مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب استبدال مستشاره للأمن القومي هيبرت ماكماستر، وتعيين جون بولتن بدلاً منه، أثيرت التساؤلات عن رؤية ترامب الجديدة لإيران ورغبته الحقيقية لشنِّ حرب على طهران وتمزيق الاتفاق النووي الموقع قبل عدة أعوام، بسبب لجوئه إلى الصقور في إدارته.
وقال موقع إنترسبت الأميركي، السبت 24 مارس/آذار 2018، كان من بين الذين أزعجهم اختيار الرئيس دونالد ترامب لجون بولتن مستشاراً جديداً للأمن القومي يوم الخميس، 22 مارس/آذار، مؤيدون للاتفاق النووي الإيراني، وهو الاتفاق الدولي الذي أُبرِمَ عام 2015 بهدف كبح البرنامج النووي الإيراني مقابل رفعٍ جزئي للعقوبات الاقتصادية.
لاحظ روب مالي، الذي نسَّق سياسة الشرق الأوسط في ظل إدارة أوباما، أنَّ تعيين بولتون، إلى جانب ترشيح مايك بومبيو، الذي ينتقد الاتفاق الإيراني، وزيراً للخارجية، يبدو أنَّه يشير إلى أنَّ الاتفاقية "ستموت وتُدفَن" على الأرجح في غضون أشهر. كتب تريتا بارسي، رئيس المجلس القومي الإيراني الأميركي على تويتر: "أيها الناس، ليكن ذلك واضحاً للغاية: تعيين بولتون هو في الأساس إعلان حرب على إيران. بتعيين بومبيو وبولتون، فإنَّ ترامب يُشكِّل "مجلساً للحرب"، بحسب الموقع الأميركي.
People, let this be very clear: The appointment of Bolton is essentially a declaration of war with Iran.
With Pompeo and Bolton, Trump is assembling a WAR CABINET.
If we want peace, Pompeo MUST be blocked in the Senate. A vote for him is a vote for war. https://t.co/6TF2pdhJAG
— Trita Parsi (@tparsi) March 22, 2018
وأضاف الموقع الأميركي كان انزعاجهم مفهوماً، إذ لم يطالب بولتون فقط بانسحاب إدارة ترامب من الصفقة النووية، بل دعا مُسبقاً إلى قصف إيران نفسها. قضى بولتون عقداً من الزمان تقريباً يطالب الولايات المتحدة بالمساعدة على إسقاط الحكومة الدينية في طهران، وتسليم السلطة إلى حركة أشبه بالطائفة شكَّلتها مجموعةٌ من المنفيين الإيرانيين، لا تحظى بدعمٍ حقيقي داخل البلاد.
وقال على تويتر: "الانسحاب من صفقة إيران النووية يجب أن يكون أولويةً عليا لإدارة دونالد ترامب".
Withdrawing from the Iran #NuclearDeal should be a top @realDonaldTrump administration priority.
— John Bolton (@AmbJohnBolton) July 17, 2017
وقبل ثمانية أشهر فقط، في اجتماعٍ بالعاصمة الفرنسية باريس، أخبر بولتون أعضاء الحركة، المعروفة باسم مجاهدي خلق، أو مجاهدي الشعب، أنَّ على إدارة ترامب تبنّي هدفها لإحداث تغيير فوري في النظام الإيراني، والاعتراف بالحركة بديلاً "قابلاً للتطبيق".
وقال بولتون: "يجب أن تكون نتيجة المراجعة السياسية للرئيس هي أخذ قرار بأنَّ ثورة آية الله الخميني عام 1979 لن تستمر حتى ذكراها الأربعين"، (ستوافق الذكرى السنوية الأربعين للثورة الإيرانية، 11 فبراير/شباط عام 2019)، وأضاف: "يجب أن تكون السياسة المُعلَنة للولايات المتحدة هي إطاحة نظام الملالي في طهران. إنَّ سلوك وأهداف النظام لن تتغيَّر، وبالتالي يبقى الحل الوحيد هو تغيير النظام نفسه".
وكما أشار الصحفي الإيراني المنفي بهمن كباسي، اختتم بولتون خطابه إلى الحركة بوعده المُحفِّز: "لهذا السبب، قبل عام 2019، سيحتفل الموجودون هنا في طهران ذاتها!"، بحسب الموقع الأميركي.
وغرَّد كباسي على تويتر قائلاً: "صورة لجون بولتون قبل 8 أشهر بين مؤيدي حركة مجاهدي خلق وهو يخبرهم بأنَّهم سيطيحون النظام الإيراني ويحتفلون في طهران مع بولتون نفسه، "قبيل عام 2019".
