شاهدتم المملكة الإفريقية القوية في فيلم Black Panther ؟..هناك ما يشبهها في تاريخنا الحديث

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/28 الساعة 08:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/28 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش

يتضمن سير أحداث فيلم Black Panther معدناً ذا خصائص سحرية، ويتناول الفيلم عدة موضوعات مثل الملكية الإفريقية، والسلطة الأنثوية، والاستعمار، والعبودية، ونقل القطع الأثرية الإفريقية حول العالم، ويحكي الفيلم قصة ملك إفريقي يسعى لحماية مستقبل مملكته ومواردها القيّمة وتكنولوجيتها المتطورة التي تستند لمعدن سحري نادر.

كان المعدن السحري (والخيالي) الذي ظهر في الفيلم يُدعى فيبرانيوم. وظهر على أنَّه معدنٌ مُستخرج من نيزكٍ سقط على الأرض، وأخفاه شعب الواكاندا عن العالم الخارجي لفترةٍ طويلة حتى أصبح تيشالا ملكاً، وقرَّر بيع كمياتٍ صغيرة منه لأجانب جديرين بالثقة من أجل إثراء أمته وتحديثها.، لكن في الواقع يوجد أصول واقعية للفيلم في إفريقيا الحديثة، إنها مملكة آشانتي وإمبراطوريتها الإفريقية.

ذهب في الواقع والمعرض، وفيبرانيوم في الفيلم


من الغريب أنَّ بعض العناصر التي ظهرت في الفيلم -وربما أكثر منها أو أقل- ظهرت كذلك في معرض The Power of Gold: Asante Royal Regalia From Ghana، أو "قوة الذهب: مقتنيات وملابس ملكية تابعة للأشانتي من غانا"، الذي أُقيم في متحف دالاس للفنون. ولكنَّ العرض الذي نُظِّم قبل صدور الفيلم مباشرةً لا يستند إلى الخيال، بل إلى واقعٍ تاريخي كأنه كان معرضاً تعليمياً، حسب صحيفة Washington Post الأميركية.

وفي معرض The Power of Gold: Asante Royal Regalia From Ghana الذي يحكي عن مجموعة الأشانتي، كان المعدن هو الذهب، الذي استُخرِج من باطن الأرض، وفُصِل عن الأتربة بالأنهار الجارية ولم يخفِه أحدٌ بالتأكيد.

في الواقع، تلمع مقتنيات المعرض عند كل ركن؛ إذ يمتلئ بالعديد من المشغولات المصنوعة من الذهب الخالص، مثل الأسلحة وبعض الحُلي العلوية على المظلات والصولجانات، والأقراص الصدرية والأقراط والقلادات، وزيناتٍ مُثبَّتة على الصنادل والخوذ والتيجان، ومنشَّة ذباب بمقبضٍ ذهبي، وتماثيل ذهبية صغيرة، وغبارٍ ذهبي.

من هم الأشانتي؟

يعيش شعب أشانتي حالياً في جنوب غانا ووسطها في الإقليم المسمى باسمهم، وكذلك بعض الأجزاء من كوت ديفوار وتوغو، وهي تعد حالياً "دولة تحت الحماية" دستورياً بالاتحاد مع جمهورية غانا وملكها الحالي هو Otumfuo Osei Tutu II ويعيش فيها أغلب شعبها ولكن بسبب الشتات، ستجد أفراداً من مجموعة أشانتي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مدينة دالاس الأميركية.

وكشعوب الأكان الأخرى يتكلم الأشانتي لغة توي، ويعد مجتمع أشانتي مجتمعاً أمومياً. إذ تنتقل جميع المواريث والأدوار الاجتماعية عبر النسل الأمومي. وتُشكَّل مجموعات الأنساب وفقاً للروابط الأمومية، وتُحدِّد هذه المجموعات العلاقات الاجتماعية والأسرية، لدرجة أنَّ علاقة الآباء بأطفالهم قد تكون أقل من علاقتهم بأبناء أخواتهم.

