المجال المغناطيسي للأرض ينعكس أكثر من أي وقت مضى.. وإليك السبب

تحت أقدامنا، وفي أعماق الأرض، يولِّد الحديد السائل المجال المغناطيسي، الذي نعتبره جميعاً أمراً مسلّماً به. ولكن بين الحين والآخر، يتغير هذا المجال المغناطيسي أو يعكس قطبيه؛ أي يصبح القطب المغناطيسي الشمالي هو القطب الجنوبي والعكس بالعكس. وكان موعد حدوث هذه الانعكاسات -وأسباب حدوثها- لغزاً دائماً.

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/31 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/31 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
Earth's magnetic field, the Earth, the solar wind, the flow of particles. Element of this image is furnished by NASA

تحت أقدامنا، وفي أعماق الأرض، يولِّد الحديد السائل المجال المغناطيسي، الذي نعتبره جميعاً أمراً مسلّماً به. ولكن بين الحين والآخر، يتغير هذا المجال المغناطيسي أو يعكس قطبيه؛ أي يصبح القطب المغناطيسي الشمالي هو القطب الجنوبي والعكس بالعكس. وكان موعد حدوث هذه الانعكاسات -وأسباب حدوثها- لغزاً دائماً.

لكن شركة The Next Web الهولندية أشارت إلى أن بحثها الأخير يُظهر أن ثمة علاقةً بين المجال المغناطيسي للأرض وتلك المساحة من قاع المحيط القديم التي تنحدر من سطح الأرض إلى طبقة الوشاح -التي تحتوي على صخور لدنة منصهرة- خلال عملية تُعرف باسم الاندساس.

للأمر علاقة بالزلازل والبراكين

قد لا تعطينا هذه العلاقة فكرة عن عدد انعكاسات المجال المغناطيسي التي تحدث خلال أي فترة زمنية فحسب؛ بل تمكننا أيضاً من فهم مدى سرعة تحرك طبقة الوشاح (الطبقة الأرضية التي تقع بين القشرة واللب الخارجي).

وهذا أمر مهم؛ لأن حركة الوشاح مسؤولة في النهاية عن توليد جميع الزلازل والبراكين وتكوين السلاسل الجبلية تقريباً. وربما تكون الريش الحرارية للوشاح مسؤولة أيضاً عن انقراض عدد من الكائنات الرئيسية على كوكب الأرض. وإذا تمكننا من فهم طريقة عمل الوشاح؛ فيمكننا أن نحظى برؤية أفضل للظواهر الجيولوجية طويلة المدى التي تؤثر على جنسنا.

مقبرة لصفائح السطح

الصفائح التكتونية هي نظرية علمية تفيد بأن الغلاف الصخري للأرض (طبقة الأرض الباردة التي تشمل القشرة والوشاح العلوي) ينقسم إلى سبع صفائح كبيرة والعديد من الصفائح الأصغر. وتتكون الصفائح بفعل البراكين التي تنشط في مراكز الانتشار في أعراف منتصف المحيط. وبمجرد الوصول إلى السطح، يتحرك الغلاف الصخري الجديد بعيداً عن مراكز الانتشار ويصبح بارداً على مدى ملايين السنوات. وبمرور الوقت يصبح الغلاف الصخري أكثر كثافة، وفي النهاية يغوص الغلاف الصخري مرة أخرى داخل طبقة الوشاح في مناطق الاندساس، مثل تلك التي عُثر عليها في غرب جبال الأنديز.

وعند هذه النقطة، تختفي الصفائح من سطح الأرض، لكن علماء الزلازل يزعمون أنه يمكن التوصل إلى ألواح أبرد من الغلاف الصخري في أعماق الوشاح حتى بعد ما يصل إلى 300 مليون سنة من اختفائها من السطح. وانحدرت ألواح الغلاف الصخري آلاف الكيلومترات إلى الأسفل؛ لتحل محل كمية هائلة من صخور الوشاح الصلبة، وتكوِّن مقبرة ألواح فوق اللب الخارجي السائل الأكثر كثافة. هذا يعني أن ألواح الغلاف الصخري تنحدر بقدر 2890 كيلومتراً ومن هنا قد تؤثر على حركة الحديد السائل في اللب الداخلي.

ولكن هناك اختلاف قوي بشأن مقدار الوقت الذي تستغرقه الألواح للغوص بما يكفي للتأثير في اللب، إذ تتراوح التقديرات من نحو 50 مليون سنة إلى 250 مليون سنة.

النشاط المغناطيسي الأحفوري للنواة

صمد المجال المغناطيسي للأرض ملايين السنوات، رغم أن قطبيه انقلبا مرات عدة. ونظراً لأن المجال المغناطيسي يترك مغنطة حجرية في العديد من الصخور التي تكوّن سطح الأرض، فلدينا سجل لمدى تغيّر المجال المغناطيسي للأرض بمرور الوقت.

