هشام بن هود.. فنان مغربي أراد أن يهتم الأطفال بالتصوير فالتقط لهم صوراً “غريبة”

في عام 1968، وُلد المصور الفوتوغرافي المغربي هشام بن هود، لعل بعضنا لا يعرفه او لم يشاهد صوره من قبلُ، لكن الأكيد أن مُشاهدة أي من صوره الفوتوغرافية ستلفت انتباهنا؛ بسبب أفكارها الخارجة عن المألوف.

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/14 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/14 الساعة 20:20 بتوقيت غرينتش

في عام 1968، وُلد المصور الفوتوغرافي المغربي هشام بن هود، لعل بعضنا لا يعرفه او لم يشاهد صوره من قبلُ، لكن الأكيد أن مُشاهدة أي من صوره الفوتوغرافية ستلفت انتباهنا؛ بسبب أفكارها الخارجة عن المألوف.

أكثر صوره "الغريبة" هي تلك الصورة باللونين الأبيض والأسود لطفل وضع يده وقدميه في ورق مقوى، وخلفه مجموعة من الأطفال وكأنهم في صف مدرسي.

حقيقة هذه الصورة أنها كانت ضمن مجموعة من الصور التي حاول بها هشام تنشيط حصصه الفنية لطلاب المدرسة التي كان يعمل بها، وجعل وقت الحصة أقل مللاً وتحبيب الأطفال فيها.

هنا نأخذكم في جولة مع بن هود يتحدث فيها عن بدايته كمصور، وانتقاله من معلّم لمادة الرسم 'لى أحد أشهر المصورين المغارب.

على مدار 13 عاماً، عملتُ مدرّساً للفنون في مراكش، وكنتُ مضطلعاً بتدريس الأطفال الذي تتراوح أعمارهم بين 11 و15 عاماً، مما ولَّد داخلي شعوراً بالملل الشديد.

وفي كل يوم عمل أعيش الروتين ذاته، حيث يقضي المدرس الدقائق الـ10 الأولى من الحصة، التي تدوم ساعة، في شرح المهام المطلوبة من التلاميذ، ثم يكتفي بالجلوس إلى مكتبه 45 دقيقة، مُشاهِداً إياهم بصدد القيام بما أُوكل إليهم من عمل عن طريق التلوين والرسم. ويستمر هذا الروتين الممل من الساعة الثامنة صباحا إلى حدود السادسة مساءً بشكل يومي.

بعد مضي نحو 4 سنوات، بدأت برسم بعض اللوحات داخل الفصل. في البداية، كنت مهووساً بالرسم شديد الواقعية، واتخذت طلابي الذين كانوا متموضعين أمامي مادة للرسم.

شرعت في التقاط صور فوتوغرافية على شاكلة صور جواز السفر لوجوههم، ثم أقوم بنسخها. وفي غضون بضعة أشهر، أصبح الناس يعتقدون أن رسوماتي عبارة عن صور فوتوغرافية.

وانتقلت بعد ذلك إلى تلوين الصور الفوتوغرافية ورسم اللوحات الزيتية، قبل أن أدرك أن الصور الفوتوغرافية تعتبر أكثر إثارة للاهتمام.

كنت ألاحظ أشياء داخل الغرفة المظلمة لم أكن لألاحظها من خلال عدسة الكاميرا، حيث لم أكن أركز على الطالب الذي يجلس خلف زميله الذي أقوم بتصويره، أو الشخص الذي يحمل الورقة في الخلفية ويشيح بنظره بعيداً.

لذلك، باشرت في تضمين المزيد من الأطفال في الصور. ونظراً إلى أننا كنا داخل غرفة لتدريس الفنون، أوجدت المواد التي كان يجب عليَّ تسليمها للتلاميذ، على غرار الورق والقماش والشريط اللاصق، موقِّعاً لها داخل الصور.

كنت أعمد إلى التخطيط لما أريد تصويره، ثم ألتقط عدة نسخ من كل صورة خططت لها، مع الحرص على تغيير الطلاب في كل صورة. وفي بعض الأحيان، كنت أحتاج إلى جلب أشياء من الخارج، مثل قبعة صوفية كنت قد طلبت من صديقة أن تحيكها، أو زوج من السراويل، كنت قد طلبت منها أن تطيل أحد رجليه.

في خضم التخطيط لهذه الصورة، أضفت أقداماً مصنوعة من الورق المقوى، ثم أضفت عدة أذرع مصنوعة من المادة ذاتها. ولم يستطع الطفل الذي طلبت منه وضع الأقدام الورقية ارتداءها دون نزع حذائه، فتركت زوجَي حذائه في المكان الذي وضعهما فيه بالتحديد. ولطالما ذكّرني الأطفال بوالدي، الذي كان رجلاً كسولاً بدوره، حيث لا يعلّق بدلته عقب نزعه إياها وتغييرها ببدلته الرياضية، ليتركها ملقاةً على الأرض.

