كشفت صحيفة The Washington Post الأميركية، أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستتحرك لكبح المقاتلين الأكراد، في شمال سوريا، وذلك نقلاً عن مسؤولين أميركيين وأتراك.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول تركي بارز قوله إنَّ الخطوة الأولى و"النقطة الأساسية في المسألة" هي سحب الأكراد من مدينة منبج السورية ونقلهم إلى المنطقة شرق نهر الفرات.
وتقول الصحيفة الأميركية: "إن نُفِّذَ هذا التعهد الأميركي، سيلبي طلباً تركياً قديماً ويُحقق أمراً وعدت به إدارة أوباما في الماضي وهو إبقاء القوات الكردية شرق نهر الفرات".
المعلومات الأولية عن الاتفاق
لم تُظهِر تركيا أي تسامحٍ تجاه أي تطور من شأنه أن يقوي الجماعات الكردية السياسية والعسكرية في سوريا، خاصةً في المنطقة الموجودة على الحدود الممتدة التي تتشاركها تركيا مع سوريا، حيث تتهم تركيا الأكراد بالإرهاب، وبأنَّهم يسعون لإنشاء مقاطعة كردية دائمة مُتحالفة مع المقاتلين الأكراد الانفصاليين في تركيا، المعروفين باسم حزب العمال الكردستاني.
وتتابع الصحيفة عن المعلومات الأولية للاتفاق، بأنه لم يحدد المسؤولون وقتاً زمنياً لنقل الأكراد من مدينة منبج السورية إلى مواقع في شرق نهر الفرات على بعد 20 ميلاً، ولم يحددوا الوسيلة التي سيجري بها تنفيذ ذلك، لكن المسؤولين أكدوا أنَّ الأمر ستُناقشه مجموعات عمل شكلتها حديثاً حكومتا الولايات المتحدة الأميركية وتركيا. وستُعقد جلسة المناقشات الأولى يومي الخميس والجمعة المقبلين 15 و16 مارس/آذار في واشنطن.
ووفقاً لمسؤولين أميركيين وأتراك كبار تحدثوا عن التقارب بين الجانبين الذي لا يزال هشاً شريطة عدم الإفصاح عن هويتهم، فإنَّ إمكانية التوصل لاتفاق بشأن منبج على الأقل هدّأت الأجواء مؤقتاً. وقال مسؤول تركي كبير آخر إنَّ الاجتماعات التي بدأت الأسبوع الماضي، التي من المقرر أن تتواصل في العاصمتين على مدار الشهور المقبلة، ستتعامل مع مجموعة من القضايا الخلافية، بما في ذلك معارضة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للخُطط التركية الهادفة لشراء نظام صواريخ أرض- جو روسي.
إلا أن هذا الدفء المؤقت في العلاقات يأتي بالفعل على حساب الولايات المتحدة، إذ قالت القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية الأسبوع الماضي إنَّها ستنسحب من الخطوط الأمامية للمعركة ضد تنظيم داعش في جنوب سوريا للانضمام إلى المعركة ضد تركيا في الشمال، وذلك لأنَّها تشعر بأنَّ واشنطن خذلتها.
وحذر القادةُ العسكريون الأميركيون الموجودون على الأرض في منبج سابقاً من أنَّ القوات الأميركية المنتشرة هناك التي يصل قوامها لبضع مئات ستدافع عن الأكراد ضد أي هجومٍ تَشنه القوات التركية، المحتشدة الآن على بعد بضعة أميال. وشعر المسؤولون الأتراك بالغضب الشهر الماضي عندما مدح القادة العسكريون الأميركيون الذين كانوا يزورون المنطقة بصحبة صحفيين أميركيين الأكراد، وتعهدوا بالقتال إلى جانبهم في حال حدوث هجوم تركي.
ويتفق الجانبان على أنَّ أي تبادل لإطلاق النار بين قوات الدولتين اللتين تنتميان لحلف شمال الأطلسي (الناتو) سيكون كارثياً، فالخلاف بين الجانبين لم يكن سببه الأكراد وحدهم، فقد تبادلت واشنطن وأنقرة سلسلة من التصريحات الدبلوماسية الحادة في أعقاب محاولة الانقلاب في تركيا في 2016.
وقال المسؤول التركي: "الأميركيون أصبحوا يتفهمون مخاوفنا بوضوحٍ أكبر" بعد زياراتٍ أجراها الشهر الماضي وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وهربرت مكماستر مستشار ترامب للأمن القومي، ووزير الدفاع جيم ماتيس الذي التقى أيضاً نظيره التركي في أوروبا.
هل تستطيع أميركا تنفيذ وعدها؟
ورغم كل ذلك، إلا أن الصحيفة الأميركية ترى أنه من غير الواضح بصورةٍ كبيرة ما إذا كان التحسن في العلاقات سيستمر أم لا. وأعرب مسؤولٌ كبير في إدارة ترامب عن ارتيابه من قدرة الولايات المتحدة على إقناع المقاتلين الأكراد بالانسحاب.
وقال المسؤول: "كثيرٌ من قدرتنا على المضي قدماً (في علاقتنا مع تركيا) سيعتمد على ذلك، لأنَّنا قدمنا تعهداً للأتراك، وسيطالبوننا بتنفيذه". ونظير تعهد الولايات المتحدة الأصلي بإخلاء منبج من الأكراد، سمحت تركيا للمقاتلات الحربية الأميركية بمواصلة استخدام قاعدة إنجرليك الجوية لشن ضرباتٍ جوية على أهدافٍ لداعش في سوريا.
وتحدث مسؤولٌ أميركي عن الأكراد قائلاً: "الأمر صعب بالنسبة لنا، لأنَّنا أمضينا سنواتٍ كثيرة مع أولئك الرجال .. على الأخص فيما يتعلق بمقاتلينا (الأميركيين)، فقد أقمنا بشكلٍ كبير علاقاتٍ شخصية عميقة، ولا يريد أحد أن يراها تتلاشى".
إلا أنَّه يبدو أنَّ مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين أميركيين كبار ممن وصفوا الشراكة مع تركيا بأنَّها حيوية قد توصلوا إلى أنَّهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار أكثر من ذلك في تحاشي تجاهل شكاوى حليفٍ مهم كتركيا.
وأعربت تركيا بالفعل عن نفاد صبرها إزاء وجود القوات الكردية على طول حدودها. وفي يناير/كانون الثاني شن أردوغان هجوماً ضد المقاتلين الأتراك في عفرين الواقعة شمال غرب سوريا.
وقال نيكولاس دانفورث المحلل التركي في مركز سياسة الحزبين بواشنطن إنَّ الحكومتين لديهما أسباب مقنعة لتهدئة نزاعهما. ففي حال تصاعد الخلاف، ستواجه حكومة الولايات المتحدة إمكانية خسارة استخدام القواعد العسكرية في تركيا، أو قد تشهد اعتقال مزيدٍ من المواطنين الأميركيين. وتدرك تركيا التي تواجه احتمال فرض عقوباتٍ عليها أنَّ تدهور العلاقات قد يُضر باقتصادها.
وقال دانفورث إن التوترات هددت أيضاً الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف المشتركة بين البلدين في سوريا، مضيفاً أن تركيز تركيا فقط على المقاتلين الأكراد أعاق القتال ضد تنظيم داعش وأضعف موقف أنقرة في المفاوضات لإنهاء الصراع السوري، و"يقوض قدرة تركيا على التوصل إلى اتفاق سلام يضمن مصالحها".