«جمعة كلنا في العاصمة».. زحف من كل أنحاء الجزائر ضد انتخابات الجيش الرئاسية

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/31 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/01 الساعة 12:40 بتوقيت غرينتش
المتظاهرون الجزائريون يجهزون لمظاهرات غير مسبوقة/رويترز

مصادفة قد تكون غير سعيدة للنظام الحاكم بالجزائر، إذ تتزامُن الجمعة الـ37 للحراك الشعبي  الجزائري، مع الذكرى الـ 65 لاندلاع ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي،  الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وسط توقعات بأن يؤدي ذلك زيادة حماس المحتجين الغاضبين من إصرار السلطة على إجراء الانتخابات الرئاسية.

ويعتزم المحتجون الجزائريون أن يكون خروجهم إلى الشارع الأضخم على الإطلاق منذ أول مسيرة لهم في 22 فبراير/شباط 2019، رداً على تحرك السلطات ومن ورائهم المؤسسة العسكرية لفرض الانتخابات الرئاسية في وقتها المحدد 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.  

كلنا في العاصمة

توحد الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال حملة تدعو إلى الزحف نحو العاصمة يوم الجمعة 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، للمشاركة في أضخم حراك ورافض للانتخابات ومطالب برحيل بقايا النظام السابق.

ويظهر فيديو تم إعداده خصيصاً لهذه الحملة عدداً من الشباب من مختلف ولايات البلاد وهم يدعون إلى الخروج وبكثافة يوم الجمعة من خلال عنوان "كلنا في العاصمة"، وحقق الفيديو انتشاراً كبيراً ومتابعة قياسية.

كما نشر المعارض الجزائري المستقر في بريطانيا محمد العربي زيتوت عبر صفحته بفيسبوك، منشوراً يدعو إلى الخروج بقوة إلى العاصمة لتحرير البلد ممن وصفهم ببقايا نظام بوتفليقة، ومنع تنظيم انتخابات مزورة، حسب تعبيره ، مع الحرص على مطلب إطلاق سراح مسجوني الرأي وبناء دولة ديمقراطية.

وسرعان ما انتشر هاشتاغ "كلنا في العاصمة"،  طوال الأسبوع الجاري استعداداً للجمعة السابعة والثلاثين من الحراك.

دخول العاصمة سيراً على الأقدام وعبر الحافلات

ترتيبات المتظاهرين الجزائريين لدخول العاصمة والاحتجاج على   تنظيم الانتخابات والمطالبة برحيل بقايا النظام البوتفليقي، وصلت إلى حد تجهيز مئات الحافلات عبر مختلف ولايات البلاد.

في وقت باشر فيه العشرات من الشباب، عبر مختلف الولايات القريبة من العاصمة تنظيم مسيرات سلمية سيراً على الأقدام لدخول العاصمة، ومنها حتى التي انطلقت الثلاثاء والأربعاء الماضيين كما فعل الشباب بولاية تيزي وزو 150 كلم شرق الجزائر.

ويقول الناشط  فؤاد براقي المتواجد ضمن مسيرة السير على الأقدام نحو العاصمة انطلاقاً من ولاية تيزي وزو، إن هذه الخطوات مهمة جداً لإنقاذ البلد من بقايا نظام العصابات، كما وصفه، ودعا الجزائريين للخروج الجمعة المقبل لتأكيد حضارية الحراك والتمسك بالمطالب.

ويضيف قائلاً لـ "عربي بوست": "إن الانطلاق في المسيرة كان صباح الثلاثاء 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، على أمل أن نحشد للمسيرة أكثر من خلال المدن والبلدات التي تصادفنا في الطريق نحو العاصمة".

ويأمل  أن تصل أعداد المنضمين إلى مسيرة تيزي وزو المليون شخص سيدخلون العاصمة من الباب الشرقي لها.

وكان عدد من الشباب قد انطلقوا اليوم من ولاية سطيف 350 كلم شرق العاصمة، للمشاركة في مسيرة الجمعة، وقال أحدهم باللغة الأمازيغية: "نحن متوجهون إلى العاصمة بحثاً على الحرية"، وقال الآخر: "من سطيف كلنا في العاصمة"، أما الثالث فتحدث بالأمازيغية قائلاً: "نذهب إلى العاصمة لإسقاط انتخابات الهف (التزوير)" .

