سينما ومطعم ومقهى واستوديو في مكتبة.. أحدث مكتبات فنلندا تحت شعار “ليست للقراءة فقط”

من قال إن المكتبة للقراءة فقط؟ يمكنك تناول الطعام وشرب القهوة ومشاهدة الأفلام أيضاً. إذا كنت في فنلندا.

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/16 الساعة 21:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/16 الساعة 21:40 بتوقيت غرينتش

من قال إن المكتبة للقراءة فقط؟ يمكنك تناول الطعام وشرب القهوة ومشاهدة الأفلام أيضاً. إذا كنت في فنلندا.

ستُشيَّد مكتبة Oodi الحديثة في هلسنكي أمام البرلمان، ومن المتوقع أن يتم افتتاحها في أواخر عام 2018. وسيتم بناء المكتبة بحي Töölönlahti بجانب مركز هلسنكي للموسيقى ومتحف Kiasma للفن المعاصر.

ستضم المكتبة سينما واستوديو تسجيل  ومطعماً ومقهى ومساحات للتعلم. 

تقول نسيمة رازمار، لصحيفة The Guardian البريطانية: "كانت بطاقة المكتبة أول شيء يصبح خاصاً بي ومن ممتلكاتي".

وصلت رازمار، ابنة الدبلوماسي الأفغاني السابق، إلى فنلندا مع عائلتها في عام 1992 كلاجئة هاربة من الاضطرابات السياسية. لم تكن قادرة على التحدث باللغة الفنلندية، وبموارد شحيحة، كانت تحاول فهم المدينة الجديدة الغريبة التي وجدت نفسها فيها، فذُهلت عندما اكتشفت أنها تستطيع الحصول على بطاقة مكتبة من شأنها أن تمنحها كتباً بالمجان.

تقديرها لهذا الامتياز لم يغب عنها لحظة، وتقول بفخر: "لا يزال لدي بطاقة هذه المكتبة في محفظتي إلى اليوم".

تحفة صديقة للبيئة 

سيكون مبنى المكتبة تحفة من الهياكل المصنوعة من الفولاذ والزجاج، ويلبي أيضاً متطلبات كفاءة الطاقة. سوف يكون مبنى من دون طاقة تقريباً، بمساحة إجمالية قدرها 16000 متر مربع.

فيما يجمع إطارها القوي بين الصلب والخرسانة، والواجهة عبارة عن سيمفونية رائعة من الزجاج والخشب، حسب موقع الشركة المصممة Ramboll.

وستكون المكتبة الجديدة إضافة حديثة ومثيرة إلى المركز الثقافي لخليج Töölönlahti، وتوفر لسكان المدينة غرفة معيشة ثقافية ومركزاً للوسائط المتعددة يستضيف مجموعة متنوعة من الفعاليات.

وسوف تجمع المكتبة المركزية بين معارف المواطنين ومهاراتهم وقصصهم في ورشات العمل والمناقشات والدراسات والهوايات.

مقهى ومطعم وسينما واستديوهات.. والكثير

لم تُصمم تلك المساحات لتكون معابد مغبرة للأدب والمعرفة. إنها مساحات نابضة بالحياة ومدروسة جيداً، تحاول بشكل نشط إشراك المجتمعات الحضرية التي تخدمها.

المكتبة في Maunula، وهي إحدى ضواحي شمال هلسنكي، لها مدخل يؤدي مباشرةً إلى أحد المحال التجارية -وهو قرار مذهل وعملي- إلى جانب مركز تعليم الكبار وقسم خدمات الشباب، تؤشر جميعها على حقيقة أن تصميمها أخذ في الاعتبار مقترحات السكان المحليين.

ومع ذلك، سوف تقدم مكتبة Oodi أكثر من ذلك: فبالإضافة إلى وظيفتها الأساسية كمكتبة، فإنها ستضم مقهى ومطعماً وشرفة عامة ودار سينما واستوديوهات تسجيل صوتي مرئي ومساحة للصناعات مع طابعات ثلاثية الأبعاد. ولديهم فكرة إضافة ساونا، ولكن يبدو أنها لم تقر في النهاية.

فنلندا بلد القراء

تشغل اليوم رازمار منصب نائب رئيس بلدية هلسنكي، وهي على استعداد للدفاع عن المؤسسة التي أعطتها الكثير، بدءاً من بناء Oodi، المكتبة المركزية الجديدة للمدينة، المقرر افتتاحها في ديسمبر/كانون الأول 2018. وهي ليست الوحيدة الشغوفة بحب المكتبات.

وفي عام 2016، صنفت الأمم المتحدة فنلندا بأنها الأعلى في العالم من حيث مستوى التعليم، والفنلنديون من بين أكثر مستخدمي المكتبات العامة حماسةً في العالم، حيث يقترض سكان البلاد، البالغ عددهم 5.5 مليون شخص، ما يقرب من 68 مليون كتاب سنوياً، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.

