ليس هناك مكان للشفقة.. كتاب “حكايات شاتيلا” عمل أدبي شاهد على ما جرى

تكمن قوة الرواية في تعدد وجهات النظر والأصوات بها، والتي، بدلاً من أن تجعلها مجرد حيلة ذكية من حيل ما بعد الحداثة في الرواية

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/14 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/14 الساعة 13:33 بتوقيت غرينتش

إنها رواية قصيرة مكونة من تسع قصص من وحي الخيال، أُنشئت في أعقاب ورشة للكتابة.

هذا اعتقاد غير صحيح، كتاب "حكايات شاتيلا" تجربة كتابية وإنسانية فريدة، مزيج بين الاعترافات والخبرات الفردية، والعمل الجماعي في ورشة لتسعة أشخاص، لم يسبق لأحدهم أن فكر بالكتابة.

لا يقتصر الأمر فقط على تماسك بنيتها السردية، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية، بل تكمن قوة الرواية في تعدد وجهات النظر والأصوات بها، والتي، بدلاً من أن تجعلها مجرد حيلة ذكية من حيل ما بعد الحداثة في الرواية، استطاعت أن تضفي عمقاً، وحبكةً، والأهم من ذلك كله أصالةً وموثوقيةً على القصة، وهذا أمرٌ جوهري بالنظر إلى أن هذه القصة تقع أحداثها في شاتيلا، وهو مخيم مكتظ للاجئين في بيروت.

"لا تتحدث عن المخيم إلا إذا كنت تعرفه"

هكذا تأمرنا خربشة من الكتابات الجدارية، وردت في صورة فوتوغرافية في بداية الكتاب. يعرف كُتّاب الرواية التسعة، الذين فر بعضهم من الحرب في سوريا، وولد البعض منهم في المخيم، المخيم بشكل وثيق، لتكون النتيجة هي كتاب استثنائي مذهل، من نوعية الكتب التي لها القدرة على تنوير العقول وتغيير المفاهيم.
أنشأ الصليب الأحمر مخيم شاتيلا عام 1942، لاستيعاب عدة مئات من اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً لويكيبيديا؛ تتفاوت التقديرات حول عدد قاطنيه، ولكن منذ استقباله لأولئك الفارين من الحرب في سوريا، يُعتقد أنه يأوي الآن عدداً يصل إلى 22 ألف شخص أو حتى 40 ألف شخص في كيلومتر مربع واحد.

كان المخيم مسرحاً لمجزرة وحشية في عام 1982، حيث قام مسلحون بتعذيب وقتل ما بين 700 و3500 شخص في المخيم وفي حي صبرا المجاور؛ وكما هو متوقع، تخيم ظلال تلك المذبحة على صفحات كتاب "حكايات شاتيلا".

ولا تبحث عن مأساة مختلفة: كلنا بشر

يخضع المخيم لسيطرة مختلف الفصائل الفلسطينية هذه الأيام، وخال تماماً من أي تواجدٍ للسيادة اللبنانية، أزقة المخيم الضيقة، ومساكنه ومقاهيه وأسواقه، تعمل كلها مثل طنجرة الضغط التي تسمح لأسوأ ما في الطبيعة البشرية وأفضل ما فيها بالازدهار.

تستقي الحكايات المترابطة المروية هنا الهامها من هذا العالم الفريد، فبدلاً من سردها لبعض "تجارب اللاجئين" التقليدية: تمس الرواية جوانب الحب والخيانة والغفران وتحقيق الذات التي تنصهر كلها في بوتقة المخيم، بالإضافة إلى ثقل التاريخ الذي تتحمله والثمن المبذول لأجل التغيير. عند وقوع مأساة ما، تكون صادمة وغير متوقعة للوهلة الأولى – ويسهم السرد اللماح الاستثنائي في هذه الصدمة – إلا أن الحياة تستمر، لأن عليها  أن تستمر حتى بالنسبة لأولئك المُهملين.

واعلم أن كتابة الرواية استغرق 6 أسابيع

دار نشر Peirene مقرها لندن، وهي متخصصة في الروايات المترجمة. أسستها الروائية الألمانية ميك تسيرفوجل Ziervogel، التي عملت مع جمعية "بسمة وزيتونة" اللبنانية غير الحكومية لإقامة ورشة كتابة إبداعية تستمر لمدة ثلاثة أيام في المركز الاجتماعي الذي تديره الجمعية في مخيم شاتيلا، بتمويل من حملة  Kickstarter وهي منصة للتمويل الجماعي.

