تموت واقفة وفي صمت.. أشهر أشجار أفريقيا تتعرَّض للموت تحت هجمات الأفيال والفطريات

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/14 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/14 الساعة 20:19 بتوقيت غرينتش

لا تنس العين "شجرة التبلدي" بشكلها الفريد، حتى لو رأتها مرة واحدة، فهي تعرف عن حق بـ"شجرة الحياة"، فبداخلها يمكن أن تنشأ حياة بشرية كاملة.

وتنتشر هذه الشجرة في مناطق السافانا في إفريقيا ومدغشقر وأستراليا، وتتميَّز بجذعها السميك والعريض وأغصانها المرتفعة عن الأرض. شجرة التبلدي المسماة "صن لاند"، أو الباؤوباب أو شجرة القارورة أو الشجرة المقلوبة أو شجرة خبز القرود (الاسم العلمي:Adansonia) يتجاوز عمرها ألف عام. 

وتستطيع هذه الأشجار أن تنمو لآلاف السنين، وتشكِّل تجاويف بداخلها تكون كبيرة جداً لدرجة أن واحدةً من أشجار التبلدي في جنوب إفريقيا تحتوي على حانة بداخلها.

لكن تلك الشجرة تحديداً، وهي على ما يبدو أكبر هذا النوع من الأشجار في إفريقيا، سقطت في العام الماضي 2017.

وفي العام الأسبق 2016، انهارت شجرة تبلدي أخرى، وهي شجرة شابمان الموجودة في بوتسوانا، حسب ما ورد في تقرير صحيفة The Washington Post الأميركية.

إنها ملهمة للتاريخ والثقافة وحتى الغذاء والآن بات الموت يترصد أكبرها وأقدمها

"حدث ذو حجم لم يسبق له مثيل"، هذا ما تشير إليه دراسةٌ علمية جديدة تحذر من حدوث شيء خطير لأكبر وأقدم أشجار التبلدي حول العالم.

وتوصَّلَت الدراسة البحثية، التي أجراها أدريان باتروت، أستاذ الكيمياء غير العضوية والإشعاعية في جامعة بابس بولياي الرومانية، ومجموعة دولية من زملائه، إلى أن الأعوام الاثني عشر الماضية شهدت موت "9 من أقدم 13 شجرة تبلدي و5 من أكبر 6 أشجار تبلدي، أو على الأقل انهيار وموت أجزائها أو جذوعها الأقدم".

تبدو تلك خسارة كبيرة إذا وضعنا في الاعتبار التاريخ والثقافة المرتبطين بهذه الأشجار، التي تشكِّل أيضاً مصدراً رئيسياً للغذاء الذي يعتمد عليه الناس. ويقول باتروت إن شجرة التبلدي "مشهورةٌ لأنها أكبر كاسيات البذور، وهي الشجرة الأشهر في إفريقيا".

طريقة نموها فريدة، فأخشابها الأكبر سناً تتحرك إلى الخارج

ينحدر زملاء باتروت في هذه الدراسة من مؤسسات في جنوب إفريقيا والولايات المتحدة، وقد نُشِرَت الدراسة في الدورية العلمية Nature Plants يوم الإثنين 11 يونيو/حزيران 2018.

وقام هؤلاء الخبراء بإجراء مسح على الأشجار منذ عام 2005 ووضعوا نظريةً حول طريقة نموها، فيما وثَّقوا الخسائر أيضاً.

ويكمن الجدال بشأن المشكلة في أن أكبر أشجار التبلدي تنسج مجتمعة جذوع أشجار مُتعدِّدة حول "تجويف زائف" صغير، وهو ما يمنحها بنيتها الفريدة. ويمكن أن تنمو هذه الجذوع أيضاً سوياً.

ويؤدي هذا إلى سمة غريبة تستطيع فيها الأخشاب، التي تتحرَّك متجهةً إلى خارج مركز التجويف، أن تصير أكبر سناً لبعض الوقت، بدلاً من أن تصير أصغر سناً، حسب المُتوقَّع في المعتاد.

