حالة من الصَّدمة يعيشها الشارع المغربي، عقب انتشار شريط فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يوثق لمحاولة اغتصاب تلميذة بالشارع العام، على يد شاب، بعد أن أسقطها أرضاً مُحاولاً نزع ملابسها بالقوة، دون أن يأبه لتوسلاتها.
الجاني استمرَّ جاثماً فوق جسد الضحية، التي لا تتجاوز سنها الـ17 عاماً، محاولاً تجريدها من ملابسها، بينما صديق له يصور المشهد.
55 ثانية فقط مدة الشريط، كانت كفيلة بأن تشعل السخط والغضب على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذ ندَّد المغاربة بتصرف الشاب البالغ من العمر 21 سنة، في حق التلميذة القاصر، خاصة أن المعتدي كان يزيلُ ملابس الفتاة بتفاخر، فيما كان مرافقُه يصور مُجريات الأحداث بدم بارد، دون أن تجدي توسلات وصرخات الفتاة الملقاة أرضاً.
ووصل الأمر إلى أن البرلمان المغربي ناقش الجريمة، وأدانها بشدة، وطالب نوّابه الحكومة باتخاذ كافة الإجراءات بحق الجناة.
الألم: أكثر ما أغضب الشارع المغربي
كان من أكثر الأشياء التي أثّرت في الرأي العام وأغضبته كلمات قالتها الفتاة للشاب الذي يحاول اغتصابها "واشْ ما عَندكش خْتَك؟"، وهي تعني باللهجة العامية المغربية "أليس لديك أُخت؟".
صرخت بها وهي تحاول الإفلات، كلمات لخَّصت كلَّ شيء وفق نشطاء ومُدونين مغاربة، لتصبح الوَسم (الهاشتاغ) الأكثر انتشاراً، فيما تعالت مطالبات الكثيرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بإنزال أقصى العقوبات على المعتدي وصديقه!
بعد ساعات فقط، عقب انتشار هذا الشريط، أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني، مُباشرتها إجراء جُملة من البحث والتحريات، بهدف تحديد هوية المعتدي جنسياً على التلميذة المرتدية ملابس مدرسية بيضاء، فضلاً عن الكشف عن مكان وتوقيت ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، ليتم اعتقال الشاب المُعتدي بإحدى قرى مدينة بنجرير، قريباً من مراكش.
القناة الثانية المغربية نقلت عن السلطات أن الفتاة لم تُغتصب، وأنه تم تحديد هوية مصور الفيديو أيضاً.
والد الفتاة، كشف أن ابنته أخفت خبر الاعتداء عليها عن الأسرة، قائلاً "لا علم لي بما وقع بالرغم من مرور شهرين عليه، شاهدت الفيديو يوم أمس، وتألمت كثيراً لما أصابها، خاصة أنها ابنتي الصغرى، الهادئة، التي لا تثير أية مشكلات".
ولفت الأب البالغ من العمر 68 سنة إلى تغيّر حالة ابنته الفترة الماضية، بعد الحادث، دون أن يعرف السبب، قائلاً: بعين دامعة، إن ابنته التي يتم الاستماع إليها من قبل الأمن حالياً، كانت تُعاني طيلة الشهرين الماضيين من انعدام الشهية، وانخفض وزنها، وبات يغمى عليها في المدرسة، خاتماً كلامه بالقول: "أريد حق ابنتي، أصابها ظلم كبير، ولو تركوني لأخذت حقها وحقي بيَدَي".
السبب: انحلال أم كبت
واقعة الاعتداء الجنسي هذه، أعادت ذاكرة المغاربة شهوراً إلى الوراء، وذكَّرتهم بحادثة الاعتداء الشنيعة على شابة مُختلة عقلياً من قبل مجموعة من اليافعين، كانوا جميعاً على متن حافلة نقل عمومي بمدينة الدار البيضاء.
تكرار هذه الجرائم أثار تساؤلات وجدلاً حول أسباب وقوعها.