ونعلم أيضاً أن معدل حدوث هذه الانعكاسات تغيّر بقوة، إذ حدثت بمعدل أسرع حلال المليون سنة الماضية مقارنةً بالمئة مليون سنة السابقة. وما زال يُعد سبب تغيّر معدل انعكاس قطبية الأرض لغزاً كبيراً.

ويجري توليد المجال المغناطيسي للأرض في اللب الخارجي السائل عن طريق عملية فيزيائية تحوّل حركة السائل الموصل للكهرباء إلى طاقة كهرومغناطيسية. وتشبه هذه العملية من حيث المبدأ طريقة عمل المولد الكهربائي المُستخدم في المصباح اليدوي؛ لذلك يُعد لب الأرض حساساً للمعدل الذي يفقد به الحرارة لطبقة الوشاح الأبرد.

وعندما تصل الألواح الباردة المنحدرة إلى الوشاح السفلي، فإنها تزيد معدل تبريد اللب وبالتالي تسرِّع حركة الحديد السائل داخله. ووفقاً لنماذج عددية؛ فإن هذه الحركة الإضافية تتسبب في زيادة معدل تقلبات القطبية أيضاً. وبالتالي ربما يزداد معدل تقلبات المجال المغناطيسي عندما يحدث المزيد من الاندساس على سطح الأرض؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فإننا نتوقع قياس تأخير زمني بين الاندساس والتغيُّرات في معدل التقلبات؛ لأن الألواح يجب أن تغوص في مسافة طويلة قبل أن تؤثر على اللب. وكانت دراستنا تهدف إلى قياس مدى سرعة غوص الألواح في طبقة الوشاح الصلبة واللزجة.

ولعمل ذلك -تقول شركة The Next Web الهولندية- فحصنا سجلات كل من تدفق الاندساس (منطقة دخول الألواح الباردة إلى الوشاح) ومعدل انعكاس القطبية المغناطيسية (عدد مرات حدوث الانعكاسات). غطت بيانات تدفق الاندساس السنوات الـ 410 مليون الماضية من نموذج عالمي للصفائح التكتونية، بينما جاءت بيانات معدل التقلبات من مجموعة جديدة تعود إلى 500 مليون سنة مضت. واستخدمنا أيضاً مجموعة عالمية لأعمار حبيبات الزركون (وهو نوع من المعادن يظهر في الصخور النارية التي تتكون فوق الألواح المندسة)، التي من المحتمل أيضاً أن تتفاوت وفقاً لتدفق الاندساس.

وعندما درسنا تدفق الاندساس وبيانات معدل الانعكاس المغناطيسي وتردد عمر الزركون بالتحليل الإحصائي -تكمل الشركة الهولندية-، اكتشفنا علاقة متبادلة ترتبط بتأخير زمني في الوصول من السطح إلى اللب بنحو 120 مليون سنة؛ لذلك من المحتمل أن المجال المغناطيسي للأرض يتأثر بهذه الألواح المندسة من الغلاف الصخري.

عوامل متعددة ومربكة

هذه العلاقة ليست مثالية، وحتى إن كانت كذلك؛ فهي لا تعني بالضرورة وجود علاقة سببية، إذ قد يكون هناك عدد من العوامل المربكة المحتملة التي تؤثر في الأمر. ولكنها نتيجة مشجعة؛ لأنها تتناسب مع توقعاتنا لكيفية عمل الأرض في أعماقها وتعطينا تأخيراً زمنياً يقف في مكان ما بمنتصف التقديرات السابقة. كما أنها تقدم تنبؤاً فريداً بأنه بسبب انخفاض تدفق الاندساس على مدى السنوات الـ 120 مليون الماضية، فمن المتوقع أن ينخفض معدل انعكاس القطبية خلال الـ 120 مليون سنة المقبلة.

ويكمن التحدي الآن في معرفة مدى سرعة حركة طبقة الوشاح بالفعل. وإذا تمكنّا من فهم العمليات القديمة والعميقة المسؤولة عن الزلازل والبراكين وتكوِّن الجبال؛ فيمكننا أن نحظى برؤية أفضل للظواهر الجيولوجية التي تؤثر حياتنا اليومية.


واقرأ أيضاً..

تصيب بالاكتئاب وتُعطِّل شبكات المحمول والإنترنت.. هل شعرتَ بالعاصفة المغناطيسية التي ضربت كوكب الأرض؟

جسيم "نيوترينو" عمره مئة عام يساعد في حل لغز أشعة كونية غامضة.. تغير هائل في قواعد العلوم الفلكية!