أجريت على 100 ألف عيّنة.. دراسة ضخمة تؤكد خطأ إحدى نظريات أينشتاين

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/01 الساعة 07:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/01 الساعة 07:21 بتوقيت غرينتش

أثبتت تجربة فيزيائية جديدة وجود عوامل خفية ومبهمة، تتواصل من خلالها بعض الجسيمات بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وهي الظاهرة الغريبة التي كرهها أينشتاين؛ لأنها تتناقض مع طرحه "الواقعية المحلية".
التجربة الضخمة أُجريت على 100 ألف عينة، لتؤكد نتائج ما يُعرف باختبار "بيغ بيل". وهو نظام وضعه عالم الفيزياء الإيرلندي جون ستيوارت بيل، سنة 1946، دحض من خلاله رؤية عالم الفيزياء الألماني ألبرت أينشتاين، للعالم.
في الواقع، يتميز عالَم فيزياء الكم بقدر من الغرابة؛ لأنه يتناقض مع التجارب اليومية. على سبيل المثال، من الصعب تخيل أن الإلكترون أو الفوتون جزيئات مادية وموجات في آن واحد، الأمر الذي أثبتته الكثير من التجارب، من خلال ما يصفه العلماء بالثنائية بين الموجات والجزيئات.
ولكن، يصعب علينا استيعاب أن نتائج العديد من التجارب الكمومية الميكانيكية مرتبطة بوجود مراقب من عدمه.
في حال طبَّقنا ذلك على واقعنا، فإن ذلك يعني -على سبيل المثال- أننا لا يمكن أن نقر بأن شجرة سقطت في غابة تُصدر ضجيجاً ما، لم يسمع أي شخص صوتها، أو أن القمر لا يوجد إذا لم ينظر أحد إلى سماء الليل.
وهنا، يطرح سؤال نفسه: هل الأمر يتعلق بالفيزياء أو الفلسفة أو الميتافيزيقا أو الروحيات؟

عالَمنا غير محلي وتفاعلات بعيدة جداً تؤثر فيه

تنتمي "متباينة بيل" إلى فئة الظواهر المبهمة والمثيرة. وتطرح نظريته ما يلي: إذا كانت بعض التنبؤات لنظرية الكم صحيحة فإن عالمنا غير محلي. يعني "غير محلي" هنا وجود تفاعلات بين أحداث متباعدة جداً في الفضاء وقريبة جداً زمنياً فتتواصل الأحداث حتى عبر إشارات تتحرك بسرعة الضوء.
وفي سنة 1964، توصل هذا الفيزيائي إلى أهم اختراعاته، "متباينة بيل". ولكن، بقي في جوهرها السؤال عما إذا كانت هناك متغيرات خفية تؤثر على نتائج القياس الميكانيكي الكمومي.
أراد بيل التثبت من وجود هذه المتغيرات الخفية.
ولكن من وجهة نظر الفيزيائي ألبرت أينشتاين، تملك الجسيمات خصائص فردية تتحكم في سلوكها عند القيام بقياسات كمومية؛ ومن ثم تحاكي مصادفة ميكانيكية كمومية.
وقال مؤلف مشارك في الدراسة وأستاذ علم البصريات الكوانتية بمعهد العلوم الضوئية في برشلونة مورغان ميتشل، لموقع Live Science: "أثبتنا أن رؤية أينشتاين العالمية للواقعية المحلية، التي يؤكد من خلالها أن الأشياء لها خصائص سواء كنت تراقبها أو لا، وأنه لا يوجد شيء ينتقل بسرعة أكبر من الضوء- أمر لا يمكن أن يكون صحيحاً.. على الأقل يجب أن يكون أحد هذه الأشياء خطأ".

 

لا توجد واقعية محلية.. بالدليل العلمي

توقع بيل أن متباينته تتحقق عند القيام بتجارب بالاعتماد على أزواج جسيمات متشابكة، لكن التجارب التي أُجريت سنة 1986، كشفت أن "متباينة بيل" غير قابلة للتطبيق في بعض الأحيان، ما يعني أن أينشتاين أخطأ بصفة استثنائية في نقطة ما.
ولعل الأمر المثير للاهتمام هو أن مفهوم الواقعية المحلية، الذي وضعه أينشتاين، يبدو خاطئاً، على الرغم من أن العديد من الفيزيائيين حاولوا الحفاظ عليه، وفق ما نشرته صحيفة welt الألمانية.

أرقام عشوائية من لعبة إنترنت كشفت خطأ أينشتاين

ومن خلال هذه التجربة الكبرى التي أُجريت تحت إشراف معهد برشلونة للعلوم الفوتونية، بادرت 12 مؤسسة بحثية باختبار "متباينة بيل" عن طريق مفهوم جديد.
شارك 100 ألف شخص في هذه التجربة الاستثنائية، وانضموا إلى لعبة فيديو على الإنترنت في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، والتي أنتجت الملايين من البتات، أو "الأرقام الثنائية"؛ أصغر وحدة من بيانات الكمبيوتر.
وفي ألمانيا، أجرى باحثون تحت إشراف الأستاذين الجامعيَّين لدى جامعة لودفيغ ماكسميليان؛ هارالد فايفورتر ووينجامين روزنفيلد، اختبار "بيغ بيل". ونُشرت نتائج هذا الاختبار في مجلة "Nature".
وفي إطار الاختبار، أنتج المشاركون ما مجموعه 97.347.490 رمزاً ثنائياً -أو binary codes- تم إرسالها إلى المختبرات المشاركة الـ12 في القارات الخمس.
ومن خلال هذه الرموز، أُجريت تجارب مختلفة على الفوتونات والذرات المفردة وأنواع الذرات، بالإضافة إلى أنظمة فائقة التوصيل.
استخدم الفيزيائيون تلك البتّات العشوائية لإجراء اختبار بيل، وإظهار أن الجسيمات المتشابكة، أو الجسيمات التي ترتبط حالاتها بشكل غامض، يمكنها نقل المعلومات بطريقة أسرع من الضوء، وأن هذه الجسيمات "تختار" حالتها عند لحظة قياسها.
اعتمد باحثو جامعة لودفيغ ماكسيميليان على الأرقام العشوائية لإجراء عدد من التجارب في مختبرين يفصل بينهما 400 متر. وفي العالم الكمي، ترتبط الجزيئات الثنائية بعضها ببعض، ويتم الكشف عن خصائصها من خلال القياسات.

والنظريات العلمية قابلة للصواب والخطأ

أجرى باحثون من مدينة ميونيخ تجارب على ذرة موجودة في أحد المخبرين وعلى فوتون مرتبط بهذه الذرة. وفي وقت لاحق، تم تحويل هذه الذرة إلى المخبر الآخر. وقد كشفت القياسات عن عدم الالتزام بـ"متباينة بيل"، أو نظرية المحلية الواقعية لأينشتاين.
حصلت هذه التجارب في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2016، وخلال 12 ساعة. استغرقت عملية معالجة البيانات وقتاً طويلاً ليتم نشر النتائج سنة 2018.
وعموماً، تبقى الفيزياء الكمية مبهمة، ولكنَّ ذلك لا ينفي أن أينشتاين ارتكب خطأ؛ وإن أصاب في مواقع أخرى.