هناك رجل عاش منذ 23 قرناً، لديه ما يستحق أن يقرأ حول كيفية إيجاد السعادة، وسيفاجئك إلى أي درجة مازالت نصائحه صالحة لعصرنا.
تقول البروفسيرة إديث هول: "كان أرسطو أول وأفضل من تحدث عن السعي لتحقيق السعادة. لذا، لماذا لا نعود للمصدر، لأرسطو العقل المبتكر الذي فهم السعادة؟"، وتضيف قائلة: "أعتقد أننا قد نجد الراحة في الأفكار التي حملها البشر لآلاف السنين".
يقدم كتابها "طريق أرسطو" وعْداً بأن يعلِّمك "كيف للحكمة القديمة أن تغيِّر حياتك"، وبالتحديد، كيف تصل لحالة مستمرة من الشعور بما أطلق عليه القدماء لفظ eudaimonia أو ما نعرفه بالسعادة والرضا والقناعة، حسب تقرير صحيفة The Guardian البريطانية.
تشير هول إلى أنه وفقاً لأرسطو، "فإن الهدف الأساسي لحياة الإنسان هو السعادة، التي تعني العثور على هدف يُمكّنك من استخدام قدراتك وإدراكها والعمل على تحسين سلوكك لتصبح أفضل نسخة من نفسك".
إنها نسخة قديمة من ذلك الملصق الذي كُتب عليه "اعمل بجد وكن لطيفاً مع الناس"، لكن بخط أقل عصريةً، حسب وصف إديث هول، التي بدأت حياتها أستاذة للأدب اليوناني القديم، لكنها أصبحت مهتمة بكل جوانب الحياة، والفكر الإنساني والفلسفي للحضارة اليونانية.
هنا خطة أرسطو للسعادة كما تشرحها هول.
البداية هي الوصول إلى قرار بأن تكون سعيدا
يستحسن أرسطو الأكل والشرب والجنس لكن باعتدال؛ إذ إنه من كبار مؤيدي الاعتدال والتوسط؛ ويؤمن بأن الراحة والرفاهية أكثر أهمية من العمل؛ وأننا نمتلك جميعاً الإبداع، ولا نبلغ ذروته حتى نصل إلى عمر الـ49.
يبدو أن هذا سيثير إعجاب الكثيرين!
إلا أن أبرز ادعاء له على الإطلاق، هو أن بوسع كل الناس تحقيق السعادة.. عليك فقط "أن تقرر أن تصبح سعيداً". أمر بسيط، أليس كذلك!
توضح هول أنه "بحسب أرسطو، فإن السعادة ليست حالة، إنما فاعلية ونشاط"، وتضيف: "يجب عليك أن تقوم بها، وهو ما يعني أن عليك أن تحاول بلوغها في كل مواجهة وفي كل يوم من أيام حياتك وفي كل قرار تتخذه، عليك أن تحاول ممارسة السعادة بإدراكٍ وتركيز حتى تصبح عادة".
ثم عليك أن تضع خطة شخصية للسعادة
توضح هول أن "السعادة، ككل شيء في الحياة، تستلزم قليلاً من التخطيط"؛ إذ قال أفلاطون، معلّم أرسطو، إن حياةً غير مدروسة هي حياة لا تستحق العيش.
ويرى أرسطو ذاته أن حياة دون تخطيط من المرجح أن تمسي أقل سعادةً. إنه "التخطيط ولا شيء سوى التخطيط".
مع كل هذه النصائح التي تهدف إلى مساعدتك على أن تصبح النسخة الأفضل من نفسك، تضع هول عينيها على سوق المساعدة الذاتية الحديث، بالتوازي مع رسوخها في العالم الكلاسيكي.
ستتوقع غالباً أن تجد صورة لأرسطو بردائه الأبيض، التوجة الرومانية، مع ابتسامة على شريحة من خبز الأفوكادو؛ إذ لا يبدو حديثه عن "الأخلاق الفاضلة" مسلياً.
ومن ثم، تبثُّ هول في تعاليمه القديمة أنفاساً عصرية؛ لتناسِب قراء القرن الـ21، وهو ما تعترف هول بصعوبته، وتتنقل بين القرون، وعبر الحدود الثقافية، مستعينة بالجميع، بدءاً من فيليب المقدوني وحتى فاريل ويليامز مغني أغنية Happy، في مزيج خادع بين الكلاسيكي والهزلي.
