مدينة إيطالية ازدهرت بفضل المسلمين وها هي تحاول رد الجميل

هل ينجح معرض أوفيزي في الفصل بين الإسلام والباعة الجائلين؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/23 الساعة 05:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/23 الساعة 05:44 بتوقيت غرينتش

صُنعت هذه الجرار الخزفية الخمس في سوريا قبل ستة قرون، حيث كانت تحمل بداخلها ذات يوم علاجاتٍ ومراهم وروائح من الشرق البعيد.

والآن تُعرض بشكلٍ أنيق في صفٍّ من الصناديق الزجاجية بمعرض أوفيزي بمدينة فلورنسا الإيطالية، حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

وزُيِّنت جرار "الباريلي" هذه برسومٍ مكررة ومتشابكة تظهر فيها جذوع ورد بأوراقه، وفي منتصف كل رسمة زهرة زنبق، الرمز التاريخي لمدينة فلورنسا.

إنها علاقة طويلة وقديمة مع العالم الإسلامي

تحكي الجرار باختصار قصة "الفن الإسلامي وفلورنسا من عصر آل ميديشي وحتى القرن العشرين"، وهو معرض يستمر حتى الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول، يستعرض عمليات التبادل والعلاقات طويلة الأمد بين المدينة والعالم الإسلامي.

يُقام المعرض في أوفيزي ومتحف بارجيلو القريب منه، ويجمع نحو 250 قطعة، من الخزف والسجاد والحرير والمخطوطات والقطع المعدنية والزجاجية، التي كانت قد أُعطيت أو عُهدت إلى أناسٍ بالمدينة أو حصلوا عليها على مدار 500 عام.

حتى أن المدينة ازدهرت بفضلهم

من مقتينات المتحف
من مقتينات المتحف

بدأ تفاعل فلورنسا مع العالم الإسلامي في العصور الوسطى، لكنَّه تزايد في ظل حكم آل ميديشي للمدينة بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر.

ازدهرت فلورنسا بفضل تصدير الأقمشة (خاصةً الحرير والقطيفة) إلى العالم الإسلامي.

وفي المقابل استوردت المدينة السجاد والبهارات والحرير الخام، وحصلت على أفضل القطع الزجاجية والخزفية والمعدنية. واستمرت الروابط الثقافية هذه خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

والآن لا يسمعون عنه شيئاً بقدر الإرهاب

واليوم، لا يتعرض الإيطاليون كثيراً للعالم الإسلامي ويقتصر تعاملهم معه مع المسلمين الذين يعيشون بينهم، وكثيرٌ منهم من المهاجرين الجُدد، أو التقارير الإعلامية حول حروب الشرق الأوسط والإرهاب الذي ترتكبه حركات إسلاموية.

وقد أدت التوترات إلى أن يربط البعض بين الإسلام والعنف، وأثار مشاعر معادية للمسلمين، ساهمت في وقتٍ مبكر من العام الجاري 2018 في وصول حكومة شعبوية إلى السلطة، تعد باتخاذ إجراءاتٍ صارمة ضد عمليات الهجرة.

ويعد معرض فلورنسا رد فعلٍ سريعاً وعلمياً على هذه التطورات.

ولكن لولاهم لما ظهر عصر النهضة في إيطاليا

عادةً هناك فقر في المعرفة والوعي بالحضارات الأخرى، خاصةً الحضارة الإسلامية، وهناك توترات في الأيام الحالية على كلا الجانبين"، حسبما يقول آيك شميدت، المدير الألماني لمعرض أوفيزي الذي عمل على تنظيم العرض بعد وقتٍ وجيز من وصوله عام 2015.

ويضيف قائلاً: "شعرتُ بأن هذا المعرض ستكون له أولوية خاصة عن أي معرض آخر محتمل".

وأشار شميدت إلى أن النهضة الإيطالية لم تكن لتحدث دون مساهمات علماء المسلمين، وتحديداً الاكتشافات التي تمت في مجالات نظرية الرياضيات والهندسة والبصريات، التي شكلت براعة الفنانين في اللوحات الفنية.

ويتضمن العرض الكثير من القطع المستوردة التي كانت ذات يومٍ هي أكثر ما تشتهر به فلورنسا، ووصلت حديثاً من مصر وسوريا وإيران والعراق وتركيا وإسبانيا: وتشمل قطعاً من الحرير والقماش من العصر العثماني، وسجاداً من الدولة المملوكية، ومخطوطات فارسية مزيَّنة، وأعمالاً معدنية سورية (ويُقال إن حاكم جمهورية فلورنسا لورينزو دي ميديشي كان يملك أكثر من 100 قطعة منها)، والخزف المغربي المُزيَّن برموز عائلات فلورنسا.

وفِي المعرض يتجلى الإعجاب الإيطالي بالثقافة الإسلامية حتى أنهم نقشوا الأحرف العربية حول المسيح

ويركز قسم بارجيلو في المعرض على المقتنيات الأحدث، وتشمل كنوزاً حصل عليها في القرن التاسع عشر عددٌ من جامعي التحف والخبراء والتجار في فلورنسا.