الناشطة المدنية نجاة أديب، عزت انتشار حالات التحرش والاغتصاب إلى "عدم وجود رادع قانوني كافٍ لإيقاف هذه الظاهرة.
ورأت في تصريح لـ "عربي بوست"، أن تطبيق عقوبة الإعدام وبشكل بطيء على المغتصبين هو الحل الأمثل"، وفق تعبيرها.
جريمة الاعتداء الحقيرة التي صدمت المغاربة "تعكس الواقع المُزري الذي بات يعيشه المجتمع المغربي، والانحلال الخلقي، والنَّزعة العُداونية التي تطغى على جزء ممسوخ من هذا الجيل"، هكذا فسَّر عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، غير حكومي، أسباب الجريمة من وجهة نظره.
وقال لـ"عربي بوست": "الاعتداءات الجنسية والعنف ضد الفتيات ليس وليد اليوم، رغم أن الوضع أصبح بشعاً وأكثر عدداً، قياساً مع الماضي، لكن التوثيق المرئي لهذه الأحداث هو الذي يفضحها".
واعتبر أن السبب الرئيسي وراء هذه الجرائم يتمثل في "مُيوعة العلاقات والسلوك الاجتماعي المفرط لدى هذا الجيل"، حسب تعبيره.
ودعا الخُضري إلى تعميق دراسة علاقة هذا الأمر بهذه الظواهر الإجرامية، وتابع بالقول: "على المجتمع المدني أن يسهم كذلك في إيجاد حلول لهذه المشكلة المعقدة، فلو لم يتم تسريب هذا الفيديو لما كانت هناك هذه الضجة، ولو بلَّغت هذه الفتاة بالمعتدين عليها، لما لاقت شكواها تجاوباً".
بينما رأى البعض أن مشكلة الاغتصاب في المغرب لا تنحصر أسبابها فقط عند سلوك إجرامي لأحدهم يتم ردعه فقط بعقوبات حازمة، بل هي نتيجة كبت جنسي يتشبّعه الآلاف من المغاربة في المجتمع، منهم من يتحرر منه لاحقاً، ومنهم من يكبر معه، إضافة إلى تأثير المعارك الأيديولوجية للمعلمين في المدارس، حيث يعزز بعضهم الفصل بين الجنسين.
الردع: عقوبات قاسية أم القتال
عدد من الأصوات الحقوقية، خرجت تطالب بالتعامل بحزم مع القضية، وعلقت نجاة أنور رئيسة منظمة "ما تقيش ولدي"، (لا تلمس طفلي)، غير حكومية، على ما حدث بالقول: "إن هذا الفعل الشنيع خطر على حياة الأطفال من جهة، وضربة لكل الجهود التي يبذلها المغرب للنهوض بحقوق الطفل"، مطالبة وزير العدل والحريات بفتح تحقيق عاجل وتقديم الجناة للمحاكمة.
وإذا كانت مطالب نجاة أنور الفاعلة اقتصرت على المحاكمة، فإن ناجية أديب، رئيس جمعية "ماتقيش ولادي"، (لا تلمس أولادي)، غير حكومية، طالبت بـ"تطبيق عقوبة الإعدام على المراهق"، موضحة أن "عدم تطبيق الإعدام في حالات الاغتصاب، سينتج عنه ظهور حالات أخرى وأنواع أفظع من الاغتصاب في المستقبل"، وأن يكون الإعدام ببطء.
بينما دعا آخرون الفتيات لتعلم فنون القتال لحماية أنفسهن، وكتبت الناشطة إيمان فهمي: "إذا أنجبتِ أنثى في هذا الوطن فعلِّميها كيف تقاوم… كيف تكون قوية وشجاعة… مقدامة لا تخاف… كيف تناضل… أخبريها أنها في غابة مكتظة بالوحوش"، قبل أن تضيف: "علِّميها الرياضة والتايكوندو والكاراتيه والسباحة وركوب الخيل ورمي الحجارة والنتف والضرب".