ترمي هذه الصور وأيام العمل التي قضيتها في التدريس بشكل عام، إلى تصوير حقيقة أن المجتمع المغربي عالقٌ في الماضي، مجتمع في حالة جمود ولكنه غير مستقر أيضاً. يمكن القول إن هذا المجتمع فاقد للتوازن.

وبالعودة للصور، نجد في بعضها مشهداً لطالب يتدلى من السقف، أو يجلس إلى مكتب مائل نحو اتجاه واحد. وفي بعض الأحيان، يجلس الطلبة على مكاتب يتم وضعها فوق طاولات أخرى.

بعد مرور 15 عاماً، تغير المجتمع المغربي كثيراً، لكنه لم يتطور بالأساس، فما زلت ترى العديد من الأشخاص يقودون سياراتهم في الاتجاه الخاطئ على الطريق السريع ولا يتوقفون عند الإشارة الحمراء.

كما لا يتوانى الأشخاص عن رمي الأوساخ من نوافذ سياراتهم، في حين لا تزال هناك عربات تقودها الحمير وسط الطريق. وفي حين أنه قد وقع فرض قوانين على الجميع، فإنهم يفعلون ما يحلو لهم. لقد انقلب العالم رأساً على عقب، لقد أصبح عالَماً غريباً.

إذا شعرت بالملل، فسيشعر طلابي بذلك أيضاً. وقد كنت مجبَراً على أن أتبع المنهج الدراسي في الصف، لكنه كان مكرراً وبلا فائدة تُذكَر.

ومن ثم، كان أي موضوع خارج عن المألوف مثيراً بالنسبة لهم. بمجرد أن أخرج الكاميرا، كانت وجوههم تشع فرحاً، ويشرعون في التساؤل: "ما الذي سيطلبه منا يا ترى؟". كنت أفهم ما يدور بخلدهم بمجرد أن ينظروا إليّ، لقد كنا نفهم بعضنا البعض.

 

  

لم أكن أقدم لهم أي توجيهات فيما يتعلق بتعابير الوجه، كل ما كنت أفعله هو تشغيل الكاميرا وإخبارهم بطريقة التموضع الأنسب. وكنت أكتشف من تعابير وجههم ما إذا كانوا يبتسمون أو يبدون جديِّين للغاية، خلال عملية استخراج الصور.

لكنني للأسف، لم أتمكن من جعلهم أكثر اهتماماً بالفن، فقد كانوا غير مبالين ألبتة. ولم تؤدِّ هذه الجلسات قَط إلى أي مناقشات. وفي حين كنت أحرص على جعلهم أكثر نشاطاً، من خلال إخبارهم عن الأعمال الفنية للرسام هنري ماتيس، وعن أسلوبه وعن طفولته الحساسة، كانوا يستمعون لي بانتباه، ولكن دون أي مؤشر على الفضول والرغبة في معرفة المزيد.

في أحد الأيام، قدمت لاثنين من طلابي نسخاً من صورة التقطتها لهما، لكنهما سرعان ما وضعاها في دفتر ملاحظاتهما وسألاني عما إذا كان بإمكانهما المغادرة. فكرت قليلاً، وأنا أتساءل عما إذا كانا لم يدركا أنهما كانا في الصورة. لذلك سألتهما عن رأيهما فيها، ليخبراني بأنهما لا يظنان أنها جميلة، باعتبار أن الصورة الجيدة بالنسبة لهما هي التي تبدو فيها مبتسماً.

لا أتذكر أياً من أسمائهم، فقد كنت أدرس نحو 460 طالباً خلال الأسبوع، ولكنني التقيت طالبَين ما زالا يتذكرانني. عندما كنت في باريس، وخلال انتظاري عبور الطريق، لاحظت أن فتاة من شمال إفريقيا تقف على الجانب الآخر من الشارع تحدق في. وعندما مررنا جنباً إلى جنب، توقفت لتسألني عما إذا كنت السيد بن هود. وقد أجبتها قائلاً: "دعينا نبتعد عن الطريق أولاً". تحدثنا فترة من الوقت، حيث أخبرتني: "لقد كنت معلِّمي، لقد التقطت صوراً لي في تلك الحصص". لقد أصبحت طالبتي راشدة الآن، ولم تعد مراهقة.

علامات:
تحميل المزيد