الإمبراطورية الإفريقية القوية

في وسط القرن السابع عشر أسست الإمبراطورية عبر اتحاد عسكري على طول بحيرة فولتا وخليج غينيا ضم مختلف متحدثي لغة الأكان، الذين أرادوا التقدم الاقتصادي والتوسع السياسي، وخلال قرنين فقط كانوا قوة ضاربة في الغرب الإفريقي ووصلت قوتهم إلى أقصاها.

في كل المنطقة الواقعة حالياً من توجو إلى كوت ديفوار، كانت مملكة الأشانتي يحكمها ملك واحد في العاصمة كوماسي وتحته مجموعة من القادة يرأسون مناطق الإمبراطورية ومقاطعتها وتحتهم يوجد حكام القرى والمدن الصغيرة.
ورغم تقدمها العسكري والسياسي فقد كانت إمبراطورية أمية يسودها الجهل، واعتمدت على اللغة الشفوية حتى عرفت الكتابة على أيدي التجار المسلمين الذي كان لهم تأثير واضح في المنطقة.
واعتمد الأشانتي على تعيين الذهب والتجارة مع الأوروبيين والأفارقة الآخرين، وأسسوا اقتصاد ريفي مبني على الزراعة والصيد والحيوانات وكان مجتمعهم يشبه نظاماً إقطاعياً يسيطر فيه الأغنياء على العبيد والعمال.

وتبنت مملكة الأشانتي السلاح الناري مبكراً، وابتداءً من أواخر القرن السابع عشر، أسس الملك أوسي توتو (1695 – 1717) ومستشاره أوكومفو أنوكي مملكة آشانتي، مع الكرسي الذهبي لأسانتي كرمز موحد وحيد. وأشرف أوسي توتو على توسيع آشانتي على نطاق واسع، وبناء الجيش من خلال إدخال تنظيم جديد ونجح في تحويل جيش ملكي وشبه عسكري منضبط إلى آلة قتال فعالة، غزا بها في 1701، دنيكيرا، موسعاً مملكة آشانتي إلى خليج غينيا حيث التجارة الساحلية للمحيط الأطلسي مع الأوروبيين، وخاصةً الهولنديين.

وهناك تقليد لانتخاب الملك المقدس في آشانتي، إذ تقدم الترشيحات لشيوخ المملكة الذين يختارونه من بينهم ويقسم اليمين أمام الآلهة والأسلاف لأداء واجباته وشرف التضحية بنفسه لرفاه المملكة، ويعد الملك مقدساً ومستبداً فهو يصدر أحكام الحياة والموت ويعتبر وسيطاً مقدساً بين الناس والأجداد لكن يمكن عزله أو خلعه بقرار من الحكماء والشعب. إذا تعرض للفشل.

كوماسي عاصمة أشانتي الذهبية

تقع كوماسي عاصمة أشانتي في غابةٍ استوائية مطيرة كثيفة على بُعد 120 ميلاً (193 كيلومتراً) من ساحل المحيط الأطلسي، ومع ذلك، كانت مركزاً للتجارة الدولية على مرِّ قرون. فما السبب يا تُرى؟

الذهب، الذي كان الرجال والنساء والأطفال في مجموعة أشانتي يفصلونه عن الحصى والأتربة بالمياه، وكان عمال المناجم المهرة يستخرجونه بمشقَّةٍ على هيئة جسيمات صغيرة جداً في أغلب الأحيان من خنادق عميقة ضيقة كانوا يحفرونها بعُصيٍ ذات سنونٍ حديدية.

البداية مع تجار الذهب المسلمين

منح الذهب منطقة الأكان وشعب أشانتي الثراء؛ إذ كان التجار المسلمون يتوافدون من مختلف أنحاء الصحراء الكبرى للحصول عليه. ومنذ القرن الخامس العشر، بدأ أوروبيون (برتغاليون وهولنديون وبريطانيون) الوصول إلى منطقة الأكان بحراً. وسرعان ما أطلقوا عليها لقب "الساحل الذهبي". وكانوا يبيعون أسلحةً ومنسوجات وكحوليات وسلعاً أخرى مقابل الذهب.