وفي النصف الخاص بأوفيزي، يظهر جلياً من البداية إعجاب إيطاليا في عصر النهضة بالثقافة الإسلامية آنذاك.

ففي لوحة "عشق المجوس" للمصور جينتيلي دا فابريانو من عام 1423، التي تُظهر مشهداً إنجيلياً شهيراً، نُقِشَت الحروف العربية في هالة النور حول رأس القديسة مريم والمسيح، في تداخل منسجم ومذهل بين الثقافات والأديان.

وبالقرب من ذلك تُعرَض بعض صفحات من مخطوطة "الشاهنامة" الأقدم في العالم، وهي قصيدة ملحمية كتبها الفردوسي. تعود هذه المخطوطة الفارسية لعام 1217، وقد استحوذ عليها في القرن السادس عشر أحد التجار الإيطاليين.

ويشير السجاد الكثير الضخم المعروض إلى مدى شهرته في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، مزيِّناً بيوت أثرياء فلورنسا، كما ظهر في لوحات عصر النهضة.

ولديه سجادة مملوكية هي الأضخم في العالم  

وإحدى سجاجيد الدولة المملوكية المعروضة تعد هي السجادة الأضخم في العالم (وتعود للمماليك الذين كانوا يحكمون مصر وسوريا في الوقت الذي كان فيه آل ميديشي في ذروة قوتهم).

ويقول جيوفاني كوراتولا، وهو أستاذ متخصص في الفن الإسلامي وعلم الآثار بجامعة أودين، وهو من نظم المعرض: "بالنسبة لنا، الإسلام ليس بجديد.. هو حضارة نعرفها جيداً. كانت لفلورنسا علاقة مستمرة بالمراحل المختلفة للعالم الإسلامي منذ عام 1400 على الأقل وحتى يومنا هذا".

ويضيف كوراتولا أنه بسبب أن مواطني فلورنسا، مثلهم مثل أولئك في فينيسيا وجنوة، لم يكن لديهم تاريخياً "أي عُقد نقص" في إعجابهم بالقطع الجميلة المنتجة في أماكن أخرى، امتلكت إيطاليا أحد أكبر مجموعات الفن الإسلامي في العالم. لكنَّها رغم ذلك لم يُقم فيها حديثاً سوى معرض واحد آخر غير هذا للفن الإسلامي (نظمه هو أيضاً)، وكان في بالاتسو دوكال في فينيسيا عام 1993-1994.

إنه يظهر أن الحضارة ليست حكراً على الغرب

"الغرب لا ينتبه كثيراً للعالم الإسلامي"، حسب كوراتولا، الذي يقول: نحن لم ندرك بعد أنَّ العالم أكبر قليلاً من تصورنا، وأنَّ الحضارة ليست حكراً على الغرب. ما زلنا نعتقد أننا مركز الكون".

ومن جانبه قال مدير معرض أوفيزي إنَّه في العقود الثلاثة الأخيرة لاحظ انتشار "الرؤى المعادية للإسلام" في العالم الغربي، وشعر إثر ذلك بواجب مكافحتها.

يتذكر شميدت أنَّه في المؤتمر الصحفي الخاص بالمعرض، الذي عُقد في 21 يونيو/حزيران وحضره إمام فلورنسا، نادى في كلمته الافتتاحية بضرورة تشييد مسجد بقبة ذهبية في فلورنسا "إن شاء الله".

لكنّ ما قاله مدير المتحف لم يمر مرور الكرام على وزير داخلية إيطاليا الجديد ماتيو سالفيني، زعيم حركة الرابطة المعادية للمهاجرين (أحد الحزبين الرئيسيين في الحكومة).

أمر السيد سالفيني خفر السواحل الإيطالية برفض استقبال أي سفن تحمل مهاجرين، وفي وقتٍ مبكر من العام الجاري صرَّح بشكوكه القوية حول توافق الإسلام مع قيم الدولة. وعندما سأله المراسلون عن تعليقه على ما قاله شميدت، رد سالفيني قائلاً: "إن كنت أنا مدير أوفيزي، كنتُ سأركز على المتحف العظيم الذي أنا مسؤولٌ عنه، بدلاً من أن ألتفت لمسألة بناء مساجد كبيرة. لا أعتقد أنَّ هذه من أولويات فلورنسا ولا أي أحد آخر".

ولكن يبدو أن الإيطاليين يتشاركون آراء حكوماتهم المناهضة للإسلام

ويبدو أنَّ آراء سالفيني حول الإسلام يشاركها إياه أغلب الإيطاليين. فحسب استطلاع رأي أُجريَ في شهر مايو/أيار ونشره مركز Pew للدراسات، قال 53% من الإيطاليين إنَّ الإسلام في جوهره لا يتوافق مع ثقافتهم وقيمهم، وكانت هذه ثاني أعلى نسبة من بين الدول الخمسة عشر التي خضعت للاستطلاع في غرب أوروبا.