الجمعة الفاصلة

يرى الناشط السياسي والمناضل بحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض عثمان بن الصيد، إن الجمعة الموافقة للأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ستكون مفصلية بامتياز وستغير كثيرا من المعطيات.       

فالحشد الشعبي المنقطع النظير، بحسب وصفه، سيكون له أثر كبير في مسار الحراك، وتفكير السلطة والمؤسسة العسكرية في تنظيم الانتخابات في وقتها رغم الرفض القاطع للمواطنين.

 ويضيف عثمان بن الصيد: "المناخ غير موات سياسياً، والشعب يعي تماماً بأن تنظيم الانتخابات في هذا المناخ غير ممكن، وحتى عملية مراجعة الانتخابات توحي بأن الشعب غير مستعد نفسياً للمشاركة في التصويت".

ويتوقع أن يصل الشعب إلى مبتغاه، من خلال نجاح الحراك الكبير والضغط على السلطات ومن ورائها المؤسسة العسكرية للعدول أو تأجيل تنظيم الانتخابات إلى حين توفر الشروط اللازمة لتنظيمها.

وهو ما يذهب إليه الناشط في الحراك عادل بن يحيى الذي قال لـ "عربي بوست": "إن الحراك الذي أقال الرئيس، وألغى انتخابات أبريل/نيسان 2019، قادر على أن يلغي انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 ومن ورائها مخططات بقايا نظام الرئيس بوتفليقة".

 تسير إيمان، وهي طالبة صيدلة، في وسط العاصمة الجزائرية للمطالبة بعملية تطهير لا تستثني أحداً في سلم الرتب داخل التسلسل الهرمي للسلطة ووضع نهاية للفساد وانسحاب الجيش بعيداً عن أمور السياسة.

وعلى الرغم من أن بعض مطالبها تحققت، إلا أنها تعتزم مواصلة الاحتجاج كل أسبوع إلى جانب عشرات الألوف غيرها ممن لا يصدقون أن انتخابات ديسمبر/كانون الأول ستغير أي شيء طالما ظلت مقاليد الحكم والسلطة في يد صفوة حاكمة يلفها الغموض والضبابية.

وقالت الطالبة البالغة من العمر 23 عاماً لوكالة الأناضول: "نشارك في الحراك لأننا لبينا نداء الحرية وسئمنا من عيشة الذل ولن نتوقف حتى ننال حريتنا".

وأثار الفساد الكثير من الغضب الذي فجر احتجاجات هذا العام، لأن كثيراً من الجزائريين رأوا أن الوضع يتفاقم في السنوات الأخيرة مع تنفيذ الحكومة إصلاحات لتشجيع القطاع الخاص.

وقال اقتصاديون إن التغييرات لازمة للحد من الاعتماد على النفط الذي يمثل 85٪ من صادرات الجزائر. لكن بينما كان أعضاء النخبة الحاكمة وأقرباؤهم ورجال أعمالهم المقربون منهم يزدادون ثراء تنامى غضب عامة الشعب.

واحتلت الجزائر المرتبة 105 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية العام الماضي برصيد 35 نقطة على 100، أي أقل من المتوسط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وزاد الطين بلة عندما تراجعت أسعار النفط في 2014 لتضر باحتياطيات الجزائر من العملة الصعبة، وردت الحكومة على ذلك بخفض الإنفاق.

الانتخابات وهمية

ورفضت قوى البديل الديمقراطي في الجزائر خارطة طريق السلطة للخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد، واصفة انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول بـ "الوهمية".

وفي بيان أصدرته في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وعشية إحياء ذكرى اندلاع ثورة نوفمبر/تشرين الثاني، أكدت قوى البديل الديمقراطي أن ثورة 22 فبراير/شباط  السلمية أصبحت أقوى وأقوى، رغم دخولها شهرها التاسع ورغم محاولات القمع وخلق الانقسامات في صفوف الشعب الجزائري.

وانتقدت قوى التغيير الانتخابات الرئاسية القادمة، معتبرة إياها محاولة من النظام الاستبدادي لإعادة تجديد نفسه، مضيفة أن "الشعب الجزائري يطالب بالقطيعة الجذرية مع النظام برمته واسترجاع سيّادته الكاملة".