سر الإمبراطورية الذهبية، سلع الساحل وتجارة العبيد

وساعدت هذه السلع -ولا سيما الأسلحة- أفراد مجتمع أشانتي على توسيع أراضيهم. حتى أصبحت تمتد جنوباً إلى الساحل وشمالاً إلى أراضٍ أقل خصوبة. وبحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سيطروا على معظم ما يعرف الآن بغانا.
وأحياناً ما كانوا يستعبدون الشعوب المجاورة الذين يقهرونهم. وغالباً ما كانوا يبيعونهم للأوروبيين الذين كانوا يأتون للحصول على الذهب، ولكن سرعان ما صاروا يشحنون العبيد عبر المحيط الأطلسي بأعدادٍ متزايدة باستمرار وعواقب تاريخيةٍ عالمية مستمرة في التفاقم.

الثقافة الذهبية أقامت المملكة الإفريقية

أثار الذهب وعلاقته بالقوة كل ذلك، لذا فعنوان المعرض مناسب. لكنَّ الذهب تغلغل في ثقافة الأشانتي قُبيل أن يسيطر على تعاملاتهم مع العالم الخارجي. إذ كانت الأسر الملكية في أشانتي تستخدمه بكمياتٍ غزيرة للتأثير في عامة الشعب، حسب صحيفة Washington Post الأميركية.
وكان جزءاً أساسياً كذلك من أسطورة أصل الأشانتي، التي تحكي أنَّ الكاهن أوكوفمو أنوكي تسبب في نزول كرسي ذهبي من السماء إلى حجر أوسي توتو أول ملوك الأشانتي. وأصبح الكرسي الذهبي رمزاً للأمة الجديدة. وللإشارة إلى الامتثال للنظام الجديد، دفن شيوخ القبائل المحليين كراسيهم الخاصة.

ثم ظهرت "واحدةٌ من أقوى الممالك الإفريقية وأكثرها تعقيداً وإبهاراً، ودولةٌ تميزها روحها المتطرفة في هرميتها، وقوتها العسكرية الهائلة، وثروتها الطائلة"، على حد وصف الكاتب مالكوم دونالد ماكلويد في مقدمات أحد الكتب.

 

شخصٌ يجلس على شخصٍ آخر

تظهر هذه الروح الهرمية في واحدٍ من أهمِّ آلاف الأقوال المأثورة والأمثال التي تُشكِّل معرفة الأشانتي الشفهية: ألا وهو "شخصٌ يجلس على شخصٍ آخر".

تُعَد هذه المقولة (التي يصعب في بعض الأحيان تخيُّل تعبيرٍ أكثر إيجازاً منها عن الشؤون الإنسانية) مصمَّمةً لتُناسب مفهوم السلطة الذي يدور حول الكراسي. ومن ثَمَّ، عُرِضَت معظم معروضات المعرض -مثل الحلي العلوية وزخارف السيوف والتماثيل الذهبية الصغيرة التي كان معظمها على شكل حيوانات- إلى جانب أقوالٍ مأثورةٍ خاصة بها، حسب الصحيفة الأمريكية.

تضمَّنت هذه الأقوال المأثورة في المعرض جملة "ينمو سمك الطين لتتغذى عليه التماسيح" (وهو تعبيرٌ آخر عن الهرمية المتبنَّاة لدى الأشانتي)، أو "الدجاجة تدهس صغارها لتصحيح سلوكهم وليس لتؤذيهم" (أي يجب على الملك تربية رعاياه وتوجيههم)، أو "ينبغي للمرء ألَّا يحك مؤخرته بمؤخرة حيوان النيص أبداً" (لا تدخل في معركةٍ مع شخصٍ قادرٍ على إيذائك أكثر مما تستطيع إيذاءه، وليكن الملك على سبيل المثال).

هذه الأمثال لا تهدف جميعها إلى تعزيز السلطة الملكية، بل يتضح أنَّ الكثير منها ينطوي على أكثر من وجهة نظر ومبهم ومعقَّد من الناحية الأخلاقية، ومتوافق كثيراً مع فكرة أنَّ السلطة تنطوي على مسؤولية.

علامات:
تحميل المزيد