كيف رأى أحمد خالد توفيق الموت؟.. بسيطاً ومختصراً وسريعاً

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/04 الساعة 05:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/04 الساعة 19:03 بتوقيت غرينتش

غيَّب الموت الكاتب المصري الكبير أحمد خالد توفيق، يوم 2 أبريل/نيسان 2018، إثر أزمة قلبية تعرَّض لها، ولا يُعدُّ "توفيق" كاتباً أدبياً فحسب، إنما يحظى بمكانته صديقاً لطفولة الكثير من جيل الشباب المصري الحالي، الذين اعتادوا دوماً اقتناء كُتيباته الصغيرة، ومن أشهرها سلسلة "ما وراء الطبيعة".

ارتبط هؤلاء الشباب بالبطل الشهير لتلك السلسلة، الدكتور رفعت إسماعيل، الذي واجه المذؤوبين مصاصي الدماء، وعاد من جانب النجوم، ورغم أن "إسماعيل" كان من الشخصيات التي تفتقر لكل  صفات البطولة، إذ ظهر كعجوز ضئيل البنيان، أصلع الرأس، ومدخن شره، إلا أنَّه جسَّد ما بحث عنه أطفال الماضي من نقص وإخفاقات وضعف بشري.

مثَّلت كُتيبات "توفيق" وشخصياتها الرئيسية الرفيق المخلص للكثير من الأطفال، وعندما كبروا وجدوها تجسِّد جزءاً ثميناً من ذاكرتهم، تحكي لهم عن كاتب فهم طبائعهم الإنسانية المنقوصة، ولم يتعامل معهم كأبطال خارقين، وهو ربما ما دفع الكثيرَ منهم إلى تكبُّد عناء السفر إلى مدينة طنطا لحضور جنازته.

تعرَّض الكاتب المصري الشهير في كثير من كتاباته ولقاءاته لموضوع الموت، وطرحه من زوايا مختلفة، حسبما رآه، فلم يدَّعِ الشجاعة المزيَّفة في مواجهته، وإنما اعترف بضعفه الإنساني أمامه، ونستعرض معاً مقتطفاتٍ تروي لنا كيف ترجم العرَّاب الموتَ، ذلك الزائر الثقيل، إلى كلمات بديعة.

 إذاً كان هذا هو الموت.. بسيطاً ومختصراً وسريعاً- رواية قهوة باليورانيوم

الكتابة عملية شديدة التعقيد، تحمل بين طياتها الكثير، لذلك لا يمكن التعامل معها بالمنطق الخالص، لكثرة ما تتضمن من خيال، ولكن أن يتحول هذا الخيال إلى واقع فهو أمر لا يصدق، ففي روايته "قهوة باليورانيوم" كتب أحمد خالد توفيق: "كان من الوارد جداً أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 أبريل بعد صلاة الظهر"، وهو بالضبط نفس التوقيت الذي شُيِّعت فيه جنازة الكاتب، فهل يمكن أن نكتب أقدارنا دون أن ندري؟

يصف "توفيق" الموت في الرواية قائلاً: "إذاً كان هذا هو الموت، بدا لي بسيطاً ومختصراً وسريعاً بهذه البساطة، أنت هنا.. أنت لم تعد هنا، والأغرب أني لم أرَ شيئاً من تجربة الدنو من الموت (NDE) التي كتبت عنها مراراً".

شغلت فكرة الموت عقل "توفيق" طوال حياته، ربما يكون سر ذلك هو توقف قلبه 4 مرات، عاد في كل مرة بعدها لينبض بالحياة، ما جعل الموت زائراً متوقعاً بالنسبة إليه.

 الموت هو اللعبة العظمى التي لم نجربها بعد- رواية يوتوبيا

تناول الكاتب المصري من خلال روايته الأشهر يوتوبيا، الفجوات الاجتماعية والطبقية المتباعدة بين أبناء المجتمع الواحد، وهي عمل تنبؤي لشكل الدولة المصرية خلال عام 2023م، وقد استخدم توفيق ثيمة أدب المدينة الفاسدة، أو ما يُعرف بـ "الديستوبيا" ليقدِّم لنا عملاً يحمل الكثير من التشاؤم والسوداوية.

يتضح من خلال قراءة الرواية، أن الموت لم يكن الفكرة الوحيدة التي تنبأ بها توفيق وتحقَّقت على الواقع، وإنما حدث ذلك أيضاً فيما يخصُّ انقسام المجتمع المصري إلى طبقتين، إحداهما فاحشة الثراء والأخرى شديدة الفقر.

من خلال أحداث الرواية يُقرِّر البطلُ المدلَّل، المنتمي إلى الطبقة الثرية وصديقته التسلل خارج مدينة يوتوبيا، التي تضم الأثرياء؛ من أجل الفوز بصيد بشري مناسب من طبقة الفقراء، وينجح في النهاية في قتل الفقير، بل ويتفاخر بذلك، وهنا يظهر الموت كلعبة يلعبها الأغنياء بالفقراء، من خلال التحكم في أرواحهم وكرامتهم وحريتهم ومشاعرهم، إلى جانب مواردهم الاقتصادية.

 الموت يختار ببراعة.. يختار الأفضل والأنبل والاشجع-  رواية من أجل طروادة

تنتمي رواية "من أجل طروادة" إلى أدب الفانتازيا، ونُشرت للمرة الأولى عام 2003م، وتناول أحمد خالد توفيق فيها عالم الملاحم الإغريقية والمحاربين القدامى، باستعراض حرب طروادة الأولى، وأحداث العودة في الحرب الثانية، بالإضافة إلى وقائع ملحمتي الإلياذة والأوديسة للشاعر اليوناني هوميروس، لكن بالطريقة المميزة الراسخة في أذهان محبي العراب.

