دليلك لما جرى في 25 يناير.. علاء الأسواني يكشف في روايته الممنوعة كواليس انتفاضة الميادين ويتنبأ بثورة تحمل سلاحاً

إنها أجواء ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني، ومع قضية مقتل الشاب السكندري "خالد سعيد" على أيدي ضباط الداخلية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/24 الساعة 21:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/24 الساعة 21:21 بتوقيت غرينتش

كانت الفكرة الأولى تنظيم مظاهرة تطالب بعزل وزير الداخلية.

إنها أجواء ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني، ومع قضية مقتل الشاب السكندري "خالد سعيد" على أيدي ضباط الداخلية.

من هنا تبدأ أحداث رواية "جمهورية كأن" للكاتب علاء الأسواني، لتشرح ما حدث من وقتها إلى الآن، وتضيف رؤية السياسي المعارض للمستقبل، عندما يتصور رد فعل ثوار التحرير المهزومين حتى الآن، حين يعودون بعد قليل للثورة من جديد.

فكرة الرواية: عام قبل ثورة التحرير

"بعد سنوات من الاستبداد يعيش المجتمع في "حالة كأن" فيبدو كل شيء وكأنه حقيقي بينما هو مزيف".

كانت تلك الكلمات من مقال بعنوان "تسقط جمهورية كأن" لعلاء الأسواني كتبه في جريدة المصري اليوم   في العام 2014، ولعلها كانت مصدر إلهام جعله يحول فكرة المقال القصير إلى ما يزيد على  500 صفحة، في روايته الجديدة الممنوعة من النشر في مصر التي تحمل الاسم نفسه، لنجد أنفسنا أمام تجسيد حي لأحداث ثورة يناير وما كان يحاك ضدها من مؤامرات.

الرواية صدرت في توقيت دال للغاية، هو الحادي عشر من فبراير، ذكرى تنحي مبارك عن السلطة.

ممنوعة: دار الشروق ترفض إغضاب الدولة

الرواية التي تسير بجناحين تلقي الضوء على المساومات التي جرت أيام الثورة وحال شبابها، حيث تسير في طريقين متوازيين أحدهما عن حال الثورة التي وُلدت لتوأد وما لاقاه شبابها من تعذيب وتنكيل، أمّا الطريق  الآخر فيكشف ما كان يدور خلف الكواليس ضد الثورة في إشارة للثورة المضادة، التي رجحت كفتها خلال سرد الأحداث، لنفاجأ في النهاية بجناح "يناير" المقصوص يحاول التحليق من جديد لكنّه هذه المرة حامل سلاحاً، كما تتنبأ الرواية التي صدرت مؤخراً عن دار الآداب البيروتية بعدما رفضت دار الشروق التي اعتادت نشر إبداعات الأسواني  نشر روايته الجديدة، معللة ذلك بعدم الرغبة في الدخول في مشاكل مع النظام السياسي.

مناورة الديكتاتور: اختفاء شكلي من مسرح الأحداث

تحكي الرواية عن المظاهرات التي اندلعت في مصر احتجاجاً على مقتل خالد سعيد، وعلى ممارسات الشرطة. عندها تحرك وقتها اللواء "علواني" الذي يملك صلاحيات واسعة، لوضع خطته طويلة الأمد للحفاظ على النظام، حتى لو تخلى "الديكتاتور" عن منصبه، فنقل مقر عمله لإحدى الفيلات واجتمع بوزير الداخلية الذي أعطى تعليماته بالإفراج عن الجنائيين لترهيب المصريين.

اجتمع الديكتاتور بعدد من المشاهير في الفن والرياضة والإعلام ورجال الأعمال موزعاً عليهم أدوارهم خلال المرحلة، بعدها اجتمع بمرشد الإخوان ليتفق معه على "الصفقة": تمرير الاستفتاء على الدستور وضمان الانتخابات البرلمانية لهم، مقابل عدم المشاركة في أحداث "الشغب".