إسأل نفسك: لماذا لا تكتفي بالسعي لمصلحتك الذاتية فقط؟
تستمتع هول بوقتها خارج الأبراج العاجية، "أستمتع حالياً بتعاملي مع أرسطو وكأنني الخالة حلّالة المشاكل، أي الصحفية المسؤولة عن الرد على مشكلات بريد القراء".
تخلّت هول -وهي ابنة لكاهن إنجيلي- عن إيمانها وهي بعمر الـ13، وقضت ما تبقى من مراهقتها تائهة في البرارٍي الأخلاقية. عندما كنا نحن نجرّب التدخين والماسكارا الزرقاء، كانت هول غارقة في علم التنجيم والبوذية والتأمل السامي؛ في محاولة منها للإجابة عن سؤالها الأساسي: لماذا عليَّ أن أكون جيدة؟
"فإن لم تؤمن بإله له تدخُّل في الحياة أو بالحياة بعد الموت، فليس هناك أي سبب منطقي على الإطلاق لتكون فاضلاً. لماذا لا تكتفي بالسعي لمصلحتك الذاتية فقط؟".
بعد ذلك، اكتشفت أرسطو، في أثناء دراستها بأوكسفورد، "قررت أن هذه كانت طريقة بديهية رائعة لمحاولة تنظيم حياتك. لقد ذُهلت! وكأنها لحظة إدراك كامل للحقيقة؛ لذا بدأت تنفيذها كما وردت".
لا تثق في تقلبات ما قبل الخامسة والثلاثين
التخطيط والاعتدال ليسا من الصفات التي ترتبط بالطلاب في المعتاد، وتعترف هول بأن الأمر كان مخادعاً وصعبًا في البدء. "إنَّ تحمُّل المسؤولية الكاملة هو نضج بالغ".
يُعتبر أرسطو في هذه النقطة متسامحاً؛ إذ يرى أن الإنسان غير قادر على التفكير المتسق والعقلاني قبل أن يُتم عامه الـ25، وهو أمر تدعمه الآن الأبحاث كما تشير هول.
وتطلَّب الأمر من هول حتى منتصف الثلاثينيات لتدرك أنها إن أرادت أن تحقق أمانيها بالأمومة فإنها تحتاج أن تتوقف عن مواعدة "المتلوِّنين الوسيمين والمحتالين الأخلاقيين". لديها الآن طفلتان؛ واحدة منهما تحب التاريخ، وهي من رافقتها في رحلة إلى اليونان لتتبع خطى بطلها.
وتعلم أن حسن معاملة الآخرين مصدر للشعور الجيد تجاه نفسك
إذاً، ماذا يعني القيام بالسعادة في الواقع؟ تقول هول إن معاملة الآخرين بلطف "ليست فقط مصلحةً ذاتيةً مستنيرةً". وتضيف: "إنها منبع جوهري للشعور الجيد تجاه ذاتك والذي يمدك بالفعل بمشاعر الرضا".
وتتضمن الأمثلة التي ذكرتها هول، التأكد من الابتسام دائماً لأطفالها "بغض النظر عن مدى تعبها، وبغض النظر عن مدى انزعاجها"، أو أن تعيد محفظة أو أي شيء مفقود إلى قسم الشرطة "عندما يكون هناك إغراء بأن تضع هذا الشيء في جيبك… قد يؤلمك قليلاً القيام بالسعادة، لكن ينبغي لك دفع نفسك للقيام بالأمر".
إذا كانت فكرة عدم تسليم المحفظة تصيبك بالتوتر، مثلي، أو تميل عادة للاعتذار 5 مرات عندما يصطدم بك شخص آخر، فقد تكون ممن أطلق عليه أرسطو اسم "أخلاقي فاضل بالفطرة".
وأن الامتناع عن الغضب يعني قلة احترامك لذاتك
تتهكم هول بعض الشيء بقولها: "أحسنت!". يمكنك أن تكون شديد اللطف بما لا يمكنك من أن تصبح شخصاً منتمياً إلى النهج الأرسطي بحق، على سبيل المثال، فإن الافتقار إلى الغضب مشكلة، تحديداً لدى النساء. "الافتقار إلى الغضب يعني قلة احترامك ذاتك، ما يعني أنك ستسمح للآخرين بمعاملتك بدونيةٍ ولن تعتني بنفسك.هذا ليس جيداً. لا تستطيع أن تصبح شخصاً أخلاقياً بالكامل في الحقيقة". يا للعجب!