ويضيف البيان: "إن فترة الانتقال الديمقراطي تفرض نفسها  للسماح للشعب الجزائري من خلال مسار تأسيسي بأن يقرر بحرية طبيعة القاعدة المؤسساتية التي يرغب في إنشائها في جزائر الغد، وهذا يَمُر حتماً بإعداد واعتماد دستور جديد يعكس تطلعات الشعب الديمقراطية والاجتماعية".

كما طالبت قوى البديل الديمقراطي بالإفراج الفوري عن جميع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي، وتحرير المجال السياسي والإعلامي، والوقف الفوري لجميع أعمال القمع والمضايقات القضائية في حق النشطاء السياسيين، وإزالة جميع العقبات أمام الممارسة الفعلية للحريات الديمقراطية.

ولكنها ستجرى بالقوة

حناجر الملايين التي تصدح كل جمعة برفض الانتخابات في ظل بقاء وجوه النظام السابق في نظر القيادي في حزب حركة مجتمع السلم المعارض نعمان لعور، كانت تكفي لقراءة المشهد.

 وما نشاهده اليوم من تنافس في إيداع ملفات الترشح، والكلام حول إنجاح الرئاسيات وانتخاب رئيس جديد هو تحد واضح لرغبة الشعب، حسب قوله.

ويقول نعمان لعور لـ "عربي بوست": إن الجزائر مقبلة على تنظيم انتخابات بالقوة، يتم فرضها رغم رفض الشارع لها.

ويضيف: "كان الأولى من كل هذا التعجيل، الاهتمام بتوفير الأجواء المواتية لتنظيم الانتخابات والقضاء على وجوه النظام السابق".

 وبالنسبة للناشط بن سريح مصطفى "فإن إيداع ملفات الترشح والعمل على تنظيم الانتخابات مسرحية تهدف إلى كسر الحراك وفرض انتخابات مرفوضة".

الطرف الآخر: الانتخابات ستكون في موعدها وبحماية الجيش

في المقابل، أكد أحمد قايد صالح،  رئيس أركان الجيش الجزائري، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها المحدد يوم 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وقال القايد صالح، في كلمة ألقاها خلال زيارة عمل وتفتيش قادته إلى قيادة قوات الدفاع الجوي: "إن الجيش سيضمن مرافقة الشعب خلال الانتخابات وسيضمن نزاهتها بالتنسيق مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".

وأضاف  قائد أركان الجيش الجزائري: "الشباب بلغ درجة عالية من الوعي وهو مصمم على الذهاب إلى إجراء الانتخابات الرئاسية، كما أن الشباب سيقوم بإفشال مخططات العصابة وأذنابها الذين تعودوا على الابتزاز السياسي من خلال أبواق ناعقة تستغل بعض المنابر الإعلامية المغرضة".

وأوضح القايد صالح أن "ما يهدف إليه الشعب الجزائري برفقة جيشه هو إرساء أسس الدولة الوطنية الجديدة، كما سيتولى أمرها الرئيس المنتخب الذي سيحظى بثقة الشعب من خلال الانتخابات التي ستجرى في موعدها المحدد يوم 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل".

الجزائريون سيشاركون بقوة

يؤكد الناشط السياسي عادل العيدودي أن الانتخابات المقبلة ستنظم في موعدها، أي في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.

 يضيف العيدودي لـ "عربي بوست" أن "الانتخابات ستنظم وستكون نسبة المشاركة فيها قياسية، لأن الجزائريين متيقنون من أن الحل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية هو تعيين رئيس جديد يتولى شؤون البلاد". 

وتابع قائلاً: "لا شك أن اللوبيات السياسية والمالية المسجونة هي من يقف وراء الحملة اليائسة، من خلال تحريك الشارع لرفض الانتخابات، وذلك فقط لفتح باب التفاوض مع السلطة الحالية للخروج الآمن".

ويردف: "الغالبية العظمى بدأت تقتنع بأنه لا حل إلا عبر الانتخابات وأن التجمعات الأسبوعية والصور عبر فيسبوك لا يمكن أن تكون أداة قوية لقلب موازين القوة داخل منظومة الحكم، ولا توجد بدائل آمنة أخرى".

تحميل المزيد