أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لأول مرة على حرية المرأة في بلده، خاصة حول رغبتهن في ارتداء العباءة السوداء من عدمها، فقد رأتها صحيفة sueddeutsche الألمانية، أنها تأتي كجزء من مخطَّطه لحماية الملكية الحاكمة.
فولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على وعي تام بنظرة الغرب لبلده، كما أنه يعلم أيضاً كيف يتصرف إزاء هذه المسألة، لذلك قرر الظهور مجدداً خلال لقاء تلفزيوني مع قناة "سي بي إس" الأميركية، قبل لقائه مع الرئيس، دونالد ترامب، وعاد ليتحدث حول دور المرأة السعودية، وهو أمر يعتبر جديداً في ظل الظروف التي تعيشها نساء هذه البلد.
وبحسب ولي العهد، لن تكون النساء مجبرات بالضرورة على ارتداء العباءة السوداء، إلى جانب النقاب الذي يغطي الوجه؛ وهو ما يمثل نمط اللباس الأكثر شيوعاً في السعودية.
وقال بن سلمان إن "القوانين واضحة جداً، وهي مبنية على الشريعة"، في إشارة منه إلى القوانين الإسلامية السارية في المملكة السعودية.
وترك بن سلمان أمر لباس المرأة لاختيارها، لتقرر هي نوع الملابس المحترمة والمحتشمة التي ترغب بارتدائها مثل الرجال تماماً.
وعلى الرغم من هذا التوضيح الذي سرده الأمير الشاب، لا ترى الصحيفة الألمانية أن كلامه يُفهم على أن النساء المسلمات في المملكة لن تكنّ مجبرات في المستقبل على ارتداء الحجاب، مثلما تطالب بذلك النساء في إيران على سبيل المثال، وذلك لأن هناك إلزاماً قانونياً للنساء في السعودية بارتداء غطاء الرأس، بقطع النظر عن ديانتهن.
ومؤخراً، كان أحد كبار علماء الدين في السعودية، وهو الشيخ عبدالله المطلق، قد ذكر أن أكثر من 90% من النساء المسلمات والملتزمات في العالم لا ترتدين العباءة، ولذلك لا يجب علينا فرض هذا النوع من اللباس.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الرجل هو عضو في مجلس هيئة كبار العلماء، وهي أهم مؤسسة دينية في المملكة الوهابية. وعلى الرغم من أن هذه التصريحات لم تمر دون أن تثير احتجاجات الدوائر المحافظة ورجال الدين، غير أنها وجدت دعماً قانونياً من قبل ولي العهد، إذ إن محمد بن سلمان، واصل سيره على هذا النهج. وعند سؤاله حول ما إذا كانت النساء والرجال سواسية، أجاب: "بالطبع، فجميعنا بشر، وليس هناك اختلاف بيننا".
دوافع اقتصادية لخطاب بن سلمان
وترى الصحيفة الألمانية أن هناك أيضاً دوافع اقتصادية وراء الخطاب الليبرالي لمحمد بن سلمان، الذي يدافع من خلاله عن مبادراته لتعزيز حقوق المرأة.
هذا الدفاع الذي يخوضه بن سلمان يعود لعدة أسباب، باعتبار أن نجاح إصلاحاته الاقتصادية الطموحة يرتبط جزئياً بنجاحه في الرفع من نسبة النساء في سوق العمل.
وتحتل المملكة السعودية في الوقت الراهن المركز 140 من مجموع 144 دولة، في تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي حول المساواة بين الجنسين.
ويتمثل الهدف المعلن من هذه الخطوات في الرفع من نسبة النساء العاملات، من المستوى الحالي، وهو 22%، إلى 30%. ومن بين المؤشرات الدالة على هذا التوجه؛ تعيين تماضر بنت يوسف الرماح نائبةً لوزير العمل والشؤون الاجتماعية، حتى إن الجيش أعلن مؤخراً عن فتح الباب لتوظيف النساء.
إضافة إلى ذلك، يريد محمد بن سلمان الدفع بالمجتمع نحو مزيد من الانفتاح والحداثة، بعيداً عن سطوة رجال الدين المحافظين. وقد أعلن سابقاً عن عزمه على قيادة بلاده نحو الإسلام المعتدل. كما انتقد السلطة الواسعة التي يتمتع بها المتشددون، منذ عملية احتجاز الرهائن في مكة في سنة 1979، حيث تعهَّد بالحد من هذه السلطة، وقال: "لقد كنا ضحايا، وخاصة أبناء جيلي".
في الأثناء، أصبحت الحفلات تقام في المملكة (رغم أن الرقص والتمايل ممنوع)، وعروض الأفلام في السينما، من خلال هيئة خاصة للترفيه تم تكليفها بتطوير هذا القطاع. ولهذا، سيلتقي ولي العهد خلال زيارته للولايات المتحدة بممثلين عن صناعة السينما الأميركية.
ومن المفترض أن يسهم قطاع الترفيه في جعل الاقتصاد أقل اعتماداً على النفط، ذلك أنه إلى الآن، يتم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات سنوياً في دول مثل البحرين والإمارات للترفيه، أين تكون القوانين أقل صرامة ويُسمح للسعوديين بالاستمتاع في كل نهاية أسبوع.
علاوة على ذلك، تهدف هذه الخطوة إلى إلهاء الشباب، حيث إن ثلثي الشعب السعودي تقل أعمارهم عن 30 سنة، فضلاً عن أن الدولة لن تكون قادرةً على توفير كل مستلزماتهم من المهد إلى اللحد، كما تكفلت بذلك في زمن آبائهم. ويبدو أن العقد الاجتماعي الذي كان سارياً في هذه المملكة، بات الآن محل تساؤل.
في الحقيقة، لا تعد هذه الإصلاحات هدفاً في حد ذاتها، بل تأتي كنتيجة لانخفاض أسعار النفط، وتمثل استراتيجية بقاء ضرورية جداً لحماية النظام الملكي. ولم ترافق الإصلاحات الاجتماعية كلاً من الانفتاح السياسي والإصلاحات الديمقراطية حتى الآن، بل ذهبت في اتجاه معاكس لها تماماً.