كذَب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وقبله الحلفاء وأدولف هتلر. دخلوا التاريخ بالمناصب التي تبوّأوها؛ ولكن ما زلنا حتى اليوم وفي كل مرة نذكر أسماء هؤلاء الأشخاص، نتطرق إلى الكذب والخداع الذي مارسوه على شعوب بأكملها.
فيما يلي، أكاذيب طالت حياة الكثيرين، وتسبَّب بعضها في شن حروب وأخرى بإخمادها. ننقلها عن مجلة Reader's Digest.
أناستازيا المزيفة: من عاملة مصنع إلى حفيدة آخر إمبراطور روسي
عام 1918 أعدَمَ الثوار البلاشفة مَن تبقَّى من أفراد سلالة عائلة رومانوف؛ الإمبراطور نيقولا الثاني وزوجته وأطفالهم الخمسة، في قبوٍ بمدينة إيكاترينبرغ الروسية.
لكن الشائعات انتشرت بأن طفلتهما الصغرى "أنستازيا" هربت. واستغل مُحتالون كُثُر هذه الشائعة المزعومة، وكانت إحداهن "آنَّا أندرسون".
بعد محاولة انتحارٍ فاشلة، وُجِدَت آنَّا الخرساء في قناةِ مياهٍ ألمانية دون أية أوراق إثباتٍ شخصية. وأودعتها السلطات مستشفى للأمراض العقلية، حيث اعتقد الناس أنها تحمل شَبَهاً كبيراً بأناستازيا.
شكَّك العديد من مساعدي رومانوف السابقين في شرعية كونها أناستازيا فعلاً، إلا أنَّها ظلَّت تتلقى الدعم من دائرة معارف العائلة المعاصرين لها، الذين كانوا يعتقدون أنها الدوقة الحقيقية.
وبعد وفاة أندرسون، استُخرِجَت جثث عائلة رومانوف، وأُجرِيَ لهم فحصُ الحمض النووي "DNA"، وأثبت الفحص أنها مُدَّعية.
وتبين أنها كانت عاملةً بولنديةً في مصنع، فُقِدَت قبل فترةٍ قصيرةٍ من العثور على أندرسون في القناة المائية.
أزمة صواريخ كوبا: حربة روسية في الخاصرة الأميركية
على الرغم من تطمينات الاتحاد السوفييتي "المُفتَرَضَة" لأميركا بأنَّه سيرسل أسلحةً دفاعيَّةً فقط إلى كوبا، فإن الاتحاد أرسل صواريخ من طراز "U-2". وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 1962، كُشف السرُّ عندما ضبطت طائرةُ تجسُّسٍ أميركية الصواريخ. قال الرئيس الأميركي آنذاك، جون كينيدي، بعدها بأسبوع، إنهم أرسلوا صواريخ -قادرةً على حمل الرؤوس النووية- على بُعد 90 ميلاً (نحو 145 كم) فقط من الساحل الأميركي.
حاول الاتحاد السوفييتي إخفاء الصواريخ بتغطيتها وطَليِها وغمرها بالطين، ولكن محاولاتهم للسيطرة على الوضع باءت بالفشل. بعد ذلك بـ6 أيامٍ، أمر الرئيس الأميركي بفرض حظرٍ بحريٍّ على كوبا حتى يقوم السوفييت بتفكيك صواريخهم وإزالتها على الفور.
وبعد الكثير من الشدِّ والجذب، وافق القائد الروسي نيكيتا خروتشوف أخيراً على الشروط، وأعاد الصواريخ إلى روسيا.
الكود الياباني: فك الشيفرة قلب السحر على الساحر
الكذب ليس سيئاً بالضرورة، ففي بعض الكذب يمكن أن يعمل لصالحك، في حالة الحرب على سبيل المثال!
في أثناء الحرب العالمية الثانية، لم يتمكَّن الأميركيون من فكِّ شيفرة الأكواد المُستخدمة في تقارير المخابرات العسكرية اليابانية التي حصلوا عليها، وتحديداً كود "AF"، وهو موقع هجوم بحري أعدَّت له اليابان.
واعتقد خبراء المخابرات العسكرية الأميركية أن كود "AF" قد يشير إلى جزر "ميدواي"؛ لأنَّ اليابانيين اعتادوا أن يرمزوا إلى مواقع جزر هاواي بالرمز "A"، وتبدو "ميدواي" خياراً منطقياً كهدفٍ تالٍ لليابان.
