لا يرتدي عمامة وليس شيخاً ولا يحمل معه سوى الكتب.. رجل الدين الإيراني الذي يربي الأطفال بالقصص

يسافر إلى قرى في جنوب غربي إيران الفقيرة، ويوزع الكتب من صندوق عربته البيجو، ويقرأ فقراتٍ من كتب

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/29 الساعة 17:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/29 الساعة 19:27 بتوقيت غرينتش

جلس رجل الدين الإيراني بعدما خلع عباءته، ووضع عمامته البيضاء جانباً، وحاول الترفيه عن مجموعةٍ من الأطفال في إحدى أفقر القرى في إيران، وشرع يحكي: "كاد الشتاء يقترب، وكان الدب يشعر بالنعاس".

بين كل عبارةٍ وأخرى، كان يحرك عينيه بين الأطفال ليتأكد أنَّ الجميع يستمعون، ويسأل: "هل ما زلتم معي؟ ماذا كان يريد الدب أن يفعل؟"، ويجيب الأطفال الذين يقومون بطلاء جدران مدرستهم: "كان لدى الدب قصةٌ يريد أن يرويها".

كل ذلك يحدث خلال يوم عمل إسماعيل أزاري نجاد، وهو أبٌ لطفلين، وليس رجل دين معتاداً. يشتهر رجال الدين الإيرانيون بإلقاء خطاباتٍ ملتهبة في صلاة الجمعة، أو تراهم يثورون عبر شاشات التلفزيون، بينما تحيطهم هتافات "الموت لأميركا".

كل كتاب يعني عالماً جميلاً

يرى أزاري نجاد (39 عاماً)، أنَّ مهمته مختلفة نوعاً ما. فعندما لا يُدرِّس الفلسفة الإسلامية، أو الأدب العربي في المدرسة الدينية بمدينته، يسافر إلى قرى في جنوب غربي إيران الفقيرة، ويوزع الكتب من صندوق عربته البيجو، ويقرأ فقراتٍ من كتب مثل Bear Has a Story to Tell للكاتب الأميركي فيليب سي ستيد.

 يقول: "منذ عودتي إلى مدينتي قبل نحو 6 سنوات بعد انتهاء دراستي في قم، أدركت أنَّ 98% من الأطفال في قرانا لا يتاح لهم أي كتب بخلاف ما يُدرَّس في المدارس".

يسافر إلى قرى في جنوب غربي إيران الفقيرة ويوزع الكتب
يسافر إلى قرى في جنوب غربي إيران الفقيرة ويوزع الكتب

في وقت فراغه، بدأ في زيارة أفقر القرى في المقاطعة، وقراءة الكتب أو عرض الأفلام للأطفال، أو مساعدتهم في طلاء جدران مدارسهم.

وبحسب ما قال لصحيفة The Guardian البريطانية: "قراءة الكتب والحكايات هو عذر أتحجج به. هدفي هو تطوير أفكارهم، حتى يصير لديهم عالم جميل ويكونوا قادرين على تطوير مهاراتهم". لدى أزاري نجاد شعار يقول: قصة، كرة، لون. القصة ستجعل عقول الأطفال وعالمهم جميلاً، والكرة لممارسة الرياضة والتمتع بصحة جيدة، والألوان لطلاء جدران المدارس أو مكتباتهم".

لا تحيز في الدين أو اللغة

تحمل سيارة أزاري نجاد مجموعة من الكتب والأفلام، بما في ذلك الترجمات الفارسية للكتب التي كتبها المؤلف والرسام الكندي بيتر رينولدز، وتلك التي ألفتها الكاتبة الأميركية ميغان ماكدونالد، المعروفة بسلسلة Judy Moody.

وقال أزاري نجاد: "أحاول إعداد مساحة لإبداعهم بدلاً من تلقينهم ما يجب فعله. ليس لدي أي تحيز في اختيار عناوين الكتب، سواءٌ كتبها مؤلف أجنبي أو إيراني، وسواءٌ كانت دينية أم لا. أي كتاب مناسب لتطوير عقولهم ومهاراتهم مناسب بالنسبة لي".

