يؤدي الحديث عن الإرث الإسلامي في إسبانيا إلى استحضار خلافة قرطبة، أو الموحدين في سرقسطة، أو ثقافات طليطلة أو مملكة غرناطة.
لكن، في حين تحافظ هذه الأماكن على الكمِّ الأكبر من التراث الأندلسي، فإن الجينات الوراثية للقادمين من شمال إفريقيا في القرن الثامن لا تزال موجودةً حتى اليوم بإقليم، كان من المفارقات فيه أنَّ غزوه كان الأصعب على الإطلاق؛ وهو إقليم غاليسيا.
هذا ما توصلت إليه دراسة وراثية عن السكان الإسبان، أعدَّها باحثون من جامعتي أكسفورد وسانتياغو دي كومبوستيلا، بحسب موقع El Español الإسباني.
قام الباحثون بتحليل الحمض الوراثي لـ1.413 إسبانيّاً من المستشفيات وبنك DNA الوطني لجامعة كارلوس الثالث.
كما أظهرت معلومات السيرة الذاتية لـ726 من المشاركين أن أجدادهم الأربعة وُلدوا في بداية القرن العشرين بمنطقة لا تبعد أكثر من 80 كم عن مكان ميلادهم.
أتاح التحليل تحديد أكثر من 20 مجموعة جينية -مجموعات متجانسة من الجينات- موزعة في جميع أنحاء شبه الجزيرة الإيبيرية وجزر البليار.
بالجمع بين الموقع الجغرافي وشجرة الأنساب للمشاركين، تمكَّن الباحثون من وضع أماكن تمركز هذه المجموعات على خريطة، كل مجموعة يمثلها شكل هندسي يميزها عن المجموعات الأخرى.
تعكس محاور التوزيع هذه، وفقاً للباحثين، حركة هجرة تاريخية؛ وهي -على وجه التحديد- سقوط الأندلس أو حروب الاستعادة.
تتطابق 5 مجموعات كبيرة من التكتلات الستة: الجاليكية، والغربية، وفي الوسط، والبالنسية، والأراغونية، والمزيج المنتمي إلى قشتالة مع جزر البليار، وتتوافق مع توسيع الحدود السياسية واللغوية، حيث استعادت الممالك المسيحية أراضي الأندلسيين بين القرنين العاشر والرابع عشر.
المجموعة السادسة التي تفلت من هذا التصنيف التاريخي، هي إقليم الباسك وأجزاء من نافارا؛ لوقوعهما في شمال البلاد.
ومع ذلك، كشفت التحليلات عن مساهمات سكان إقليم الباسك في الحمض النووي للمجموعات المتجاورة وبقية السكان، خاصة في اتجاه الشمال والجنوب. وخلص الباحثون من ثم إلى أن الانعزالية لشعب الباسك لم تكن قطعية قط، مثلما يقال كثيراً.
غاليسيا والدماء العربية
علم غاليسيا
المفاجأة الكبرى عند تحديد العلاقات بين المجموعات حسب المنطقة والسكان هي خارج شبه الجزيرة الإيبيرية؛ أن مساهمة مجموعة شمال إفريقيا، كما هو متوقع بعد قرون من الهيمنة الإسلامية، موجودة في جميع هذه المجموعات، على الرغم من أنها أقل انتشاراً في الباسك (شمال إسبانيا) وتقع بعضها في أراغون (شمال شرقي البلاد).
ومع ذلك، لا يرتبط انتشار هذه الجينات الوراثية بالقرب الجغرافي من المنطقة المغاربية؛ إذ إن أعلى تركيز لهذه الجينات، 11٪ من الإجمالي، يوجد في غاليسيا، وهي منطقة لم يترك بها العرب بصمتهم وفقاً للحدود الحالية، وكانت تقتصر على المستوطنات البربرية جنوب نهر دورو والتي هُجرت خلال العصور الوسطى المبكرة.
على الرغم من هذا، فإن جينات (المور) القادمين من شمال إفريقيا أكثر (حضوراً) من أماكن مثل الأندلس.
ولكن.. كيف يمكن تفسير ذلك تاريخياً؟
يتكهن مؤلفو الدراسة بحدوث حركات هجرة داخلية بعد حروب الاسترداد؛ إذ من المحتمل أنه عندما طرد الحكام المسيحيون الجدد المسلمين والمور من البلدات والمدن، انتقل هؤلاء شمالاً إلى مملكة البرتغال، التي يتشارك سكانها في الجينات الوراثية مع سكان غاليسيا.
ماذا عن الشعوب الأخرى؟
الفرنسيون هم العنصر الرئيس؛ إذ تسهم جيناتهم الوراثية بنسبة 93٪ لدى سكان إقليم الباسك الحدودي، وما لا يقل عن 63% لدى بقية الشعب الإسباني، وتسهم الجينات الإيطالية بصورة أقل وتزداد كثافتها من الجنوب إلى الشمال، كما توجد الجينات الوراثية الإيرلندية بنسبة تصل إلى 17٪ في الغرب.
كما يوجد تركيز للحمض النووي لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى (كينيا-نيجيريا) في منطقة ما بين مورسيا وأليكانتي، وهذا يدل -وفقاً للباحثين- على تدفقات الهجرة المعاصرة.