وقال باتروت، الذي أرَّخَ أجزاءً مختلفةً من الأشجار باستخدام طرق تأريخ تعتمد على الكربون المشع، إن "هذه سمةٌ فريدة في أشجار التبلدي الإفريقية وجميع أشجار التبلدي".

وبعد أن تغلبت على هجمات الأفيال حدث مفجع يهزمها

إلا أن خبيراً آخر مُتخصِّصاً في هذه الأشجار لم يكن مُقتنِعاً كلياً بالنظرية التي تدور حول طريقة نموها.

ففي رسالة بريد إلكتروني، قال ديفيد باوم، وهو عالم نباتات بجامعة ويسكونسن الأميركية على درايةٍ بالدراسة الجديدة وأسهم في منشور لمنظمة Biodiversity International يفهرس صفات الأشجار:

"تقريباً كل أشجار التبلدي في جنوب إفريقيا مغطاة بالجروح الملتئمة التي تُحدِثها هجمات الأفيال، وهو ما يعبر عن قدرة الترميم المذهلة التي لدى الأشجار.

عندما تتعرَّض شجرةٌ لضررٍ وتُشكِّل تجويفاً، يستطيع اللحاء أن ينمو إلى داخل التجاويف ويبدأ في النهاية في تشكيل أخشاب جديدة تملأ الفجوة. يمكن أن يؤدي مثل هذا النمو الترميمي إلى تسلسل عمري معكوس حيث تكبر أعمار الأخشاب في البداية كلما انتقلنا من التجويف نحو البنية الخارجية للشجرة".

لكن باوم لا يعترض على أن أشجار التبلدي تموت -وهو شيء يصفه بـ"المُفجِع".

فقد أورد أيضاً في رسالته: "كانت كلُّ شجرةٍ من هؤلاء فريدةً وخاصة. لقد شهدت تاريخاً أكثر مما يمكننا أن نتخيَّل".

الأشجار الأضخم هي الأكثر قيمة، حسب باتروت، الذي يعتقد أن نوعاً من التغيُّر المناخي ضالعٌ في الأمر، بالرغم من أن الدراسة نفسها تقول إن "مزيداً من الأبحاث ضرورية لدعم هذه الفرضية أو دحضها".

ويوضح قائلاً: "الأشجار الأضخم تحتاج إلى مزيدٍ من المياه والغذاء أكثر من الأشجار الأصغر، ولذلك هي أكثر تأثُّراً بزيادة درجات الحرارة والجفاف".

ولكن هل حقاً الفطريات هي المتهم وليس التغير المناخي؟

من الواضح أن شيئاً ما يجري بطريقة انتقائية تؤثر على الأشجار الأكبر والأقدم، هكذا كتب توماس لوفغوي، في رسالة بريد إلكتروني تعليقاً على الدراسة.

ويشير العلماء عادة إلى معدلات موت أشجار التبلدي الأخرى، ولكنهم لا يحملون بيانات حقيقية حولها".

وأردف لوفغوي قائلاً: "أعتقد أن السبب في المناخ، لكنهم لا يقدمون في الواقع أي دليل حول كيفية تغير المناخ في أماكن نمو هذه الأشجار القديمة".

ولكن في زيمبابوي، تشير تقارير إلى أن موت التبلدي يصاحبه ما يبدو أنه نوع من الفطريات التي تغيّر لون الأشجار إلى الأسود قبل أن تموت.

لكن دراسة باتروت، التي تجري مسحاً موسَّعاً على أشجار التبلدي، تؤكِّد على أن الأشجار الأقدم على وجه الخصوص، لم يكن موتها "بسبب وباء".

ويقول باتروت إن الموت "تغيرٌ مهمٌ في النظام البيئي، وهو يحدث من أجل سلامة التنوُّع البيئي".