من خلال صفحات الرواية يؤكد لنا "توفيق" بطريقته الفلسفية الرائعة، أن الموت يختار ببراعة الشجعان الذين يحاربون من أجل الكرامة.. يختار الأفضل والأنبل والأشجع، ويدعوهم قائلاً: "تعالوا أيها المحاربون الشجعان ننتقم لكرامتنا.. تعالوا يا محاربي إسبرطة العظام.. تعال يا أخيل.. ويا أجا ممنون ويا نسطور نجتاح أسوار طروادة.. نحرق حقولها.. نبيد شعبها.. نحيلها إلى خراب ولينشد هوميروس على قيثارته قصة مجدنا".

 لا أخاف الموت.. أخاف أن أموت قبل أن أحيا- كتاب قصاصات قابلة للحرق

قصاصات قابلة للحرق، كتيب صغير لأحمد خالد توفيق، يضم الكثير من الموضوعات المتباينة في الطول، لذلك يعد عملاً أدبياً خفيفاً وقوياً في الوقت ذاته، ورغم تنوع موضوعاته فإنها تصبُّ في النهاية في فكرة واحدة، هي أن الموت تقل هيبته أمام البسطاء والأقوياء الذين على الرغم من كل شيء قرَّروا خوضَ غمار هذه الحياة بكل جرأة وشجاعة، كما قرَّروا في الوقت ذاته أن يكونوا أنفسهم.

يؤكد توفيق في قصاصاته على أن مواجهة الموت تكون بعيش الحياة؛ وأن الموت يتجلى في الكثير من الأشكال، كأن نكون أحداً آخر خلاف أنفسنا، أو أن نموت بالبطيء متورطين في علاقات إنسانية لا تشبهنا، مؤكداً أنه يمكننا مواجهة الموت عبر اقتناص فرصة الحياة، وأن نكون أنفسنا دائماً، ولذلك كتب معبراً: "لا أخاف الموت.. أخاف أن أموت قبل أن أحيا".

 أنا أخشى الموت كثيراً- حسابه في "تويتر"

تظهر الطبيعة الإنسانية لأحمد خالد توفيق من خلال إحدى تغريداته، التي يقول فيها: "أنا أخشى الموت كثيراً، ولست من هؤلاء المدَّعين الذين يرددون في فخر طفولي نحن لا نهاب الموت، كيف لا أهابُ الموتَ وأنا غيرُ مستعدٍ لمواجهة خالقي".

فعلى الرغم من إسهابه في تناول فكرة الموت، فإن ذلك لم يمنعه من التصريح بأنه يخشاه، وهذا ما يؤكد لنا أن مخاوفنا لا تزول بالكتابة، فربما نكتب عنها ونواجهها على الورق، لكن على أرض الواقع نخاف من كل ما يُخيف غيرنا من بني الإنسان.

وداعاً أيها الغريب- العدد 53 من سلسلة ما وراء الطبيعة- أسطورة النبوءة

"وداعاً أيها الغريب.. كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة.. عسى أن تجد جنتك التي فتَّشت عنها كثيراً.. وداعاً أيها الغريب.. كانت زيارتك رقصة من رقصات الظل.. قطرة من قطرات الندى قبل شروق الشمس.. لحناً سمعناه لثوانٍ هنالك من الدغل.. ثم هززنا الرؤوس وقلنا إننا توهَّمناه.. وداعاً أيها الغريب.. لكن كل شيء ينتهي".

بهذا الكلمات الموجزة التي يُجسِّد فيها فكرةَ الخوف من المجهول، قدَّم الكاتب المصري رؤيته للموت، في العدد الثالث والخمسين من سلسلة من سلسلة ما وراء الطبيعة، الذي حمل اسم "أسطورة النبوءة".

الأفارقة يرقصون للموت- رواية رقصة الموت

في روايته "رقصة الموت"، ذكر الكاتب أحمد خالد توفيق في إحدى صفحاتها: "إن الأفارقة يرقصون دوماً.. يرقصون للفرح ويرقصون للحزن.. يرقصون للحب ويرقصون للمقت.. يرقصون للحياة ويرقصون للموت".

تأتي الرواية ضمن سلسلة سافاري، وبطلها الدكتور علاء عبدالعظيم، الذي يزور أدغال إفريقيا وتحديداً قبائل الكيكويو، التي انتشر بينها مرض الكورو، أو ما يُعرف بـ"الضحك المميت"، وهو عبارة عن فيروس يصيب الجهاز العصبي المركزي، ويُدخِل المريضَ في حالةٍ من الضحك الهستيري، التي تؤدي بدورها للوفاة، وكان الأفارقة يواجهون هذا المرض الذي سيُنهي حياتَهم بالرقص.

ربما السر وراء ذلك يرجع لأن الرقص قبل الموت يمثل إحساساً بالتحرُّر في أكمل صورة، فلا شيء يمنح الإنسان إحساسَ الحرية كالرقص، وهو المعنى ذاته الذي أكد عليه الفيلسوف الألماني نيتشه، فقد رأى أن الرقص يعبر عن عنفوان الإنسان وتحديه لرتابة إيقاع الوجود.

 

تحميل المزيد