علاجات جديدة للسرطان تمنح فرصاً للحالات الخطرة.. ولكنها تخلق مشكلة للأطباء والمرضى.. أيهما نختار الأمل أم الراحة

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/22 الساعة 21:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/22 الساعة 21:24 بتوقيت غرينتش

"عندما ينظر الرجل بعذوبة في عيني زوجته، أو عندما يلمس طفلٌ يدي المريض، فقد يعني ذلك غالباً أنه حان الوقت".

فمرضى السرطان ذوو الحالات المتأخرة يقررون غالباً خلال فترة بقائهم الطويلة في المستشفى التوقف عن محاربة المرض بشراسة، والتركيز بدلاً من ذلك على الرعاية التلطيفية (تخصص طبي يرمي لتخفيف آلام المريض)، وتحقيق قدر من الراحة في نهاية حياتهم.

وبينما أظهرت الأدلة على مدار السنوات العشرين الماضية، أنَّ الرعاية التلطيفية تخفف الألم، وتُحسِّن الإحساس بالراحة، وحتى تطيل العمر في بعض الحالات، إلا أنها باتت تمثل مشكلة مؤخراً في طريقة علاج مرضى ذوي الحالات المتأخرة، حسب مقال للدكتور روبرت واشتر، أستاذ ورئيس قسم الطب في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان فرانسيسكو نشر في صحيفة The New York Times الأميركية.

لماذا أصبحت الرعاية التلطيفية تشكل ارتباكاً لمرضى السرطان والأطباء؟

يبدو أن المشكلة ليست في الرعاية التلطيفية، ولكن تطور آخر طرأ هو الذي خلق هذا الارتباك.

يقول واشتر بحسب خبرتي، تبدأ النقاشات حول التحول إلى الرعاية التلطيفية حين يدرك المرضى أنَّ علاج السرطان لديهم أصبح مستحيلاً.

ويضيف عندما كان يطلب المرضى نصيحتي بشأن قرار التخلي عن العلاج للتحول للرعاية التلطيفية، ورغم أنَّ المحادثة عادة ما تكون مُفجعة، إلا أنَّ القرار نادراً ما يكون صعباً.

لكنَّ اتخاذ هذا القرار أصبح أصعب الآن بالنسبة للمرضى ذوي الحالات المتأخرة. والسبب هو جيل جديد من علاجات السرطان، التي أصبحت متوفرة في السنوات الأخيرة، والتي يصفها دكتور واشتر بالعلاجات الإعجازية.

هل تستحق  كل هذه الضجة؟

تستغل بعض هذه العلاجات جهاز المناعة الخاص بالمريض لمحاربة الورم، ولذا تُسمَّى بالعلاجات المناعية، بينما تعوق الأخرى، التي تسمى بالعلاجات المستهدفة جزيئات معينة يعتمد عليها السرطان في النمو والانتشار.

ويلفت واشتر إلى أن أدبيات الطب كانت حذرة عادةً عند الحديث عن السرطان، في ضوء الكثير من العلاجات التي نالت ضجة في الماضي، ولكنها الآن تتحدث عن هذه العلاجات الجديدة إلى حدٍّ ما بحماسٍ شديد باستخدام مصطلحات مثل "ثوري" و"علاج". ولكن في هذه الحالة، تبدو الضجة مبررة، حسب واشتر.

إذن، لماذا تمثل هذه العلاجات الواعدة مشكلة؟!

 بينما كُتِب الكثير عن تلك العلاجات الواعدة، فضلاً عن أسعارها الفلكية؛ إذ قد تصل أسعار بعضها إلى مئات آلاف الدولارات في السنة، فإنه أكثر ما يذهل واشتر هو أنَّه عبر طمس الخط الفاصل بين العلاج والراحة -وبين الأمل واليأس- استطاعت تلك العلاجات تمزيق التوازن الهش الذي كان يسلّم به الأطباء طويلاً.

إنه توازن كان مؤلماً، ولكنه على الأقل كان مفهوماً لدى الأطباء، الذي كانوا يستطيعون أن يعرفوا متى يقولون "كفى".

يقول دكتور واشتر: لقد راعيتُ امرأة ثمانينية مؤخراً، كانت تحتضر بسبب الإصابة بسرطان الرئة. أو هكذا تصورت، لكنَّ عائلتها تساءلت: "ولكن ماذا بشأن العلاج المناعي؟". وعندما طلبتُ ذلك على مضض من أخصائي الأورام، لم يسخر، بل رد بهدوء: "قد ينجح الأمر"، كما لو كان لا يُقدِّر ما يقول تماماً.