اختارت تسيرفوجل مع سهير هلال تسعة مشاركين تتراوح أعمارهم بين 18 و 42 عاماً؛ وبعد انتهاء الورشة، كان أمام كل منهم ستة أسابيع من أجل تقديم مسودة مطبوعة يبلغ عدد كلماتها 4000 كلمة، وخلال تلك الأسابيع تشاورت وتواصلت المجموعة عبر برنامج WhatsApp. ثم عادت هلال وتسيرفوجل إلى المخيم للعمل مع الكُتّاب على القصص الخاصة بكل واحد منهم ومن ثم تحويلها إلى رواية متماسكة السرد، والتي تُرجمت بعد ذلك.

تلقى كل كاتب مبلغاً مقدماً من المال، وسيكون مستحقاً لنسبته الخاصة من عوائد ريع بيع الكتاب؛ كما سيتم التبرع بمبلغ 50 بنساً من ثمن كل كتاب لصالح جمعية "بسمة وزيتونة" الخيرية.

بالطبع هذه العملية أبعد ما تكون عن البساطة

كتبت تسيرفوجل في مقدمة الكتاب أنه "في اليوم الأول، وصل كل المشاركين متأخرين عن الموعد. كان لبعضهم أسباب وجيهة، لأن حياة اللاجئين قد تعتريها الفوضى، وعلى مدار فترة ورشة العمل واجه الكُتَّاب تحديات عدة، كان أبرزها المرض الناتج عن النظافة الشخصية السيئة نتيجة لازدحام المخيم وكذلك بسبب الموت المفاجئ لأحد أفراد العائلة".

لم تكن هذه مجموعة كتابة تجتمع في القاعة الرئيسية في بلدية قرية ما: بحسب تسيرفوجل "كانت الغرفة التي استخدمناها حارة مثل حمام بخار، وبالطبع لم تكن لدينا أجهزة حاسوب، لم نمتلك سوى ورق وأقلام". ومثلت قلة خبرة المشاركين مشكلة أيضاً، حيث "لم يكمل بعضهم تعليمه الأساسي إطلاقاً وقلة منهم لم يقرأوا رواية في حياتهم".

وكما هو الحال في أي مشروع من هذا القبيل، كانت هناك بعض الصياغات غير اللائقة والأوصاف الجريئة والعبارات المبتذلة والحوارات الغريبة.

لكن كل ذلك لا يهم أمام التصميم والتركيز

تكتب تسيرفوجل قائلة "هناك العديد من تقنيات الكتابة الروائية التي لم نقم بتدريسها لهم مثل صوت الراوي أو وجهات النظر ورؤية العمل أو حتى اختيار زمن الفعل. كان بإمكاني التعامل مع كل ذلك أثناء عملية التحرير".

من الواضح أنه جرى التعامل مع الكثير من هذه الأخطاء وهو ما يفتح الباب أمام النقد القائل بأن هذا الترتيب والتنقيح أفسد العفوية والأصالة في المشروع، وأفسد علينا الإحساس بالأصوات الكثيرة التي تخاطبنا مباشرة من مخيم شاتيلا.

تعترف تسيرفوجل بأنها فكرت في إلغاء المشروع في بدايته، إذ تقول "خشيت من أننا سننتج كتاباً من نوعية "اللاجئون المساكين بإمكانهم الكتابة أيضاً" لكن مع اقتراب نهاية اليوم الأول، تغير شيء ما، بداخلي وبداخل الكُتّاب. بدا عليهم التركيز والتصميم بشكل لا تخطئه العين".

أن تجد طريقة للتعبير عن حقيقة تجربتك أمر قد يغير مجرى حياتك، فما بالك لو فعلت ذلك بشكل تعاوني.
يقول بيت شعر مجهول ورد في بداية الكتاب "وفروا علينا نواياكم الحسنة وشفقتكم". ليس هناك مكان للشفقة، فكتاب حكايا من شاتيلا حقق نجاحاً باهراً من حيث المتعة التي يقدمها لقرائه، ومن حيث كونه عملاً أدبياً وشاهداً حياً على تجارب أصحابه.


هذا الموضوع قد يهمك أيضاً..

هل رأيتم عبارة Hooyah التي كتبها منقذو "أطفال الكهف" بعد انتهاء المهمة؟.. هذا ما تعنيه الكلمة التي انتشرت على الشبكات الاجتماعية