واختبر الأميركيون نظريتهم بإرسال رسالةٍ مشفرةٍ كاذبةٍ تفيد بأنَّ المياه قد نفدت من محطة التحلية في جزيرة ميدواي، وأنها تحتاج لإمدادٍ بالمياه العذبة. وعقب نقل الرسالة، جاء تقرير المخابرات اليابانية بالرسالة المُلتقطة كالتالي: "هناك نقصٌ بالمياه في AF". فأكَّدَت كذبتهم البيضاء فرضيَّتهم!
واستخدمت الولايات المتحدة معلوماتها الجديدة للتحضير لهجومٍ على جزيرة ميدواي، وحقَّقَت بذلك نصراً كبيراً ساعدها في كسب الحرب العالمية الثانية.
فريق أولترا وشيفرة إنيغما التي غيرت مجرى التاريخ
في أثناء الحرب العالمية الثانية، أثبتت شيفرة إنيغما النازية أنها عصيةٌ على التفكيك.
أُصيبَ الحلفاءُ بيأسٍ بينما كانت الغوَّاصات الألمانية تُغرِق عدداً كبيراً من السفن التجارية التي تجلب المواد الغذائية والوقود والإمدادات من أميركا الشمالية إلى إنكلترا.
وفي يونيو/حزيران 1941، فكَّ عالم رياضيات بريطاني الشيفرة أخيراً، ليكشف مواقع كل الغوَّاصات الألمانية ويُمكِّن السفن من تجنُّبها.
ومن هنا، استخدم فريق أولترا، وهو المشروع الاستخباراتي التابع للحلفاء، رسائل مُخادِعة لإبعاد الألمان عن مسارات السفن.
أوراق البنتاغون التي كشفت أكاذيب الرؤساء الأميركيين بشأن فيتنام
حافَظَ الرئيس الأميركي ليندون جونسون على أكاذيبه بشأن حرب فيتنام محميَّةً حتى جاء مُحلِّلٌ عسكري ليُسرِّب التسجيلات التي كشفت تحرُّكات الرئيس في الحرب لصحيفة The New York Times الأميركية في عام 1971.
وكانت "أوراق البنتاغون" دراسةً سريةً للغاية لوزارة الدفاع، وثَّقَت مدى انخراط الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً بفيتنام في الفترة من 1945 إلى 1967. وكان الرئيس جونسون واحداً فقط من العديد من الرؤساء الذين تضمَّنتهم الأوراق، جنباً إلى جنبٍ مع هاري ترومان، ودوايت أيزنهاور، وجون كينيدي، الذين ضلَّلوا الشعب حول الانخراط المباشر للولايات المتحدة في فيتنام.
وكشفت الأوراق أن ترومان مَنَحَ دعماً عسكرياً للفرنسيين في حربهم ضد اتحاد استقلال فيتنام بزعامة الشيوعيين، وأن جونسون بدأ خطته لشنِّ حربٍ صريحة في فيتنام قبل عامٍ كاملٍ من أن تصبح معروفةً في العالم، وغيرها من الأسرار الأخرى.
واستخدم الأميركيون هذه المعلومات الجديدة كأداةٍ لتأجيج احتجاجاتهم ضد حرب فيتنام.
الدعاية النازية وغسيل دماغ على مستوى الشعوب
لا شك في أن الديكتاتور الألماني أدولف هتلر هو خير مثال على الترويج للأكاذيب والدعاية لها: كانت الدعاية النازية التي روّج لها قائمة على بث الخوف والكراهية في نفوس شعبه، وكانت تصوّر اليهود بأنهم أعداء المجتمع الألماني بجميع طبقاته. ليس هذا فحسب؛ بل إنه قد لجأ إلى القمع والإكراه والإرهاب والتلاعب الجماعي لغسل أدمغة شعبه وجعلهم يصدّقون ما ينشره من أكاذيب.
وبطبيعة الحال، كانت الفترة التي جاءت في أعقاب الحرب العالمية الأولى بمثابة نقطة بداية مناسبة لينطلق في سعيه إلى الهيمنة على العالم بأَسره. غير أن معاهدة فرساي (التي آذنت بنهاية الحرب العالمية الأولى عام 1919) أثقلت كاهل ألمانيا بتعويضات ضخمة بالأموال والأراضي.
شهدت العملة الألمانية على أثرها تضخماً أدى إلى خسارة العديد من الأُسر الألمانية المتوسطة أموالها، وجعل الشعب الألماني يشعر بالنبذ وعدم الرضا عن الحياة التي يعيشونها.