تؤمن هول بأن أحد مباهج فلسفة أرسطو هو أنها تنجح أياً كان عمرك. لكنها إنجيلية -تصف نفسها بأنها مبشرة علمانية- عند الحاجة إلى تقديم التوجيه الأخلاقي إلى الشباب، حول هذه الأشياء اليومية الجوهرية التي لا تتعلمها في المدرسة، مثل "اتخاذ قرار، والتواصل الواضح، وكيفية استغلال وقت الفراغ واختيار شريكك وأصدقائك، والوقت المناسب للتخلي عن بعض الأصدقاء".
لو بدا كل هذا مثل ما تطلبه منك أمك دائماً: ابتسم، أنجز فروضك المنزلية، كل شيء باعتدال، وخلافه.
هنا تكمن المشكلة: تعتقد هول أنه على الرغم من أن أهلنا أحاطونا بالحب، فإننا لم نحظَ بتربية جيدة: نحن نخرب صغارنا عن طريق عدم تدريبهم على مهارات اتخاذ القرار بشكل كافٍ.
لذا يحتوي كتابها على نصائح عملية مثل كيفية كتابة طلب توظيف لائق وأيضاً متى تتخلص من رفيقك.
ثم احفظ نصائح أرسطو الثلاث، أولاها "اعرف نقائصك"
ما هي نصائحها الثلاث الأهم للتواصل مع أرسطو الذي بداخلك؟ النصيحة الأولى "كن صادقاً، اعرف رذائلك". تقدم هول نسخة ملائمة من خزانة أرسطو للصفات الشخصية، نوعاً من اختبارات الشخصية.
تعترف إديث هول بأسوأ نقائصها والتي تتمثل في النزعة الانتقامية. وتبتسم بخطورة بينما تقول: "أفضل الانتقام ممن آذوني أو آذوا مَن أُحب، أستمتع بذلك". أما الآن، كتلميذة أرسطية مستنيرة، فإنها لا تلجأ إلى الانتقام إلا "عندما يكون ذلك مناسباً".
والثانية نظم علاقتك مع أصدقائك بطريقة العقود
النصيحة الثانية: "راجع كل علاقاتك"، التي يجب أن تُبنى جميعها -وفقاً لأرسطو- على "ثقة متبادلة كاملة".
كان لدى أرسطو نظام للتعامل مع الأصدقاء والأقارب الذين لا يحققون هذا المعيار.. سترتبهم طبقاً لتصنيف أرسطو إلى فئات "أساسيين" أو "للمتعة" أو "للمنفعة" (تضرب هول مثالاً باثنين من دائرة معارفها، اللذين "تقابلهما لتناول الغداء في بعض الأحيان"). قد يبدو التصنيف الأخير كشيء تشتريه وتجمعه من إيكيا، لكنها تشمل معظم صداقاتنا.
ترى هول أن كل العلاقات عبارة عن عقود، بداية من زوجك إلى المجتمع كله. ماذا إن خانك شريكك؟ تقول هول: "سأعطيه فرصة أخرى دائماً".
فيما يتعلق بالزنا، "يتحدث أرسطو دائماً عن مشكلة الإعجاب بزوجة جارك". إلا أن إيمانه بأنك لو أسأت استغلال الثقة الزوجية "فإنك تفسد أسس المجتمع"، ساعدها على أن تصبح "تصبح فتاة جيدة".
والأخيرة تعامل مع حياتك كأنك كاتب سيرة
ماذا عن النصيحة الثالثة؟ تقول هول مؤكدةً: "فكّر في موتك. انظر إلى النهاية". وتتابع: "لأن هذا يدفعك للتقدم . إنه كالتفكير في حياتك مثل كاتب سيرة بينما تعيشها بالفعل، وكأن حياتك نوع من الفن والأدب".
وعلى الرغم من إغراء فكرة قدرتنا على اختيار السعادة، فإنها تنتمي إلى مدرسة علم النفس التي ترى أن "الأمر كله في عقلك، ارفع رأسك واستعد". لا نستطيع لوم أرسطو بقسوة على كونه عتيقاً بعض الشيء (لقد كان مراوغاً في حديثه عن النساء والعبيد، وهو ما تعذره هول فيه؛ لاقتناعها بانفتاحه الدائم على تغيير رأيه).
إلا أنّ تحمّل مسؤولية سعادتك ليس ملائماً لمرضى الاكتئاب أو الذين فقدوا أعزاءهم مؤخراً. تُقر هول بصعوبة إيجاد البهجة عقب مأساة مروعة، إلا أنها لا تتفق مع استحالته.
وفي النهاية، تقول بابتهاجٍ إن الحياة قاتمة بالفعل، "نحن جالسون في غرفة انتظار. يتوقف الأمر على قرارنا بأن نقضي الانتظار محاولين أن نحظى بوقت جميل بعضنا مع بعض".