#JohnBolton 8 months ago among MEK supporters tells them they will overthrow #Iran's regime and celebrate in #Tehran with Bolton himself present, "before 2019" pic.twitter.com/H7oaaU3faU
— Bahman Kalbasi (@BahmanKalbasi) March 22, 2018
ما خطته لتغيير النظام الإيراني؟
وبحسب الموقع الأميركي لفهم كم هو غريب أنَّ يُقدِّم الرجل الذي سيصبح أكبر مسؤول في الأمن القومي للرئيس الأميركي مثل هذا الوعد إلى حركة مجاهدي خلق، من المهم أن نعرف أنَّه حتى وقتٍ قريب، كان أولئك المنفيون الإيرانيون قد أمضوا ثلاثة عقود في محاولةٍ لتحقيق أهدافهم باستخدام العنف، بما في ذلك الهجمات الإرهابية.
بعدما ساعد أعضاء حركة مجاهدي خلق على التحريض على ثورة 1979، جزئياً بقتل مدنيين أميركيين كانوا يعملون في طهران، خسرت الحركة بعد ذلك صراعاً مريراً على السلطة أمام الإسلاميين، بقيادة زعيم الثورة آية الله الخميني، وبعد أن أُجبِرَت قيادتها على الفرار من إيران في عام 1981، أنشأ أعضاء مجاهدي خلق حكومة في المنفى بفرنسا، وأنشأوا كذلك قاعدةً عسكرية في العراق، حيث منحهم صدام حسين الأسلحة ودرَّبَهم فيما يُعد جزءاً من استراتيجيةٍ لزعزعة استقرار الحكومة في طهران، التي كان في حالة حرب معها في ذلك الوقت.
في السنوات الأخيرة، بحسب الموقع الأميركي أنفقت الحركة ملايين الدولارات لإعادة تعريف نفسها بصفتها مجموعةً سياسية معتدلة مستعدة لتسلم السلطة في إيران إذا تحقَّق تغيير النظام بدعمٍ من الغرب. ولتحقيق هذه الغاية، نجحت في الضغط على وزارة الخارجية الأميركية لإزالة اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية عام 2012. وقد حقَّق المنفيون الإيرانيون هدفهم هذا -على الرغم من معارضة وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون- جزئياً بدفع رشاوى لقائمةٍ طويلة من المسؤولين السابقين في الولايات المتحدة، وهي مبالغ باهظة تتراوح ما بين 10 آلاف دولار إلى 50 ألف دولار، مقابل إلقاء مديحٍ كالذي قدَّمه بولتون، في يوليو/تموز الماضي.
لكن وفقاً لأريان طباطباي، العالمة بجامعة جورجتاون الأميركية، فإنَّ "المجموعة المنشقة الشبيهة بالطائفة" -التي أُجبِرَ أعضاؤها المُتزوِّجون على الطلاق وأخذوا تعهُّداً بالتبتُّل مدى الحياة- "ليست لديهم فرصةٌ حقيقية للاستيلاء على السلطة في إيران"، بحسب الموقع.
وإذا لم تكن الحكومة الحالية الخيارَ الأول للشعب الإيراني، فإنَّ حركة مجاهدي خلق، لسببٍ وجيه، ليست خيارهم الأخير، لأنها حصلت على دعم من صدام حسين أثناء الحرب بين إيران والعراق، ولم يكن استياء الناس من الحكومة الإيرانية في ذلك الوقت يعني دعمهم لعدوٍّ خارجي كان يطلق صواريخ سكود على طهران، ويستخدم الأسلحة الكيماوية لقتل مئات الآلاف من الإيرانيين، بما في ذلك العديد من المدنيين. واليوم، يتخذ معظم الإيرانيين موقفاً سلبياً من مجاهدي خلق، ويُفضِّلون البقاء على الوضع الراهن، بدلاً من الاندفاع إلى أحضان ما يعتبرونه تنظيماً إجرامياً فاسداً.
وعلى الرغم من هذه الشكوك في أنَّ الجناح السياسي لمنظمة مجاهدي خلق، أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، يعد مدعاةً للثقة أكثر مما أثبته المؤتمر الوطني العراقي بقيادة أحمد الجلبي، أكسب الإنفاق الباهظ من أجل جذب تأييداتٍ مدفوعة الأجرالحركة قائمةً من السياسيين في واشنطن -المنتمين لكلا الحزبين- والمستعدين لتقديم الدعم لها. في احتفاليةٍ سابقة أُقيمَ عام 2016، انضم إلى سلسلة المديح التي بدأها بولتون بيل ريتشاردسون السفير السابق للأمم المتحدة؛ ومايكل موكاسي المدعي العام السابق، وفيليب كراولي المُتحدِّث باسم وزارة الخارجية السابق؛ وفرانسيس تاونسند مستشارة الأمن الداخلي السابقة، وباتريك كينيدي المنتمي السابق لحزب الجمهوريين، وهاورد دين عمدة فيرمونت السابق، فيما قدَّمَت هذه الاحتفالية ليندا تشافيز، المسؤولة السابقة في إدارة رونالد ريغان، الرئيس الأميركي السابق، بحسب الموقع الأميركي.
