باستخدام كبسولة زمنية، دراسة تكشف خبايا الانهيار الغامض لحضارة المايا العظيمة في بحيرة قديمة

كان شعب المايا ضمن أولى الشعوب التي شيدت المدن، واستخدموا علم النجوم لتحسين مستوى إنتاج المحاصيل الزراعية، واخترعوا التقويمات، واستخدموا الرياضيات المتقدمة. لكن رغم كل تقدمهم هذا، ربما تكون إمبراطورية المايا التي تأسست على مدار آلاف السنين قد انهارت فقط في بضع مئات من السنين.

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/04 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/04 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
The panoramic view from the pyramid of Inscriptions and the Palace of the observatory tower in the ancient Mayan city of Palenque.

تحتوي الرواسب تحت بحيرة في المكسيك بعض الإجابات التي طال التفكير بها لسر زوال حضارة المايا.

كانت حضارة المايا، التي تركَّزت في المقام الأول فيما يعرف الآن بشبه جزيرة يوكاتان، ضمن أكثر الحضارات تقدماً في عصرها، حسب تقرير صحيفة The Washington Post الأميركية.

كان شعب المايا ضمن أولى الشعوب التي شيدت المدن، واستخدموا علم النجوم لتحسين مستوى إنتاج المحاصيل الزراعية، واخترعوا التقويمات، واستخدموا الرياضيات المتقدمة.
لكن رغم كل تقدمهم هذا، ربما تكون إمبراطورية المايا التي تأسست على مدار آلاف السنين قد انهارت فقط في بضع مئات من السنين.

كيف انهارت حضارة المايا العظيمة؟

لدى العلماء عدة نظريات حول كيفية حدوث انهيار حضارة المايا، بما في ذلك اجتثاث الغابات، والاكتظاظ السكاني والجفاف القاحل. وتُركز دراسة حديثة نُشرت يوم الخميس 2 أغسطس/آب، على الجفاف، وتتحدث للمرة الأولى عن مدى شدته.

الجفاف الكبير

وجد العلماء، أثناء تحليل الرواسب تحت بحيرة تشيشانكاناب في شبه جزيرة يوكاتان، انخفاضاً بنسبة 50% في الهطول السنوي على مدى أكثر من 100 عام، بداية من عام 800 بعد الميلاد وحتى عام 1000. وتشير الدراسة إلى أنَّ الانخفاض كانت ترتفع نسبته لتصل أحياناً إلى 70%، حسب الصحيفة الأميركية.

كان الجفاف يُعرَّف سابقاً باعتباره أحد الأسباب المرجحة لانهيار حضارة المايا، لكن هذه الدراسة هي الأولى التي تحدد كمية سقوط الأمطار والرطوبة النسبية والتبخر آنذاك. وهي أيضاً الأولى من نوعها التي تجمع بين التحليل العنصري والنمذجة لتحديد سجل المعلومات المناخية أثناء زوال حضارة المايا.

قال ماثيو لاشنيت، أستاذ علوم الأرض بجامعة نيفادا في ولاية لاس فيغاس، الذي لم يشارك في الدارسة، إنَّ القياس الكمي للجفاف مهمٌ، لأنه يوضح قوة التقلبات المناخية الطبيعية على حدة.

ويضيف لاشنيت: "البشر يؤثرون على المناخ. نحن نجعله (المناخ) أكثر دفئاً وهو عُرضة لأن يصبح أكثر جفافاً في أميركا الوسطى، قد ينتهي بنا الأمر إلى ضربة مزدوجة من الجفاف. إذا زامنت التجفيف من جراء الأسباب الطبيعية مع التجفيف من الأسباب البشرية، فإنَّ ذلك يزيد من قوة هذا الجفاف".

قلب التربة أو كبسولة زمنية جيولوجية

حللت الدراسة الحديثة قلب التربة التي ترسَّبت على مدار السنين، وهو شيء يفعله علماء المناخ عادةً لتحديد الظروف المناخية في الماضي، مستخدمين وحلاً من العصر القديم فيما يشبه كبسولة زمنية جيولوجية.
وتحتوي كل طبقة من الرواسب المدفونة في عمق الأرض دليلاً على سقوط المطر، والحرارة، وحتى على تلوث الهواء. وعن طريق عمليات وتفاعلات كيميائية يجري "تسجيل" الظروف المناخية على سطح التربة في وقت ما، ثم يتعرض ذلك السطح للدفن في نهاية المطاف. ويمكن للعلماء الحفر لعمقٍ كبيرٍ في التربة للحصول على عينة من قلبها، ثم يحللون بعناية تلك العينة طبقة تلو الأخرى، وسنة بعد أخرى لإعادة وضع تسلسل زمني.