جبهات الثورة: ضد القمع والفساد وظلم العمال

وأثناء ذلك تظهر شخصيات آخرى عبّر بها المؤلف عن قطاعات مختلفة في المجتمع المصري، فقدم مثلاً من خلال الرسائل المتبادلة بين اثنين من أبناء الثورة وهما "أسماء" و"مازن" سرداً تفصيلياً للأحداث، بالإضافة للصراعات الجانبية لهما في أماكن عملهما. فتخوض أسماء معركة في مدرستها، بينما يخوض "مازن" معركة في مصنع الإسمنت ضد الإدارة الإيطالية للمطالبة بحقوق العمال، ويحذره "عصام شعبان" صديق والده والاشتراكي القديم من هذا الطريق الذي سلكه قبله وكانت نهايته التعذيب ما جعله ينقلب للنقيض تماماً فلا يهتم بحقوق عمال أو غيرها.

التدين الشكلي: ضرورات تسمح بالمحظورات

يحاول الأسواني أن يجمع بين المتعة والتشويق في سرد الأحداث والتوثيق التاريخي لأحداث ثورة يناير، فيرسم كعادته الشخصية الأساسية‏ التي تدور حولها الرواية مستخدماً الظروف الاجتماعية والشخصية، مضيفاً إليها هذه المرة البعد السياسي، لنجد شخصية اللواء "علواني" تجمع بين المتناقضات التي يحاول أن يبرزها في أكثر من موضع، مثل تدينه الشديد ومبرراته لمشاهدة أفلام العري أو البورنو، اتقاء للوقوع في الكبائر، "فالضرورات تبيح المحظورات"، وهو لا يحب الواسطة لكن لا مانع من أن يهاتف أحد المسؤولين ليؤكد عليه ألا يميز ابنه عن زملائه.

الدعوة والإعلام: شيوخ السلطان وعرائس الماريونيت

مثلما يركز المؤلف على ظاهرة التدين الشكلي في المجتمع المصري، التي ظهرت جلية في مواضع عدة كشخصية "تهاني" زوجة اللواء علواني التي تحرص دوماً على استضافة الشيخ "شامل" لإقامة الندوات الدينية. وجاءت شخصية الشيخ "شامل" نموذجاً واضحاً لشيوخ السلطان الذين يُفصلون الفتاوى لتناسبه، فيما كانت "نورهان" رمزاً للإعلام المصري بُعيد الثورة والذي تحول لمجرد "عرائس ماريونيت" في يد السلطة، يوزعون التهم والتخوين على من يشاؤون، لإخفاء الحقائق وتغييب الوعي.

اجتهد المؤلف في رسم الشخصيات المحورية مثل (اللواء علواني، خالد، أسماء، مازن، أشرف ويصا، إكرام، عصام شعبان، مدني)، لكن على الرغم من ذلك لم يكن رسمها كافياً. فسرد الأحداث المتلاحقة والسريعة جعل من تصميمه للشخصيات غير كاف لكشف حقيقة هذه الشخصيات كما اعتدنا منه مثلاً في "عمارة يعقوبيان" و"نادي السيارات"، باستثناء شخصية "أشرف ويصا" التي تطورت مع تطور الأحداث بل حدثت لها طفرة. فهو ممثل كومبارس قبطي يسكن بالقرب من ميدان التحرير، لا يبالي بما يحدث حوله، إلى أن دار حوار بينه وبين "أسماء" أثناء احتمائها في بيته من البلطجية، وما تركه من أثر جليّ في نفسه، ليخرج من قوقعته ويلامس الثورة ويلتصق بها إلى النهاية.

من كواليس الثورة: موقعة الجمل وكشوف العذرية وكل هذا الدم

يستعرض الأسواني في روايته شهادات لشخصيات حية عاصرت أحداث الثورة، مروراً بموقعة الجمل، التي كانت نقطة فاصلة في مسار الثورة  وأحداث ماسبيرو التي أثارت جدلاً كبيراً بعد الاعتداء على مظاهرة الأقباط، وأحداث مظاهرات محمد محمود التي أحدثت شقاً بين الإخوان والثورة  ومجلس الوزراء، بالإضافة إلى شهادات كشوف العذرية، التي أجراها الجيش على بعض الفتيات ليفند مزاعم تعرض فتيات الثورة للاغتصاب.