واعترافاً بهذه الحقيقة، في الوقت الذي تواجه فيه المكتبات بجميع أنحاء العالم خفضاً في ميزانياتها، وانخفاضاً في عدد المستخدمين أو الإغلاق ببعض الأحيان، فإن فنلندا تسير في الإتجاه المعاكس. وفقاً لأرقام السلطة المحلية عام 2016، فإن المملكة المتحدة تنفق 14.50 جنيه إسترليني فقط على المكتبات لكل فرد.

وعلى النقيض من ذلك، تنفق فنلندا 50.50 جنيه إسترليني لكل فرد. في الوقت الذي أغلقت فيه أكثر من 478 مكتبة بمدن وبلدات في جميع أنحاء إنكلترا وويلز وأسكتلندا منذ عام 2010، تنفق هلسنكي 98 مليون يورو على إنشاء مكتبة جديدة ضخمة.

ولم يكتف الفنلنديون ببناء مكتبة فحسب؛ بل أصبحوا ينشرون شغفهم؛ إذ يعد الجناح الفنلندي في بينالي، المسمى "بناء العقل"، بمعرض بينالي للهندسة المعمارية في البندقية هذا العام (2018)، رسالة حب إلى المعالم الثقافية في البلاد.

المكتبة كوسيلة تواصل اجتماعي

ليس من الصعب معرفة سبب استخدام مكتبات مدينة فنلندا بكثافة، فـ 84% من سكان البلاد حضريون، وبالنظر إلى المناخ البارد جداً في كثير من الأحيان، فإن المكتبات ليست مجرد أماكن للدراسة أو القراءة أو استعارة الكتب فقط؛ بل أماكن حيوية للتواصل الاجتماعي.

في الواقع، وصف أنيتي نوسوكي، أحد مهندسي Oodi، المكتبة الجديدة بأنها "ساحة مدينة داخلية" بعيدة كل البعد عن النظرة النمطية للمكتبات باعتبارها فضاءات صامتة. ويضيف: "صممت [Oodi] لإعطاء المواطنين والزائرين مساحة حرة للقيام بأي نشاط يريدون القيام به، لا أن يكونوا مجرد مُستعيرين أو زوار".

والمكتبة التي تعد جزءاً من احتفال فنلندا بـ"قرن من الاستقلال"، ليست مجرد مستودع للكتب. تقول رازمار: "أعتقد أن فنلندا لم تكن لتقدم هدية أفضل للشعب. ترمز إلى أهمية التعلم والتعليم، اللذين كانا من العوامل الأساسية لتطور فنلندا ونجاحها".

المساواة والتكافؤ يبدآن من المكتبة

يعكس الموقع الذي اختير للمكتبة لتكون أمام البرلمان مباشرة، مشاعر الفخر بتكافؤ الفرص التي توفرها المكتبة الجديدة بالمدينة.

إذ تقول رازمار: "أعتقد أنه لا يوجد شيء يمكن أن يُوضع أمام المؤسسات الديمقراطية ويضاهيها كما تفعل المكتبة العامة". وتضيف: "من اللافت للنظر أنه عند الوقوف على الشرفة المفتوحة للمكتبة، ينظر الناس مباشرة إلى البرلمان ويقفون على المستوى نفسه".

Oodi ليست الوحيدة

لكن Oodi ليست مكتبة هلسنكي الوحيدة التي تسبب الإثارة. تقول هاريس: "تعد مكتبة Töölö واحدة من المكتبات المفضلة لديَّ". وتضيف: "تقع في حديقة وتحتوي على شرفة على السطح. في الآونة الأخيرة، ذهبت أنا وزملائي إلى هناك وكان هناك طابور خارج الأبواب. في صباح يوم من أيام الأسبوع العادية، اصطف الناس في الساعة التاسعة صباحاً لدخول المكتبة"، حسب الصحيفة البريطانية.

ربما ما يكون مفتاح فهم حماسة الفلنديين للمكتبات هو أنها تقدم أكثر بكثير من الكتب.

في حين توفر العديد من المكتبات بجميع أنحاء العالم خدمة الإنترنت وغيرها من الخدمات، فقد توسعت المكتبات في المدن والبلدات بجميع أنحاء فنلندا في خدماتها، لتشمل إقراض المنشورات الإلكترونية، والمعدات الرياضية، والأدوات الكهربائية، وغيرها من "العناصر المخصصة للعرض". تقدم إحدى المكتبات في Vantaa الكاريوكي.

من المؤكد أن موقع مكتبة هلسنكي الجديدة وتصميمها لافتان للنظر، ولكن ربما كان أكثر ما يثير الإعجاب هو عدم وجود معارضة عامة لمثل هذا المشروع المكلف.

فيما يقول هارسفو مدير موقع Archinfo: "الناس يتطلعون إلى Oodi. ولم يكن الأمر مثيراً للجدل، فالناس متحمسون لهذا الأمر على نطاق واسع". ويضيف: "ستكون مهمة للحياة اليومية هنا في هلسنكي".