حثت المواطنين على البقاء في منازلهم ورفض المشاركة.. هل تنجح دعوة المعارضة المصرية لمقاطعة انتخابات الرئاسة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/13 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/13 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش

في السادس والعشرين من الشهر الجاري سيتوجه المصريون إلى صناديق الاقتراع لإعادة انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي لفترة رئاسته الثانية، لكنَّ المشهد مألوف للغاية: السيسي هو المرشح الوحيد القادر على للفوز. فمنافسه الوحيد، موسى مصطفى موسى، هو رئيس حزب كان مؤيداً للسيسي قبل اتخاذ قراره بالترشح في اللحظة الأخيرة.

أما المنافسون المحتملون الآخرون فقد تعرّضوا للتهديد أو الترهيب أو أُلقي القبض عليهم، وفق ما ذكر مقال بصحيفة واشنطن بوست الأميركية للكاتبة غايل بتورف، الأستاذة بكلية هوبي للشؤون العامة في جامعة هيوستن الأميركية والخبيرة المشاركة في برنامج حقوق المرأة في الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس.

تقول بتورف إن مضايقة النظام لمرشحي المعارضة المحتملين وردعهم لا يؤدّي دائماً إلى دعوات المقاطعة. لكن هذه المرة تجمَّع 150 شخصية معارضة و7 أحزاب سياسية للتنديد بالانتخابات ووصفها بالمسرحية الانتخابية الهزلية والدعوة إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة.

وتضيف أنه وكما هو الحال في معظم حملات المقاطعة، فقد حصد قرار المعارضة نصيبه من المنتقدين الذين يرفضون هذه الاستراتيجية باعتبارها غير فعالة، بل وأنَّها حتى تهدد أمن مصر. وتؤكد بتروف أن الوضع في مصر يطرح سؤالاً حرجاً: هل تنجح المقاطعات؟

هل تنجح المقاطعة؟

توضح غايل بتورف في مقالها أن مقاطعة الانتخابات تنبع من مجموعةٍ واسعة من العوامل، بما في ذلك -في حالة الدول الاستبدادية مثل مصر- العمليات الانتخابية غير العادلة، وفشل المساومة، وتصورات المعارضة لاستقرار النظام وقوته. وتنجح بعض المقاطعات في تحقيق إصلاحات، وبعضها يتجاهله النظام، وبعضها يُشعِل تظاهرات الانتخابات التي قد تطيح بالنظام الحالي أو تتركه.

لكنَّ تحديد متى يمكن اعتبار المقاطعة ناجحة، أو غير ذلك، ليس بالمهمة السهلة أو المباشرة. ففي كثير من الحالات، يختلف المقاطعون أنفسهم في مطالبهم وتصوراتهم لشكل النجاح.

يعتبر البعض أنَّ ضعف الإقبال على الانتخابات يمثل علامة على نجاح المقاطعة. إذ يمكن للإقبال الضعيف أن يتحدى شرعية العملية الانتخابية، ويمكنه في بعض الحالات تقويض الدعم الشعبي الحالي، لكنَّ النظام الحاكم لن يُعير اهتماماً لأي من الحالتين في أغلب الأمر.

وفي بعض الحالات، يمكن أن تؤدي المقاطعة -أو حتى التهديدات بالمقاطعة- إلى التغيير، مثلما حدث في اليمن عام 2009، والعراق عام 2005. لكنَّ التغيير لا يعني بالضرورة الإصلاح الديمقراطي.

وفي الواقع، ترى إميلي بوليو، الأستاذة المشاركة في السياسة المقارنة، أنَّ المقاطعة يمكن أن تؤدي إلى زيادة الاستبداد في بعض الحالات، وإلى إصلاحات انتخابية ديمقراطية في حالات أخرى.

ربما يعني النجاح أيضاً -حسب بتورف- جذب الانتباه الدولي والضغط على النظام لتنفيذ الإصلاحات، لكنَّه لا يعني بالضرورة نجاح المقاطعة. ويمكن للجهات الفاعلة الأجنبية ممارسة الضغط على الأنظمة لإحداث إصلاحات ديمقراطية، لكنَّ الضغط الدولي لا يمكنه ضمان احترام شاغل المنصب للقوانين الجديدة أو التزامه بوعوده.

