تسير وسط المعارك لتجد المحاربين يرتجفون تحت قدميها.. شاعرة سودانية هزّت العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/04 الساعة 17:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/04 الساعة 17:34 بتوقيت غرينتش

كان الغضب يتملّك امتثال محمود، عندما جلست تكتب قصيدة Mama. جدتها توفيت للتوّ في السودان، ووالدتها على متن طائرةٍ متجّهة إلى الجنازة، فشعرت أنَّ اليأس أنهكها.

تقول امتثال: "كتبتُ تلك القصيدة، خلال واحدة من أسوأ الفترات التي عشتها في حياتي. شعرتُ أنَّ جدتي نجتْ من الحرب والمجاعة، وفي النهاية لم تكمن المشكلة فقط في مرض السرطان، بل في نقص الأبحاث الطبية اللازمة. كانت فترةً مظلمة للغاية، وتلك القصيدة هي التي ساعدتني على تجاوزها".

وُلِدَت امتثال، المعروفة بـِ "إيمي"، في دارفور. وانتقلت بعدها إلى اليمن، ومنها إلى الولايات المتحدة، في سنّ الرابعة. وبعد ساعاتٍ من انتهائها كتابة قصيدة Mama، قدّمتها في البطولة العالمية الكبرى لفنون الشعر الفردية – خلال العام 2015 في واشنطن العاصمة – وفازت بالبطولة آنذاك.

تفتتح امتثال قصيدتها، المشحونة بالغضب، برجلٍ يسألها: "أختاه! أأنت من الوطن الأم؟ لاحظتُ أنَّكِ تمتلكين ميزةً خاصة، وأنا فقط معجب بما منحتكِ إياه والدتكِ".

أصبحت القصيدة أنشودة شكرٍ لوالدة امتثال، التي يمكنها أن "تمزّق أيَّ رجلٍ إلى قطعٍ من اللحم، من دون طرفة عين"، وهي القادرة أيضاً على "السير في وسط معركةٍ، لتجد المحاربين يرتجفون تحت قدميها".

وأكملت امتثال سردها للقصيدة: "لا تتحدث عن الوطن الأم إلا إذا كنتَ تعلم، أنَّ الانحدار من إفريقيا يُحيي فكرةً متخلفة في هذا البلد. ولا تتحدث عن ميزتي الخاصة، إلا إذا كنتَ تعلم أنَّها ليست سوى  ميزة تمرّدٍ وثورةٍ وصمود". وبعد أن انتهت امتثال من سردها، وقف الجمهور كنوعٍ من التحية لها، الأمر الذي منحها علامة مثالية.

ركبت امتثال الطائرة، متجهةً إلى المملكة المتحدة، وهي مفعمة بالحيوية والجاذبية. نزلتْ في منطقة برمنغهام، حيث تشارك في حوارٍ بعنوان How to do good – وهو عبارة عن مجموعة من القصص الشخصية الاستثنائية لأشخاصٍ مؤثرين حول العالم. كان لديها الكثير لتتحدث عنه، بدءاً من العمل في مخيّمات اللاجئين في اليونان (أخرجت محفظة مصنوعة من سترة نجاةٍ، أهداها إليها ولد على جزيرة لسبوس اليونانية)، وصولاً مقابلاتها مع الدالاي لاما (قال: "تشهد دارفور والسودان الكثير من الآلام". ثم أمسك بيدي قليلاً، فقلتُ له: "أنا أعمل على تخفيف ذلك الألم، ونحن معك جميعاً").

كانت امتثال، أو إيمي، تسبق سنّها. فهي كانت قد بلغت الـ 22، بعد فترةٍ قصيرة من فوزها بمسابقة الشعر، وكانت تلك نقطة تحوّلٍ، لتصبح حياتها بعد ذلك سرّياليةً نوعاً ما.

كانت لا تزال طالبةً في جامعة ييل في الولايات المتحدة، حيثُ تدرس علم الأحياء الجزيئية والخلوية والتنموية وعلم الإنسان، ووقع الاختيار عليها لتكون واحدة من ضمن أكثر 100 امرأة ملهمة في العام 2015، ضمن البرنامج الذي تُطلقه هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وكتبت قصيدة The Things She Told Me بمناسبة اختيارها.

