة قوة دافعة لفرنسا لدخول الحرب ضد بريطانيا، وإعادة الروح إلى الجيش الأميركي، وتوفير الإمدادات والدعم الذي اشتدت الحاجة إليه.
  •  معركة كاوبنز، يناير/كانون الثاني 1781: نجح البريطانيون خلال عام 1780 في تحقيق عدد من الانتصارات مستعمرة كارولينا الجنوبية، فقرر الجيش الأميركي أن يستعيد ما فقده، وكانت هذه المعركة فرصته. ألحق الأميركيون خسائر فادحة بالبريطانيين، إذ قتلوا وأسروا منهم 800 جندي، وكانت المعركة نقطة تحول في حملة الحرب الجنوبية.
  •  حصار يوركتاون، أكتوبر/تشرين الأول 1781: قامت قوات أميركية وفرنسية مشتركة، بحملة عسكرية براً وبحراً، على جيش بريطاني كبير متمركز في شبه جزيرة في يوركتاون بولاية فرجينيا، وأجبر 8000 جندي بريطاني على الاستسلام. كان هذا الحصار آخر العمليات العسكرية الكبيرة في الثورة الأميركية.
معركة بنكر هيل كانت إحدى المعارك الحاسمة في الحرب البريطانية الأمريكية
معركة بنكر هيل كانت إحدى المعارك الحاسمة في الحرب البريطانية الأمريكية

رفضت بريطانيا الاعتراف بهزيمتها في الحرب حتى أواخر عام 1782، عندما قامت بسحب قواتها من تشارلستون وسافانا، بعدما وقع الطرفان اتفاق سلام مبدئياً مع الأميركيين في باريس، وذلك في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 1782. وفي 3 سبتمبر/أيلول 1783، اعترفت بريطانيا العظمى رسمياً باستقلال الولايات المتحدة في معاهدة باريس.

الأسد العجوز ينقضّ ويحرق البيت الأبيض.. والبحرية الأميركية تقطع الإمداد

قبل نحو 206 أعوام، وتحديداً عام 1812، أعلن الرئيس الأميركي جيمس ماديسون الحرب على بريطانيا العظمى، احتجاجاً على إجبار بريطانيا البحارة التجاريين الأميركيين على التجنيد بالبحرية الملكية، وفرض قيود تجارية على الولايات المتحدة، كأثر جانبي لحرب بريطانيا مع فرنسا في ذلك الحين، وكذلك بسبب دعم الأسد البريطاني العجوز للأميركيين الأصليين، الذين كانوا يقاتلون ضد التوسع الأميركي نحو الغرب.

لم تحارب الولايات المتحدة بريطانيا وحدها في هذه الحرب، لكنها حاربت أيضاً المستوطنيين الكنديين، والقبائل الأميركية الأصلية، في حرب ضروس استمرت لعامين ونصف العام.

عجز الجيش الأميركي في بداية الحرب عن تحقيق أي نصر، إذ فشلت الحملات العسكرية الثلاث التي أرسلها لانتزاع كندا من أيدي البريطانيين، في تحقيق هدفها، بسبب القيادة العسكرية الهزيلة، وسوء خطوط التموين والاتصالات المتقطعة، وكذلك بسبب الجهد الحربي للهنود الحمر، ومهارة القوات البريطانية.

قرر الأميركيون نقل المعركة إلى البحر، فنجحوا في الأسطول البريطاني المرابط في بحيرة إري، الواقعة ضمن البحيرات الكبرى التي تفصل بين كندا والولايات المتحدة. أجبرت الهزيمة البريطانيين على الانسحاب نحو الشمال، لكن سكان أميركا الأصليين "الهنود الحمر" رفضوا ذلك، وأصروا على الصمود ومواجهة القوات الأميركية، فتركهم البريطانيون ليواجهوا الموت.

قرَّرت بريطانيا الخروج من البحار وكندا، ونقل المعركة إلى قلب الولايات المتحدة، فشنَّت حملة عسكرية قوية في الشرق الأميركي، استطاعت من خلالها احتلال العاصمة واشنطن، وأحرقت معظم مبانيها، بما في ذلك البيت الأبيض ومبنى الكابيتول الشهير، الذي يزين ظهر ورقة العملة من فئة 50 دولاراً حتى اليوم.

وقف القدر إلى جانب الأميركيين المهزومين، فنجحوا في تغيير مجرى الحرب بعد أن استطاعت البحرية الأميركية المرابطة في خليج بلاتسبورغ صد الهجوم البحري البريطاني، الذي كان كفيلاً بفتح باب التموين والإمداد للجيوش المتتالية لغزو الولايات المتحدة من الشرق. وكذلك بعدما صمد حصن ماكهنري في مدينة بالتيمور، أمام الهجمات البريطانية المتتالية، موقفاً أي تقدم بريطاني، ما دفع البريطانيين للانسحاب من هذه المنطقة بحرياً، وأنهى إمكانية التموين والإمدادات لقواتهم تماماً.

نجحت أميركا في إجبار بريطانيا على التفاوض وإنهاء الحرب، وتم توقيع "اتفاقية غنت" بين الدولتين في 17 فبراير/شباط 1815، لتعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب. وهكذا انتهت الحروب الأميركية البريطانية، ثم تجولت تدريجياً إلى ما نراه اليوم من تحالف متكامل كان فيه البلدان متجاورين في أغلب القرارات السياسية والعسكرية، مروراً بالحربين العالميتين، ونهايةً بحروب الشرق الأوسط في أفغانستان والعراق.