وللأسف، كان للأكاذيب التي نشرها هتلر ومؤيدوه النازيون عواقب وخيمة، أسفرت عن مقتل 50 إلى 80 مليون نسمة.
مفاعل تشرنوبل النووي.. الكذبة التي كشفها الشعاع
في 26 أبريل/نيسان عام 1986، هزّ مدينة تشرنوبل الأوكرانية انفجار بأحد المفاعلات النووية (بلغ حجمه 400 ضعف حجم انفجار القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما)، وتعرّض على أثره الملايين من مواطني اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية (الاتحاد السوفييتي) للإشعاع الذري.
استغرقت السلطات السوفييتية يوماً كاملاً بعد وقوع الحادثة حتى بدأت بإجلاء السكان من المدن القريبة من موقع الانفجار. وما زاد الطين بلَّة هو أن السلطات تكتّمت على مدى سوء الوضع وعواقبه الوخيمة على صحة السكان أمام الاتحاد السوفييتي والعالم بأَسره.
ظل الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي آنذاك، ميخائيل غورباتشوف، متكتماً على الأمر 18 يوماً، إلى أن قرَّر أخيراً الاعتراف أمام العالم بأَسره بمدى فظاعة الانفجار.
لحُسن الحظ، تعرَّض سكان المناطق الملوَّثة إشعاعياً لمعدلات بسيطة جداً من الإشعاع، ومعظم من تعرضوا لمعدلات عالية خضعوا للعلاج بنجاح، وإن كان من المحتمل أن تظهر في المستقبل حالات مَرضية أخرى ناجمة عن الإشعاع.
ووفقاً للجنة الرقابة النووية الأميركية، فإن الأدلة المتاحة تُبيِّن فقط وجود صلة قوية بين الحادثة والارتفاعات الناجمة عن الإشعاع في معدلات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية، وإن كانت بعض الوفيات من جراء السرطان يمكن أن تُعزى إلى حادثة تشرنوبل على مدى عُمر عاملي الطوارئ والسكان الذين جرى إجلاؤهم عن المنطقة آنذاك.
فضيحة ووترغيت: خرق للقانون فكذبٌ واستقالة
في مايو/أيار عام 1972، اقتحم 5 رجالٍ مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية بمبنى ووترغيت في واشنطن؛ لزرع أجهزة تصنُّت على هواتف المقر وسرقة وثائق سرية. بعد ذلك بشهرٍ، أُلقِيَ القبض على الجواسيس متلبِّسين بمحاولةٍ ثانيةٍ للتسلل.
إلا أن السلطات اكتشفت لاحقاً أن الرجال يعملون لحساب حملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. ورغم تنامي الارتياب في أرجاء البلاد، فقد أُعِيدَ انتخاب الرئيس نيكسون ليتولى منصب الرئاسة مرةً ثانيةً بعدما أنكر مشاركته في هذه الفضيحة.
ولكنّ كذب نيكسون وخداعه لم يمنعا الحقيقة من الظهور. وكشفت صحيفة The Washington Post تستُّر نيكسون على قضية ووترغيت، بفضل عميلٍ مجهولٍ من المباحث الفيدرالية. وفي 9 أغسطس/آب 1974، أصبح نيكسون أول رئيسٍ أميركي يستقيل من منصبه.
خطة بونزي: بيع الوهم على نفقة الآخرين
تشارلز بونزي مهاجرٌ إيطالي صَنَعَ ثروةً بأميركا من الكذب على الناس. في الحقيقة، كان بارعاً في الخداع، حتى إن الحكومة أطلقت اسمه على نوعٍ من الخداع؛ خطة بونزي.
في عام 1920، خَدَعَ بونزي الآلاف من سُكَّان إقليم نيو إنغلاند ليستثمروا في نظامٍ للمضاربة على طابعٍ بريدي. ووَعَدَ المستثمرين أن يُوفِّر عائداً مذهلاً بنسبة 50% في غضون 90 يوماً.
وكان في كلِّ مرةٍ يدفع فيها له مستثمرٌ أموالاً، يُسدِّد هذه الأموال لمستثمرين قبله من أجل أن يخلق الوهم بأنهم يربحون من عملٍ تجاريٍّ مشروع. وفي ذروة هذه العملية المخادعة، جَمَعَ أموالاً تُقدَّر بـ250 ألف دولار في اليوم الواحد، نحو 3 ملايين دولار بقيمة العملة اليوم.
انتهى خداعه واحتياله في أغسطس/آب من العام نفسه، حين اتُّهِمَ بـ86 تهمة بالاحتيال عبر البريد.