وأثناء فترة اختباراتها بالجامعة، دعتها الأكاديمية الأميركية للعلوم والفنون لتتحدث في مؤتمرٍ عن الأخلاقيات النووية. وقالت عن ذلك: "كان الأمرُ مرعباً. ظننتُ أنَّهم سيستغلونني وسيجعلون منّي نموذجاً". لكن أخبرها أحد أساتذتها: "سيأتي كل شخصٍ إلى المؤتمر بأجندةٍ خاصة به، إحرصي على أن تقولي هناك ما تؤمنين به حقاً".

ذهبتْ امتثال إلى المؤتمر، وكانت تُصغي جيداً لما يُقال. فألقتْ خطاباً تخلّله الكثير من الشعر دام لما يقارب الساعة، أعطته صبغةً إنسانية، عندما أشارت إلى أزمة اللاجئين والأعمال الوحشية في دارفور. ومنذ ذلك الحين، شاركت في مباحثاتٍ في البيت الأبيض، بعضها مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وأثناء فعاليةٍ بالأمم المتحدة، افتتحت خطاب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون؛ كما تحدثت في مدينة نيودلهي، خلال إطلاق حملة دعم 100 مليون طفل إلى جانب كايلاش ساتيارثي، الحاصل على جائزة نوبل للسلام. ودائماً ما تكون هي الأصغر سناً في غرف المؤتمرات.

نشرت مؤخراً مجموعتها الشعرية الأولى Sister's Entrance. تنتقل في تلك المجموعة من قصائد الحب الشخصية وتجربتها، كفتاة سوداء مسلمة في الولايات المتحدة، إلى السياسة. وتنبع قصيدتها Head Over Heels من سؤالٍ وُجِّهَ إليها، خلال أول اجتماع لها في الجمعية العامة للأمم المتحدة: "ألديكِ تعليق على المليون لاجئ الذي غادر السودان لتوه"؟

وكتبت في القصيدة: "ما كان وطننا في يومٍ من الأيام، بغَربه وجنوبه وشماله وشرقه. ضاق ذرعاً بنا. نهر النيل لم يعد يسعنا. وتريدني أن ألخّص لك الأمر"؟

نبرةٌ حادة كانت تعتري نبرتها، وقالت: "كتبتُ تلك القصيدة بعدما أثار السؤال غضبي".

تقول امثال إن شِعرها يعبّر عن المشاعر الحقيقية خلف العناوين. وتُتابع: "الأمر صعبٌ في عالمنا. العنف في كلّ مكانٍ حولك، تتحوّل إلى شخصٍ بلا مشاعر، تجاه ما يحدث. ما أحاول فعله هو تغيير النهج الذي نتعامل به، أن نشعر مجدداً بما يدور حولنا، وندرك أنَّ الوضع مخيف ومؤلم، ولا بأس أن نذرف الدموع".

منذ أن تخرجت إيمي من الجامعة، سافرت إلى السودان مراراً وتكراراً. كانت تقيم صالات شعرية في المدينة مع المحليين، من أجل مشاركة الأفكار في مكانٍ آمن. وفي بداية هذا العام، سارت من دارفور إلى الخرطوم لمدة 30 يوماً، في حملة لزيادة التوعية من أجل السلام، ألّفت من أجلها قصيدة One Girl Walk. انضمَّ إلى مسيرتها الآلاف، وكانوا أحياناً يسيرون وسط الدبابات. كانت تشعر بالخوف. لكنَّها، وعلى الرغم من ذلك، ألقت قصيدتها على الناس.

تقول: "كان يتلقى والدايّ تهديداتٍ بالقتل كل يوم أثناء مسيرتي. كنا نخضع للمراقبة باستمرار.

ستعود امتثال إلى السودان في شهر يوليو/تموز الجاري. لديها خطط كبيرة ترمي إلى تكوين مزيدٍ من المجموعات، وورش العمل في جميع أنحاء البلاد. وهي تتطوَّع بتنظيمها، وتدخر الأموال التي تجنيها – نتيجة حضور الأحداث – وتنفقها على هذا النوع من الأعمال التي لا تحصد التمويل".

تكتب امتثال لتعبر عن مشاعرها، وتُلقي قصائدها أمام العالم، وتتحدث بطلاقة لأنَّها وجدت لنفسها – بطريقةٍ ما – منصّةً للتعبير. وتقول: "تساؤلات كثيرة تُطرح حول من هم مثلي. الشباب، وذوو البشرة السمراء، والمسلمون، والنساء. والهدف من جرّاء إلقائي الشِعر هو الإجابة على تلك الأسئلة، لأكون صوتاً، لم أملكه خلال نشأتي".

علامات:
تحميل المزيد