“تسريب” عميق تسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض وجعل الكوكب صالحاً للعيش

التسرّب ينبثق عن "مضخة بيولوجية" معروفة في السابق، وتوجد في قعر المحيط الجنوبي، الذي يعد المحيط الجنوبي (المحيط بقارة أنتاركتيكا) أكبر خزان للكربون على كوكب الأرض ويمتص كميات متزايدة من غاز ثاني أكسيد الكربون مما يقلل الاحترار المناخي.

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/31 الساعة 13:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/31 الساعة 17:05 بتوقيت غرينتش
Structure core Earth. Structure layers of the earth. The structure of the earth's crust. Earth cross section in space view. Elements of this image furnished by NASA. 3D rendering

توصّلت مجموعة من الباحثين إلى أن "تسرّب" الكربون في المحيط الجنوبي أدى إلى تدفئة كوكب الأرض بشكل تدريجي طيلة 11 ألف سنة، حسب صحيفة The Daily Mail البريطانية.

مضخة بيولوجية في قعر المحيط

ويقول الباحثون إن التسرّب ينبثق عن "مضخة بيولوجية" معروفة في السابق، وتوجد في قعر المحيط الجنوبي. ويعتقد الباحثون في الوقت الراهن أن ارتفاعاً في حركة دوران المحيط في المنطقة قد أثار تسرب غاز الكربون.

ويعد المحيط الجنوبي (المحيط بقارة أنتاركتيكا) أكبر خزان للكربون على كوكب الأرض ويمتص كميات متزايدة من غاز ثاني أكسيد الكربون مما يقلل الاحترار المناخي.

نيتروجين وكربون من أعماق المحيط

في الواقع، استخرج الباحثون كميات ضئيلة من النيتروجين من حفريات لإنشاء نموذج لنشاط المحيط الجنوبي أثناء حقبة الهولوسين، وهي فترة انطلقت منذ 11 ألف سنة.

وتشير قياسات نظائر النيتروجين المحيطة بالحفريات إلى أن كميات المياه المتزايدة أثناء حقبة الهولوسين، والغنية بالعناصر الغذائية وثاني أكسيد الكربون، تصعد من أعماق المحيط لتطفو على سطح المحيط الجنوبي.  

وفي الفيديو التالي تمثيل لعملية انبعاث الكربون من قاع المحيط الجنوبي

والسبب غير واضح حتى الآن

وفي حين أن سبب تزايد موجات المياه الصاعدة لا يزال غير واضح، يبدو أن العملية، التي يرجح حدوثها في الغالب، تتجسد في تغيّر في "الأربعينيات المزمجرة"، وفقاً  للباحثين. وتمثل الأربعينيات المزمجرة حزاماً من الرياح التي تهب من الشرق وتُحيط بالقارة القطبية الجنوبية.

والمحيطات أهم مستودعات ثاني أكسيد الكربون

وتعد المحيطات أهم مستودع لثاني أكسيد الكربون الجوي في الكوكب وفقاً لمقاييس زمنية استمرت لعشرات الآلاف من السنين. في المقابل، تضعف عملية حفظ الغازات الدفيئة بسبب النشاط الواقع في المحيط الجنوبي. كنتيجة لذلك، يفسر الارتفاع في معدل نشاط المحيط الدفء الغامض خلال الإحدى عشر سنة الماضية، وفقاً لفريق دولي من الباحثين.

وارتفاع غاز ثاني أكسيد الكربون جعل الكوكب اكثر دفئًا

وفي هذا الشأن، صرح دانييل سيغمان، أستاذ علوم الجيولوجيا والجيوفيزياء في جامعة برينستون، بأن الارتفاع التدريجي في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الكوكب ساهم في استقرار الدفء خلال تلك الفترة. وعلى ضوء هذه المعطيات، يشير سيغمان إلى أن فهم سبب هذا الارتفاع التدريجي يعد ذا أهمية بالغة. وقد اقترح الباحثون فرضيات متنوعة تفسر زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون، على الرغم من أن السبب النهائي لهذه الظاهرة بقي مجهولاً.  

وفي الوقت الحالي، يُشير تعاون دولي بقيادة علماء من جامعة برينستون ومعهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية إلى ارتفاع في موجات المياه المتصاعدة في المحيط الجنوبي. ويظهر هذا البحث في العدد الحالي من مجلة نيتشر جيوساينس. وقد أفاد والاس بروكر، أستاذ الجيولوجيا في جامعة كولومبيا، بأن تزايد حركة الدوران في المحيط الجنوبية سمح لثاني أكسيد الكربون بالتسرب في الغلاف الجوي حتى يعمل على تدفئة الكوكب.