تراجع منسوب البحيرة في فترات الجفاف

ولإعداد هذه الدراسة، فحص العلماء بعناءٍ طبقات الوحل والطين في العينات التي جلبوها من قلب التربة أسفل بحيرة تشيشانكاناب. وقال نيك إيفانز، وهو طالب دراسات عليا يدرس علم المناخات القديمة بجامعة كامبريدج، والباحث الرئيسي في الدراسة، إنَّه أثناء فترات الجفاف، كان منسوب البحيرة يتراجع. ومع تبخر المياه، تتبخر الجزئيات الخفيفة أولاً تاركة خلفها العناصر الثقيلة.

وتشكَّلت بلوّرات جبسية تحتوي على مياه أحفورية

وفي حال كان الجفاف شديداً وممتداً لفترة طويلة، تتشكل بلورات جبسية وتَدمج مياه البحيرة الموجودة مباشرةً في تكوينها. وسمحت "المياه الأحفورية" الموجودة داخل البلورات لإيفانز والعلماء الآخرين المشاركين في الدراسة، بتحليل خصائص مياه البحيرة أثناء تلك الفترة.

قال إيفانز: "الأمر أقرب ما يكون إلى أخذ عينات من المياه في الماضي".

وحدّدت التركيبة الكيميائية للمياه الأحفورية فترات الجفاف أثناء حقبة حضارة المايا، وكشفت كذلك كم من الوقت استمرّ ذلك الجفاف، ومقدار شدته.

إذن، ما أسباب الجفاف الكبير؟

يوجد العديد من النظريات بشأن مسببات الجفاف، لكن أياً منها لم يصل إلى نتائج حاسمة بعد مضي نحو ألف عام. يتزامن الجفاف مع الحقبة القروسطية الدافئة (الفترة التي سبقت العصر الجليدي الصغير)، ويُعتقد أنَّه حدث نتيجة انخفاض نسبة الرماد البركاني في الغلاف الجوي، وزيادة في النشاط الشمسي، حسب The Washington Post الأميركية.
وأظهرت دراسات سابقة، أنَّ اجتثاث الغابات أثناء حضارة المايا قد يكون أيضاً ساهم في الأمر. وتميل عملية اجتثاث الغابات إلى خفض كمية الرطوبة وإحداث خلل بتوازن التربة. وقال إيفانز إنَّ نظريات إضافية حول أسباب الجفاف تتضمن التغيرات في حركة دوران الغلاف الجوي وتراجع تواتر الأعاصير المدارية.

يأمل إيفانز وفريقه في أن تساعد دراستهم علماء الآثار في فهم كيف قد يكون الجفاف في العصر القديم أثَّر على الزراعة أثناء حضارة المايا في وقت حرج في تاريخ شعبها.

هل يمر الشرق الأوسط بمرحلة جفاف مشابهة؟

وفي الوقت الراهن، تعاني مناطق شاسعة من أميركا الشمالية، وشمال إفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب غرب آسيا وأغلب أستراليا من جفاف شديد، وفقاً للنظام العالمي للمعلومات الخاصة بالجفاف، والتابع للإدارة الجوية للمحيطات والغلاف الجوي. وترجح الأبحاث الاجتماعية السياسية أنَّ الجفاف قد يُسبب الحرب والمجاعة وموجات كبيرة من الهجرة. وتفتقر العديد من البلدان إلى الموارد اللازمة للتعامل معه.

قال إيفانز: "الجفاف لديه القدرة على أن يكون قوة دافعة للكثير من القضايا التي يمكنها التسبب في ضغوط حضارية"، إلا أنَّه أشار إلى أن الاقتصاد والتكنولوجيا الحديثة المعولمين في وقتنا هذا لديهما القدرة على منع حدوث جفاف على شاكلة ذلك الذي أنهى حضارة المايا، والذي من شأنه أن يتسبب في نهاية العالم.


واقرأ أيضاً..

إمبراطوريات النوبة.. قصة حضارة قديمة غيَّبتها الرمال والعنصرية