سرد الأحداث التي رافقت الثورة بهذا التفصيل قد يصيب القارئ بالملل أحياناً، خاصةً أنه يعرض أكثر من شهادة للحدث نفسه تتشابه بعضها في كثير من التفاصيل، لكنّ الأسواني برّر ذلك بضرورة توثيق أحداث الثورة والمذابح التي جرت، محمّلاً المجلس العسكري المسؤولية كاملة عنها، الأمر الذي جعل دور النشر تخاف من نشرها.

تحاول الرواية أن تقدم حلولاً لبعض الألغاز التي دارت في أذهان المصريين أثناء أحداث الثورة، كالسؤال عمن يدير دفة الترتيبات لكل تلك الأحداث بدءاً من لحظة تنحي مبارك، كما تناولت ظاهرة ادعاء البعض فرحتهم بالثورة في بدايتها ليخفوا مصالحهم لكن سرعان ما سقطت الأقنعة.

وعلى الرغم من منع الرواية من النشر في مصر نجح قراصنة الكتب في تصويرها ورفعها على الإنترنت  بصيغة pdf  ليسهل للمصريين قراءة رواية تحكي عن ثورتهم ولماذا  فشلت.

أصداء الروايات السابقة: هذه الشخصيات نعرفها  

يعود بنا الأسواني من خلال علاقة "أشرف ويصا" الأرستقراطي القبطي بخادمته المسلمة "إكرام"، إلى "عمارة يعقوبيان" التي تناولت هذه العلاقة بين "زكي الدسوقي" و"بثينة"، لكنّه هذه المرة يضيف إليها بُعداً آخر وهو اختلاف الدين بينهما الذي لم يقف حائلاً أمام تلك العلاقة، فوجد كلاهما في الآخر ضالته. كما خدم الجمع بين الطبقتين الرواية؛ فمن ناحية أظهر لنا كيف كان كلاهما ينظر لأبناء التحرير، ومن ناحية أخرى تناول دوافع بعض الأقباط لكراهية الثورة آنذاك.

أمّا شخصية "دانية" ابنة اللواء علواني التي تعارض أبيها في كل ما يفعله، فقد تكرّرت من قبل في روايات أسواني السابقة، لكنّ "دانية" في النهاية لا تريد أن تؤذي أسرتها إذا شهدت أمام المحكمة على مقتل حبيبها "خالد" على يد الشرطة.

ونجح المؤلف في رسم شخصية عم "مدني" والد خالد وسائق "عصام شعبان"، الرجل المصري البسيط قليل الكلام الذي لا يهمه في الدنيا سوى توفير لقمة عيش لأبنائه، زارعاً في نفوسهم عزة النفس والكرامة وحب القراءة، لكنّه يفقد هذا الهدوء ليتحول إلى النقيض تماماً بعد مقتل ابنه طالب الطب وخذلان القضاء له، ليقرر هو الثأر بنفسه.

الأسواني: الرواية الرابعة

الأسواني طبيب أسنان وروائي مصري شهير كان والده عباس الأسواني روائياً معروفاً. وقد  حقق علاء  شهرة طاغية عندما أصدر روايته عمارة يعقوبيان في العام ٢٠٠٦ وكشف فيها من خلال عمارة شهيرة في وسط القاهرة تحولات المجتمع المصري في القرن الأخير وقد زادت شهرة الكاتب بعد أن تحولت روايته إلى فيلم سينمائي من بطولة النجم الكبير عادل إمام  حقق جماهيرية طاغية.

وله روايتان سابقتان، نادي السيارات وشيكاجو، ومجموعات قصصية قصيرة منها نيران صديقة.    وبالإضافة إلى عمله الروائي فالأسواني من أشهر الناشطين السياسيين قبل الثورة وبعدها حيث كان عضواً فاعلاً في حركة "كفاية " المعارضة لتوريث مبارك الحكم لنجله جمال، وله كتاب معروف بعنوان  "لماذا لا يثور المصريون" أصدره قبيل اندلاع ثورة يناير ولكنه أصدر كتاباً بعنوان لافت بعد الثورة هو "هل نستحق الديموقراطية؟"

****

الرواية: جمهورية كأن

المؤلف: علاء الأسواني

دار الآداب – بيروت لبنان

عدد الصفحات: 504

تحميل المزيد