وفي حدثٍ مماثل عُقِدَ في يناير/كانون الثاني الماضي، كان من شأن الخلفية وراء رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش، بينما كان يشيد بمريم رجوي زعيمة حركة مجاهدي خلق، أن تجعل هدف استثمار المجموعة في الساسة الأميركيين واضحاً.
الفرح بوصول بولتون
وبحسب الموقع الأميركي، مما لا يثير الدهشة، فقد أعربت شخصيات بارزة من بين أتباع الحركة المنفية في واشنطن عن سرورها لصعود بولتون الوشيك إلى البيت الأبيض.
غرَّدَ علي ريزا جعفر زاده، نائب ممثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في واشنطن قائلاً: "يمتلك جون بولتون الرؤية الصحيحة والفهم العظيم للمنطقة برمتها، لا سيما التهديد الذي يشكله النظام الإيراني والحاجة إلى تحرير إيران".
.@AmbJohnBolton has the right vision and great understanding of the whole region especially the threat from the Iranian regime and the need for a #FreeIran. https://t.co/zlJocvDwgT
— Alireza Jafarzadeh (@A_Jafarzadeh) March 22, 2018
وقالت شيرين ناريمان، الناشطة الحقوقية الإيرانية والسجينة السياسية سابقاً على تويتر: "تهانيَّ لجون بولتون على المنصب الجديد. يستحقه عن جدارة".
Congratulations to @AmbJohnBolton for the new post. Well deserved. https://t.co/TuXgvx9ApY
— Shirin Nariman (@ShirinNariman) March 22, 2018
في احتفال الحركة بعيد النيروز (عيد رأس السنة الفارسية) في ألبانيا، يوم الثلاثاء 20 مارس/آذار، انضم رودي جولياني عمدة مدينة نيويورك السابق إلى مريم رجوى على المنصة.
ووفقاً لإحدى تغريدات مريم على تويتر: "أكَّد جولياني أنَّه بخلاف البلدان الأخرى في المنطقة، فإن هناك بديلاً للنظام الحاكم في إيران. وبالتالي، فإطاحته ستؤدي إلى السلام والهدوء في منطقةٍ تعرَّضَت لتهديدٍ شديدٍ من النظام الديني"، بحسب الموقع الأميركي.
Mr. Giuliani reiterated that unlike other countries in the region, there is an alternative to the ruling regime in Iran. Thus, its overthrow will lead to peace and tranquillity in a region that has been severely threatened by the clerical regime.#Iran#IranProtests pic.twitter.com/BFb5fWcFgs
— Maryam Rajavi (@Maryam_Rajavi) March 20, 2018
وعلى الرغم من أنَّ الإعلان الرسمي لم يصدر من البيت الأبيض حتى يوم الخميس، قال جولياني للحركة وسط تصفيقٍ حاد، إنَّ بولتون "سيصبح مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب".
وفي حال كان يساور الحركة أي شكٍّ من أنَّ بولتون قد لا ينصح ترامب بإطاحة الحكومة الإيرانية، أكَّدَ جولياني لهم أنَّ "جون بولتون أصبح أكثر تصميماً على ضرورة تغيير النظام الإيراني أكثر من أي وقتٍ مضى، وأنَّ الاتفاق النووي يحتاج إلى أن يُحرق، وأنَّكم بحاجة إلى أن تكونوا مسؤولين عن ذلك البلد".
وبعد لحظاتٍ، قاد جولياني الحشد في الهتاف بـ"تغيير النظام".
وبحسب الموقع الأميركي، على الرغم من حقيقة انتقاد ترامب لقرار غزو العراق عند ترشُّحه للرئاسة، لا يزال بولتون يرفض وصف الهجوم الاستباقي بأنَّه خاطئ، لدرجة أنَّ موقفه هذا أدهش تاكر كارلسون، الإعلامي بشبكة فوكس نيوز الأميركية، أثناء مقابلة أجراها معه قبيل أسبوعين، فبعدما أشار كارلسون إلى أنَّ بولتون طالب بتغيير النظام في العراق وليبيا وإيران وسوريا، وكان أول هذه التغييرات يعد "كارثة"، لم يوافق بولتون على ذلك قائلاً: "أعتقد أن تحليلك ساذج بصراحة".
أخبر بولتون كارلسون: "أعتقد أنَّ إطاحة صدام حسين -ذلك النشاط العسكري- كان نجاحاً مدوياً". وقال إنَّ الفوضى التي أعقبت ذلك في العراق نجمت عن احتلال ضعيف التنفيذ انتهى في وقتٍ مبكر. لكن على الجانب المشرق، قال بولتون إنَّ الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق لقَّنتهم "دروساً حول ما يجب فعله بعد إطاحة أي نظامٍ" في المستقبل.