فأخصائيو الأورام يرون أنَّ المرضى الذين كان يمكن القول إنَّ حالاتهم أصبحت ميؤوساً منها في السابق يستجيبون بصورةٍ كبيرة للعلاجات الجديدة.

فأحد أخصائيي السرطان النخاعي المتعدد، وهو سرطان نخاع عظمي مصحوب بتوقعات غير مُبشِّرة مسبقاً، عالج مريضاً بنوع جديد من العلاج المناعي. قال: "أظن أنَّني عالجتُ أول مريض لي من السرطان النخاعي المتعدد". كان صوته مليئاً بالمهابة، وهو يقولها حسب واشتر.

الأمر ليس بهذه البساطة

تبدو هذه أخباراً رائعة للمرضى وأحبائهم. ولو كانت هذه العلاجات الجديدة نجحت على معظم الحالات، لأصبحت هذه قصة سعيدة بلا شك، ولكنَّها لا تنجح.

إذ قدَّر تحليل حديث أنَّ نسبة المرضى ذوي الحالات المتأخرة الذين قد يستفيدون من العلاج المناعي بنحو 15% فقط، وهذه نسبة عامة يستحيل معها معرفة أي المرضى سيكون هو المحظوظ.

في الأسبوع الماضي، أظهرت دراسة عن مرضى سرطان الرئة، الفوائد العامة من دمج العلاج المناعي بالعلاج الكيميائي التقليدي. لكن هنا أيضاً أشار الباحثون إلى أنَّ معظم المرضى لن يستجيبوا للعلاجات الجديدة، وليس من الممكن بعد توقع أي المرضى سيكون بمقدورهم الاستفادة من العلاجات.

وفي بعض الحالات، تكون الآثار الجانبية مرعبة، وهي آثار جانبية مختلفة عن تلك التي يسببها العلاج الكيميائي، لكنَّها في كثير من الأحيان تكون مريعة بنفس القدر.

ويبدو أن المشكلة أيضاً موجودة في نظم التأمين الصحي أو الطبي. إذ يقول روبرت واشتر في نظامنا الثنائي (النظام الأميركي) الذي يجبر المرضى على الاختيار بين هدف الراحة أو العلاج- يعني ذلك أنَّ المعظم سينصرفون عن الرعاية التلطيفية للحصول على العلاجات الجديدة، مما يعني أنهم قد يعانون من الآلام، وقد لا يستفيدون من هذه العلاجات الجديدة، أو قد يفعلون ذلك في بضعة أيام فقط في حياتهم، بعد أن عانوا لمدة أسابيع أو أشهر دون داعٍ. مما يخلق حالة الالتباس حول القرار بالاختيار بين الرعاية التلطيفية والعلاجات الجديدة.

 ما الذي يمكن فعله للتخفيف من ذلك؟

 اتضح أنَّ العديد من المرضى يمكنهم الاستفادة من الطرق التلطيفية، حتى وإن استمروا في رحلة العلاج الشرس ضد السرطان.

ففي عام 2016، أوصت الجمعية الأميركية لعلم الأورام السريري بأنَّ الرعاية المتزامنة -أي تلقّي الرعاية التلطيفية والعلاجية في ذات الوقت- متاحة للحالات المتأخرة من مرضى السرطان.

إذن لا بد من إلغاء القوانين التي تجبر المرضى على الاختيار بين طريقة وأخرى، وبالأخص تلك التي تربط بين إمكانية تغطية أموال الضمان للرعاية التلطيفية أو الرعاية أثناء الاحتضار، وبين وقف العلاجات التي تستهدف معالجة السرطان بصورة مباشرة.

ثانياً، يجب تدريب الأطباء أكثر على خوض النقاشات الصعبة مع المرضى في ضوء علاجات السرطان الجديدة. سيحتاج الأطباء أن يكونوا أكثر مرونة مع الالتباس المتوقع، والاطلاع أكثر على الفوائد والأضرار المحتملة للعلاجات الجديدة.

 يقول دكتور واشتر في ختام مقاله: الخبر الحزين لبعض المرضى هو أنَّ العلاج سيكون صعب المنال. وبينما نستمر في متابعة التقدم في علاج السرطان، دعونا نتأكد من أنَّنا لا نسلب المرضى المحتضرين معجزة أصغر وأكثر دقة، وهي الموت بكرامة وراحة، موتاً خالياً من الألم والضيق.

تحميل المزيد