عَلِمَ تيلرسون صباح أمس الثلاثاء 13 مارس/آذار أنَّه أُقيل عندما أطلعه أحد كبار مساعديه على تغريدة ترامب التي أعلن فيها هذا التغيير. لكنَّ وزير الخارجية السابق تلقى تحذيراً غير مباشر، يوم الجمعة، عما كان ينتظره من كبير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، الذي اتصل بتيلرسون ليخبره بقطع رحلته إلى إفريقيا ونصحه قائلاً: "قد تصلك تغريدة".
كانت تلك نهايةً مفاجِئة -بعد أشهر من التكهنات- لحقبةٍ مضطربة للمدير التنفيذي السابق لإحدى شركات النفط الكبيرة الذي لم ينسجم أبداً مع الرئيس الذي عيّنه. إذ اصطدم تيلرسون مراراً بموظفي البيت الأبيض، واختلف علانيةً مع ترامب حول قضايا تتراوح من الخلاف بين السعودية وقطر إلى الرد الأميركي على الاعتداء الإلكتروني الروسي، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وفاجأت هذه الخطوة حتى موظفي البيت الأبيض. ففي اليوم السابق، وبَّخ متحدث باسم البيت الأبيض أحد الصحفيين لإشارته إلى وجود نوع من الشقاق بين تيلرسون والبيت الأبيض بسبب تعليقاتٍ متباينة حول مسؤولية روسيا عن الهجوم الإلكتروني على هجومٍ بالسُّم في بريطانيا.
لم يكن تيلرسون على هوى ترامب منذ عدة أشهر، لكنَّه قاوم محاولات إبعاده. كانت المسافة التي تفصل بينه وبين الدائرة الداخلية لترامب واضحة الأسبوع الماضي عندما قَبِل الرئيس دعوةً لمقابلة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الأمر الذي كان مفاجئاً لتيلرسون.
وفي إحدى تغريداتها على تويتر، حذَّرت النائبة نانسي بيلوسي عن ولاية كاليفورنيا، وزعيمة الديمقراطيين بمجلس النواب، من أنَّ سرعة تغيير وزير الخارجية قد أدت إلى التقليل من شأن الولايات المتحدة لدى الزعماء الأجانب.
كان تيلرسون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط العملاقة إكسون موبيل، يُنظَر إليه في وقتٍ من الأوقات على أنَّه اختيار مثير للفضول، إن لم يكن غير تقليدي. كانت لديه خبرة عميقة مع ملوك وحكام الشرق الأوسط، وكان يعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال جهود شركة إكسون المكثَّفة لاكتشاف النفط في روسيا.
بيد أنَّ الحماس المبكّر لجلب شخصية من مجال الأعمال إلى وزارة الخارجية تلاشى بسرعة، إذ بدا أنَّ تيلرسون كان غارقاً في التحديات الدبلوماسية أمامه ومعزولاً من جانب مسؤولي الخارجية المُتمرِّسين الذين استبعدهم في كثيرٍ من الأحيان من أهم النقاشات.
لكنَّ تيلرسون حقَّق أيضاً بعض النجاحات، منها العزلة الدولية المتزايدة لكوريا الشمالية، وتحسين العلاقات بين السعودية والعراق. لكن على الأرجح سيهبط إلى مصافي أقل وزراء الخارجية الأميركيين نجاحاً في تاريخ البلاد، وأحد أكبر أسباب ذلك هو سوء إدارة علاقته مع ترامب.
كانت الهوة المتزايدة بين الرجلين ظاهرةً بشكلٍ واضح أثناء رحلة ترامب إلى آسيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حينما زار تيلرسون السجن الذي كان يأوي السيناتور جون ماكين، السيناتور الجمهوري من ولاية أريزونا الذي لطالما انتقد الرئيس بشكلٍ متكرر.
لكن ربما كان الجزء الأكثر إثارةً للحيرة في حقبة تيلرسون هو سوء إدارته لوزارة الخارجية. فكونه مديراً تنفيذياً كبيراً سابقاً، كان يُعتَقد أن تكون مهاراته الإدارية هي أكبر مزاياه.
إلا أنَّه فشل في انتقاء فريق موثوق من القيادات سريعاً، ما ترك العديد من الأقسام المهمة في الوزارة دون توجيه وشلَّ عملية صنع القرارات الحاسمة في الوزارة.
وقال الدبلوماسيون الأجانب، بدايةً من البريطانيين والفرنسيين، إنَّ تيلرسون لم يعاود أبداً الاتصال أو -وهو الأمر الأكثر إثارةً للقلق- يعقد اجتماعات مع نظرائه. هذا بالإضافة إلى إنهاء المفاوضات الاستراتيجية مع العديد من الدول، بما في ذلك قوى نووية مثل باكستان، دون تفسير.