في رحلته الأخيرة هذا الأسبوع إلى قرى في منطقة ديشموخ، عرض أزاري نجاد على 15 طفلاً فيلماً لمدة 4 دقائق من إخراج الإيراني عباس كياروستامي، الحائز جائزة Palme d'or، الذي أصبح أهم صانع أفلام إيراني قبل وفاته في عام 2016. في بداية حياته المهنية عمل كياروستامي في معهد التنمية الفكرية للأطفال والشباب بطهران، حيث صنع أفلاماً عن الأطفال.

ويعرض عليهم حتى الأفلام
ويعرض عليهم حتى الأفلام

يقول أزاري نجاد، إنَّ عرض فيلم Two Solutions for One Problem الذي أخرجه كياروستامي بدا أنَّه سيكون أمراً مهماً للقرية، لأنَّه لاحظ أنَّ البالغين هناك كانوا عالقين في حالة من العداء لفترة من الوقت.

وأضاف أزاري قائلاً: "بعد ذلك، أعطيتهم 5 كلمات وطلبت منهم استخدامها وتكوين قصة منها: شجرة بلوط، ونهر جاف، وجدة، ومعزة، وتمساح. كان لديهم شجر بلوط في المنطقة، وكذلك نهر، وأردتُ أن ألفت انتباههم إلى حقيقة أنَّ هذا النهر قد يجف يوماً ما".

ويسعى أيضاً لإحياء التراث الإيراني

تملك إيران تراثاً غنياً بالقصص والحكايات الخيالية. أقدم أشكالها المعروفة من الأداء الدرامي يطلق عليه "نغالي"، وهي على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي الذي يحتاج إلى حماية عاجلة. طبقاً لليونسكو، فإنَّ المؤدي (النغال) يؤدي القصص على شكل أبيات شعرية أو نثرية، مصاحبة بالحركات والإيماءات، وأحياناً بمصاحبة ألحان موسيقية ومخطوطات ملونة.

يرى أزاري نجاد أنَّ عصر الشبكات الاجتماعية أدى إلى تهميش تقاليد قديمة تحتاج إلى إحياء، وهو ما يأمل في فعله عن طريق تشجيع الأطفال على كتابة الحكايات الخالية التي سمعوها من جداتهم، ثم إعادة إلقائها على أصدقائهم.

رجل الدين الإيراني، الذي يجني قرابة 275 جنيهاً إسترلينياً (354 دولاراً أميركياً) في الشهر، يصر على العمل تطوّعياً بالكامل، لكنَّه يشجع التبرّعات التي تدعم أنشطته. ويجمع الريفيون المحليون المال هذه الأيام بهدف شراء سيارة جديدة له.

ويقول رجل الدين الذي يُوثِّق عمله على حسابه عبر الشبكات الاجتماعية: "أستخدم سيارتي الخاصة، وأدفع تكلفة البنزين على حسابي، وأجلب معي طعامي أثناء زيارة هذه القرى. لم أحاول البحث عن أي مساعدة حكومية، ولم يقدموا هم لي أي شيء. يحدث هذا على هامش حياتي، وبشكلٍ لا يرتبط بوظيفتي".

ويؤمن أن الأمل في غد أفضل بيد الأطفال
ويؤمن أن الأمل في غد أفضل بيد الأطفال

لأزاري نجاد طفلان، يبلغان من العمر 7 و12 عاماً. وهو لم يفقد الأمل بسبب الأحداث التي تمر بها إيران، نتيجةً للعقوبات والوضع السياسي المتوتر.

ورغم أن هنالك شعوراً عاماً في البلد بفقدان الأمل، بالإضافة إلى الصعوبات المادية، فإنه شخصياً لم يفقد الأمل، أمله الحقيقي هو في هؤلاء الأطفال. وما دام كان بإمكانه تشجيع الأطفال على قراءة الكتب، فسيظل متفائلاً: "سيبقى الأمل قائماً ما دمت أرى هؤلاء الأطفال ممسكين بالكتب في أيديهم"، يختم أزاري قصته وهو يستعد للانطلاق بسيارته المحملة بالقصص إلى قرية جديدة وأطفال ينتظرونه.

علامات:
تحميل المزيد