بعد 94 عاماً من العطاء الموت يغيِّب نصير المكافحين والمناضلين.. لقد رحل حنا مينه وهذه هي وصيته

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/21 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/21 الساعة 17:29 بتوقيت غرينتش

غيَّب الموت، اليوم الثلاثاء 21 أغسطس/آب 2018، الروائي السوري حنا مينه، عن عمر يناهز 94 عاماً، في دمشق، بعد صراع طويل مع المرض.

ونعَتْ وزارة الثقافة السورية الروائي الراحل، قائلة إنه استطاع "عبر أكثر من أربعين رواية على مدى نصف قرن رصد قضايا الناس، وانتقد فيها الاستغلال والجشع واضطهاد المرأة، وتنبأ أن الرواية ستشغل المكانة الكبيرة لدى العرب، وستصبح ديوانهم".

ولد مينه في الـ9 من مارس/آذار عام 1924 بمدينة اللاذقية، وهو من مؤسسي اتحاد الكتاب في سوريا، وكان يلقب "شيخ الرواية السورية".

قضى طفولته في إحدى قرى لواء إسكندرون الحدودية مع تركيا، قبل أن يعود مع أسرته إلى اللاذقية.

وعمل مينه في شبابه بحاراً على القوارب والسفن، قبل أن يشرع في كتابة المسلسلات للإذاعة العامة.

بداياته مع الكتابة

البداية الأدبية كانت متواضعة، تدرَّج في كتابة العرائض للحكومة، ثم في كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان، ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة.

أرسل قصصه الأولى إلى الصحف السورية في دمشق، وبعد استقلال سوريا أخذ يبحث عن عمل، وفي عام 1947 استقر به الحال في العاصمة دمشق، وعمل في جريدة الإنشاء الدمشقية، حتى أصبح رئيس تحريرها.

بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية، وللأسف ضاعت من مكتبته، فتهيّب من الكتابة للمسرح. كتب الروايات والقصص الكثيرة بعد ذلك، التي زادت على 30 رواية أدبية طويلة غير القصص القصيرة. منها عدة روايات خصَّصها للبحر الذي عشقه وأحبه، كتب القصص القصيرة في البداية في الأربعينات من القرن العشرين، ونشرها في صحف دمشقية كان يراسلها. أولى رواياته الطويلة التي كتبها كانت (المصابيح الزرق) في عام 1954، وتوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك، ويذكر أن الكثير من روايات حنا مينه تحولت إلى أفلام سينمائية سورية ومسلسلات تلفزيونية.

مساهمته في رابطة الكتاب السوريين

ساهم حنا مينه مع لفيف من الكتاب اليساريين في سوريا عام (1951) بتأسيس رابطة الكتاب السوريين، التي كان من أعضائها: مواهب كيالي وحسيب كيالي ومصطفى الحلاج وصلاح دهني، وآخرون. نظمت الرابطة عام 1954 المؤتمر الأول للكتاب العرب، بمشاركة عدد من الكتاب الوطنيين والديمقراطيين في سوريا والبلاد العربية، وكان لحنا مينه دور كبير في التواصل مع الكتاب العرب في كل أنحاء الوطن العربي.

تأسيس اتحاد الكتاب العرب

ساهم بشكل كبير في تأسيس اتحاد الكتاب العرب، وفي مؤتمر الإعداد للاتحاد العربي، التي عُقد في مصيف بلودان في سوريا عام 1956. كان لحنا مينه الدور الواضح في الدعوة إلى ايجاد وإنشاء اتحاد عربي للكتاب، وتم تأسيس اتحاد الكتاب العرب عام 1969.

أشهر أقواله

أنا "كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين" فالكفاح له فرحه، له سعادته، له لذّته القصوى، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحياة الآخرين، هؤلاء الذين قد لا تعرف لبعضهم وجهاً، لكنك تؤمن في أعماقك، أن إنقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل، جدير بأن يضحى في سبيله، ليس بالهناءة وحدها، بل بالمفاداة حتى الموت معها أيضاً. إن وعي الوجود عندي ترافق مع تحويل التجربة إلى وعي، وكانت التجربة الأولى في حي (المستنقع) الذي نشأت فيه في إسكندرونة، مثل التجربة الأخيرة، حين أرحل عن هذه الدنيا، ومثل تجربة الكفاح ما بينهما، منذورة كلها لمنح الرؤية للناس، لمساعدتهم على الخلاص من حمأة الجهل، والسير بهم ومعهم نحو المعرفة، هذه التي هي الخطوة الأولى في المسيرة الكبرى نحو الغد الأفضل.

وكلامه عن البحر: 

"إن البحر كان دائماً مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب، وأسأل: هل قصدت ذلك متعمّداً؟ في الجواب أقول: في البدء لم أقصد شيئاً، لحمي سمك البحر، دمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراع حياة، أما العواصف فقد نُقشت وشماً على جلدي، إذا نادوا: يا بحر أجبت أنا! البحر أنا، فيه وُلدت، وفيه أرغب أن أموت.. تعرفون معنى أن يكون المرء بحّاراً؟"

أشهر مؤلفاته

من أشهر رواياته (المصابيح الزرق) و(الياطر) و(نهاية رجل شجاع) التي تحولت إلى مسلسل، و(الشمس في يوم غائم) و(بقايا صور) التي تحوَّلت إلى فيلم.

وصية تليق به

شدد في وصيته التي أثارت تعاطف المثقفين والقراء إلى الحد الأقصى، لما تضمنته من إشارات حزينة عن نفسه، على أنه كرّس أدبه في صالح "نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض".

وبعد أن يتقدم بالاعتذار، إلى جميع أقربائه وأصدقائه، يطلب منهم أن لا يحمَل نعشه، إلا بوساطة "أربعة مأجورين" من دائرة دفن الموتى أو من الكنيسة التي سيتم تأبينه فيها، إلى إهالة التراب عليه، في "أي قبر متاح" ثم ينفضون التراب عن أيديهم، كما شدد في الوصية، ويعودون إلى بيوتهم: "فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة".

وأكد الروائي الراحل، في الوصية، على أنه لا يريد أي حزن وأي بكاء وأي تعاز، من أي نوع، كما قال، وشدد على أنه لا يريد حفلة تأبين له. موضحاً في الوصية بعض تفاصيل ملكيته التي ترك بعضها لزوجته، وبعضها الآخر لـ"من يدّعون" أنهم أهله، كما رسم في خطّه منذ 10 سنوات وأربعة أيام، بالضبط.

نعي جميل

ونعاه الشاعر والكاتب اللبناني زاهي وهبي قائلاً: "بغياب حنا مينه نخسر مثقفاً وأديباً كادحاً مكافحاً، كرَّس حياته في سبيل تحويل الناس العاديين إلى أبطال شجعان منتصرين في معركة الحياة الضروس".

وأضاف: "ابن الحياة بكل مراراتها وخيباتها ومفاجآتها التي لا تكون دائماً مفرحة أو سارة".

تحميل المزيد