وعن سؤالهم عن مدى قبولهم وجود شخصٍ مسلم داخل أسرهم، رد 57% من الإيطاليين إما بلا وإما بأنهم ليسوا متأكدين من قبولهم للأمر، وهذه النسبة هي الأعلى على الإطلاق.

وقالت نيها ساجال، المدير المعاون للبحوث في مركز Pew، التي كانت إحدى القائمات على الاستبيان: "المواقف السلبية تجاه الإسلام منتشرة أكثر في إيطاليا عن أي مكانٍ آخر في أوروبا. إذا ما نظرنا للبيانات، المذهل هو عدم ارتياح الإيطاليين للإسلام كعقيدة، وللمسلمين في مجتمعهم".

فهو مرتبط لديهم بالإرهاب والباعة الجائلين وها هي فلورنسا ترفض بناء مسجد

من مقتنيات المتحف
من مقتنيات المتحف

وعدم الارتياح هذا يأتي بالأساس من غياب المعرفة، حسب الأكاديميين الإيطاليين.

ويقول ستيفانو ألييفي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بادوا، الذي نشر عدداً من الكتب عن

الإسلام في إيطاليا: "حين تقول كلمة "إسلام" يفكر معظم الإيطاليين في الباعة المتجولين والإرهابيين".

ومن جانبه قال إمام فلورنسا عز الدين الزير في لقاء معه إنه قد حاول طيلة 10 سنوات الدفع ببناء مسجد في فلورنسا، لكنَّه فشل. وأضاف أنَّ "أحد الأسباب الرئيسية هو الخوف، فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أصبح هناك خوف منا نحن المسلمين".

نتيجةً لذلك، يقع مكان العبادة الأساسي للمسلمين في فلورنسا، حيث يؤم الزير صلوات الجمعة لما يصل إلى 1000 شخص في جراجٍ سابق بقلب المدينة.

حتى أن هناك مَنْ ذبح خنازير بأماكن مخصصة لمساجد

وتحدث الإمام عز الدين الزير، الذي يرأس منظمة تضم نحو 130 قاعة لإقامة الصلاة ورابطاتٍ مسلمة أخرى عبر إيطاليا، عن أحداثٍ متتالية وقعت عبر أنحاء البلاد تجلت فيها الإسلاموفوبيا، وقال إنَّها أحداثٌ فردية، لكنَّها أكثر عدداً مما كانت قبل خمس أو ست سنوات.

وذكر أمثلة شملت ذبح خنازير حية على مساحاتٍ من الأراضي كان مقرراً أن تُبنى عليها مساجد، ووضع رؤوس خنازير أمام قاعات للصلاة، ورسم آياتٍ من القرآن على أجسادٍ عارية وإرسالها إلى أعضاء من المجتمع الإسلامي.

ووصف الزير معرض أوفيزي بأنَّه "رائع"، وقال إنَّه مهمٌ جداً هذه الأيام من أجل "بناء الجسور، ونحن نعرف أنَّ هذا هو المسلك الأصعب، لكنَّه سيقودنا إلى التعايش السلمي التوافقي".

المعرض يرد ببرامج حول الحجاب.. فهل يقتنعون بأن هذا الإسلام ليس مرتبطاً بالبدائية؟

رتب معرض أوفيزي برنامجاً يهدف إلى تعريف الزوار من جميع الأعمار والخلفيات بالإسلام وحضاراته. وهناك زيارات بصحبة مرشدين باللغتين الإيطالية والعربية، وكذلك ورش لتعليم الخط العربي.

ويجري تحضير برامج تعليمية خاصة للأطفال حول أمورٍ مثل الحجاب الإسلامي والسجاد والعلوم الإسلامية.

وتقول سيلفيا ماسكالكي، رئيسة القسم التعليمي في أوفيزي، إنَّ "الهدف هو زرع نوع من الفضول الثقافي في عقول هؤلاء الأطفال"، ومساعدتهم على "فهم أن هناك سلاحاً اسمه الحضارة ضد العنصرية والإهمال والجهل".

وقال ألييفي إنَّ المَعارِض قد تؤثر بشكل كبير في نظرة العامة للمجتمعات، كالمسلمين الموجودين في إيطاليا.

وأضاف أنَّ معرض فلورنسا "يساعد الإيطاليين على فهم أنَّ الإسلام ليس شيئاً مرتبطاً بالناس البدائيين أو غير المتعلمين، بل هو حضارة عظيمة كانت لها روابط وعلاقات بإيطاليا. ويمنح المسلمين في إيطاليا شيئاً يفخرون به ومشاعر انتماء".

 

اقرأ أيضاً

ولادة يسوع، الملذات الـ 16، وسيف الساموراي.. كل هذه الأعمال في متحفٍ خياليٍ لن ندخله أبداً

 

لا نقبل دروساً في النفاق.. سفينة تُقل 600 مهاجر تثير الغضب في أوروبا، وإيطاليا تستدعي السفير الفرنسي

 

 

علامات:
تحميل المزيد