لماذا تتصارع “نسور” أوروبا في كأس العالم؟ خلافٌ مسيحي قديم على “بيزنطة الثانية” و”روما الثالثة”

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/30 الساعة 17:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/06 الساعة 00:21 بتوقيت غرينتش

بعد أن ظهر في كأس أوروبا 2016 بفرنسا وكأس القارات 2017 التي استضافتها روسيا، غاب النسر ذو الرأسين الذي يعتبر رمزاً وطنياً روسياً عن ملابس الرياضيين المشاركين في دورة الألعاب الأولومبية الشتوية في فبراير/شباط 2018 بكوريا الجنوبية.

الرياضيون الروس ارتدوا حينها ملابس رمادية محايدة بعد أن حرمتهم اللجنة الأولومبية من استخدام رمز وعلم بلادهم بسبب "تلاعب ممنهج وغير مسبوق من قبل الدولة في برنامج مكافحة المنشطات" – حسب اللجنة -.

هذا النسر ذو الرأسين الذي يتنازعه الرياضيون الروس والألمان ليس رمزاً حديثاً؛ بل صراعاً قديماً على "بيزنطة الثانية" أو "روما الثالثة"!

 

رمز تاريخي.. ديني وسياسي

بعيداً عن الرياضة، كان للنسر ذي الرأسين دلالات دينية منذ قديم الزمان؛ ففي الشرق القديم، استخدمه اليهود في الأيقونات الدينية لدى الحيثيين الذين سكنوا آسيا الصغرى وشمال بلاد الشام نحو 3000 سنة قبل الميلاد. كما كان هذا الرمز معروفاً أيضاً في الأندلس العربية وفي فرنسا وبلغاريا.

ومنذ القرن الـ 13 أصبح أكثر انتشاراً، في البلاد الإسلامية إذ كان يستخدم في سلطنتي سلاجقة الروم والمماليك.

 

الصراع الأوروبي على النسر ذي الوجهين

أوروبياً، استُخدم رمز النسر ذو الرأسين من قبل الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية)، وكان يرمز إلى سيطرة الإمبراطورية على الشرق والغرب.

وبعد انهيار الدولة البيزنطية، انتقل الرمز إلى روسيا، ثم النمسا وألمانيا وألبانيا وإيطاليا والجبل الأسود وصربيا، واليونان حيث يرفع كعلم الكنيسة الأرثوذكسية فيها.

فبعد تفكك الإمبراطورية الرومانية المقدسة في العام 1806، سعت كل من الإمبراطورية النمساوية والإمبرطورية الألمانية لادعاء وراثتها وتنازعتا أيضاً لقب "روما الثالثة" لكن اللقب ارتبط أكثر بالمملكة الإيطالية التي أنشئت سنة 1861 واستخدمه بينيتو موسوليني خلال حملته التوسعية شعاراً لإيطاليا الفاشية.

 

النسر ذو الرأسين، على علم الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية

 

هنا موسكو.. القسطنطينية الثانية أو روما الثالثة!

ظلت روما عاصمة الرومان طوال 700 سنة منذ القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي وكانت أيضاً مقر البابوية.

وظلت القسطنطينية (اسطنبول حالياً) التي تلقب أيضاً "روما الثانية"، عاصمةً للدولة البيزنطية الرومانية الشرقية طوال 11 قرناً حتى فتحها العثمانيون في القرن الـ 15.

لكن مع سقوط ترنوفو بيد العثمانيين في العام 1393 وقربهم من العاصمة القسطنطينية، قرر عدد من رجال الدين البلغار اللجوء إلى الأراضي الروسية ونقل فكرة "روما الثالثة" إلى هناك. وبالفعل، بعد فتح القسطنطينية على يد العثمانيين في 29 مايو/أيار 1453، رشح بعض الأرثوذوكس الشرقيين موسكو لتكون "روما الثالثة" أو "روما الجديدة".

بدأت بوادر هذا الشعور خلال حكم إيفان الثالث الذي تزوج صوفيا ابنة أخ قسطنطين الحادي عشر – آخر إمبراطور بيزنطي -. فوفقاً لقواعد وأحكام التوريث المتبعة من معظم الملكيات الأوروبية، استطاع إيفان أن يدّعي هو ونسله أنهم ورثة الإمبراطورية الراحلة، لكن التقاليد الرومانية لم يسبق لها أن عرفت التوريث التلقائي للمنصب الإمبراطوري.

فكرة وراثة موسكو لروما في مكانتها الدينية تلبلورت في الرسالة التي بعثها راهب بسكوف الروسي فيلوثيوس (فيلوفي) إلى ابنه الدوق الكبير فاسيلي الثالث في العان 1510، والتي قال فيها "لقد سقطت روميتان. الثالثة قائمة. ولن يكون هنالك رابعة. لن يستطيع أحد أن يستبدل حكمك!".

وعلى عكس سوء الفهم الشائع، فإن فيلوفي يعرف بوضوح أن روما الثالثة هي موسكوفي (الدولة) بدلاً من موسكو (المدينة)، بالرغم من أن مصطلح "موسكوفي" اعتبر مرادفاً للأراضي الروسية آنذاك. وبشكل خاص بعض الشيء فإن موسكو بُنيت على سبع جبال مثل روما والقسطنطينية.

النسر ذو الرأسين كشعار رياضي روسي

 

هكذا ردت أوروبا الغربية على مزاعم موسكو

في المقابل ترى ألمانيا أنها وريثة "الإمبراطورية الرومانية المقدسة" التي كانت بدورها تعتبر نفسها وريثة الإمبراطورية البيزنطية بعد سقوطها.

وضمت أراضي الإمبراطورية الرومانية (962 – 1806) أجزاء واسعة من أوروبا؛ منها النمسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، وشدّد مقطعٌ في وثيقة تأسيسيها على دور خاص "للأمة الألمانية" في استعادة روح الإمبراطورية البيزنطية.

وفي العام 1504، حدث انشقاق كنائس الشرق والغرب عن بعضها البعض، مشكلة بذلك فرع غربي لاتيني (كاثوليكي) وفرع شرقي بيزنطي (أرثوذكسي)، لكن الإمبراطورية الرومانية ظلت تسخدم شعار "النسر ذو الوجهين" للتأكيد على روحها البيزنطية رغم الخلاف المذهبي.

النسر ذو الرأسين على كنيسة نمساوية

 

نسور كأس العالم 2018

وبالعودة إلى تواجد النسر "المتنازع عليه" على قمصان الرياضيين الأوروبيين، سيشهد كأس العالم 2018 ظهور النسر الألماني ذو الرأس الواحد (Reichsadler) وهو الشعار الوطني للبلاد. وهو مستمد من النسر الروماني ولا يزال يستخدم كشعار عسكري ورياضي. وقبل ألمانيا الاتحادية، كان يستخدم في الإمبراطورية الألمانية الثانية (1871-1918)، وفي الجمهورية الألمانية (1919-1933)، ثم في عهد الرايخ الثالث أو ما يعرف بـ "ألمانيا النازية" (1933-1945).

وبخلاف ألمانيا وروسيا، يشارك في كأس العالم 2018 المنتخب النيجيري والمنتخب الياباني اللذان يستخدمان رمز النسر في شعاراتهما الوطنية أيضاً.

تحميل المزيد