أحياناً يمكن للدعم الدولي (أو غياب الضغط الدولي) عزل الأنظمة عن ضغوط المقاطعة، وكان هذا صحيحاً في عددٍ من المقاطعات الانتخابية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات الأخيرة. فبعد أول انتخابات رئاسية متعددة المرشحين في مصر عام 2005، أقرَّ جورج دبليو بوش بشرعية الانتخابات بتهنئة حسني مبارك على فوزه.

الاحتمالات في مصر

من ناحية، ذهب النظام إلى حد توجيه الاتهام إلى بعض المشاركين في مقاطعة "الحركة الديمقراطية المدنية" بـ"التحريض على قلب نظام الحكم". لكن من ناحيةً أخرى، يبدو دعم السيسي قوياً، حيث حصل على دعم نحو 508 من أعضاء البرلمان المصري البالغ عددهم 596 عضواً. وعلى الساحة الدولية، لم يقل حلفاء مصر الأجانب الكثير عن الانتخابات القادمة، رغم الانتقادات المستمرة التي توجهها له جماعات حقوق الإنسان.

وحتى مع ذلك، تحث حملة المقاطعة الناخبين على البقاء في منازلهم و"المشاركة في رفض الانتخابات". وفي الوقت نفسه، دعا السيسي جميع المواطنين إلى التصويت و"اختيار من يريدون". ورداً على المقاطعة أيضاً، من المتوقع أن تطلق مجموعة أخرى من الأحزاب، بما في ذلك حزب الوفد الجديد، حملة لحشد الناخبين.

وفي حين أنَّ نسبة الإقبال المنخفضة لا تمثل مشكلةً جديدة -أو لا تمثل مشكلة من الأساس؛ أُفيد رسمياً بأنَّ النسبة بلغت 23% عام 2005 عندما فاز مبارك بسباق الرئاسة- وتشير تصرفات النظام إلى أنَّ البعض على الأقل قلقون من التأثير المحتمل للمقاطعة. وكان الإقبال الأقل من المتوقع قد أثار الشكوك حول شعبية السيسي وهدَّد بتقويض شرعيته حين نُصِّب رئيساً عام 2014 أيضاً.

وقد أثارت مراكز الاقتراع الفارغة ونسبة الإقبال المنخفضة في انتخابات 2014 قلق الحكومة بدرجة كانت كافية لدفعها إلى تمديد ساعات الاقتراع وفترة الاقتراع إلى يومٍ ثالث وإعلان عطلة لموظفي الهيئات العامة والخاصة.

لكن حتى دون أي مظهر للمنافسة، لا يمكن اعتبار انتخابات مارس/آذار استفتاءً مشروعاً على شعبية السيسي. كل هذا بجانب إمكانية انخفاض نسبة المشاركة، سواء بسبب المقاطعة أو بسبب سخط الشعب على الظروف الاقتصادية القاسية، يمكن أن تكون الانتخابات نقطة اشتعال.

يُعبِّر كاريكاتير سياسي نُشر مؤخراً في صحيفة المصري اليوم عن الكيفية التي يُنظر بها للمقاطعات. ويصور الكاريكاتير رجلاً واقفاً على طريق يؤدي إلى بابين متماثلين، أحد الاتجاهين يقود إلى مسار المشاركة السياسية، والآخر المقاطعة.

ويلفت الكاريكاتير الانتباه إلى المعضلة التي تواجهها أحزاب المعارضة في كثير من الأحيان، أي أنَّه من الصعب تحديد ما إن كانت المقاطعة ستؤتي ثمارها أو تزيد من سوء وضع المعارضة. التأثير المحتمل لشن مقاطعةٍ في مصر ليس محدداً بعد، لكن في نهاية المطاف، يبدأ الاختبار الحقيقي في اليوم التالي للانتخابات.

تحميل المزيد