وفي السياق ذاته، أضاف أستاذ الجيولوجيا، الذي لم يشارك في البحث المذكور آنفاً، أن سيغمان قدم وجهة نظر جديدة لسؤال طال أمده. ويبين بروكر قائلًا: "بما أن المحيط الجنوبي يعمل بمثابة صمام خانق في عملية نقل ثاني أكسيد الكربون بين المحيط والجو، ندين بالفضل إلى سيغمان لما نعلمه حالياً حول أن الصمام الخانق كان يعمل أثناء ما كان يعتبر بأنه فترة خمود".

ظاهرة الاحتباس الحراري

يمكن للنتائج المتعلقة بتغيرات المحيط أيضاً أن يكون لها تأثيرات على التوقع بكيفية تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على حركة دوران المحيط، فضلاً عن توقع مقدار ارتفاع ثاني أكسيد الكربون بسبب احتراق الوقود الأحفوري. وقد توصل سيغمان وزملاؤه إلى احتمال مسؤولية تزايد الموجات المتصاعدة عن استقرار المناخ في حقبة الهولوسين، وهي الفترة التي سبقت الثورة الصناعية بأكثر من 10 آلاف سنة.

وفي هذا الصدد، يقول سيغمان إن الزيادة البالغة 20 جزءاً من المليون التي تمت ملاحظتها قد تبدو صغيرة الحجم. كما يضيف سيغمان قائلًا: "على الرغم من اعتقاد العلماء بأن هذه الزيادة تعتبر صغيرة الحجم، فإنها مهمة ولعبت دوراً رئيسياً في منع التبريد التدريجي خلال الهولوسين، وهو ما قد يفسر تطور الحضارات البشرية المعقدة".

وبغية دراسة الأسباب المحتملة لارتفاع ثاني أكسيد الكربون أثناء حقبة الهولوسين، عكف الباحثون على التحقيق في ثلاثة أنواع من الحفريات التي تنتمي لعدة مناطق مختلفة من المحيط الجنوبي وهي الدياتومات والمنخربات، وكلاهما من الكائنات الدقيقة الموجودة في المحيطات، بالإضافة إلى مرجان أعماق المحيط.

وانطلاقاً من معدلات نظائر النيتروجين المستخرجة من أثر المادة العضوية المحبوسة في الجدران المعدنية لهذه الحفريات، تمكن العلماء من إعادة بناء تطور تركّز العناصر الغذائية في المياه السطحية في المحيط الجنوبي خلال 10 آلاف سنة الماضية. وتشير قياسات نظائر النيتروجين المحيطة بالحفريات إلى أن كميات الماء المتزايدة أثناء حقبة الهولوسين، والغنية بالعناصر الغذائية وثاني أكسيد الكربون، تصعد من أعماق المحيط لتطفو على سطح المحيط الجنوبي.  

وسبب تزايد موجات المياة الصاعدة لا يزال غير واضح

وفي حين أن سبب تزايد موجات المياه الصاعدة لا يزال غير واضح، يبدو أن العملية، التي يرجح حدوثها في الغالب، تتجسد في تغير في "الأربعينيات المزمجرة"، وهي عبارة عن حزام من الرياح التي تهب من الشرق، وتحيط بالقارة القطبية الجنوبية. وجراء زيادة تدفق الموجات المتصاعدة في المحيط الجنوبي، ضعفت المضخة البيولوجية أثناء الهولوسين، مما سمح لمزيد من ثاني أكسيد الكربون بالتسرب من أعماق المحيط إلى الجو، وهو ما قد يفسر الارتفاع البالغ 20 جزءاً من المليون في نسبة ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو.

وفي هذا الإطار، يبيّن سيغمان أن هذه العملية من شأنها أن تسمح ببعض ثاني أكسيد الكربون المخزن في أعماق المحيط بغزو المحيط الجوي. ويوضح أستاذ علوم الجيولوجيا والجيوفيزياء قائلًا: "نحن بصدد إحداث ثقوب في غشاء المضخة البيولوجية".

والمحيط يمتص الكربون

وتجدر الإشارة إلى أن هذه العمليات بصدد الحدوث في الوقت الحاضر. فعلى سبيل المثال، يُبطئ امتصاص المحيط للكربون من تنامي ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو والناتج عن احتراق الوقود الأحفوري. كما أن الموجات المتصاعدة في المحيط الجنوبي لا تزال تسمح لبعض ثاني أكسيد الكربون بالنفاذ إلى الجو.

ويعلق دانييل سيغمان قائلاً: "إذا ما كان بالإمكان استخدام نتائج البحث في حقبة الهولوسين للتنبؤ بكيفية تغير موجات المحيط الجنوبي المتصاعدة في المستقبل، فإن هذا الأمر من شأنه أن يحسن من التنبؤ بتغيرات ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو وبالتالي التنبؤ بتغيّراته في المناخ العالمي".


واقرأ أيضاً..

الثورة الصناعية تسببت به والثورة التكنولوجية ستنقذه.. مكافحة التغير المناخي تبدأ من عندك