توفي سفيان بن حبيب بن علي قبل أن يقدم طعناً أمام المحكمة الفيدرالية، على خلفية حجز ممتلكاته في سويسرا.
بالنسبة لسويسرا، التي كانت لعقود حاضنة للرؤساء وممتلكاتهم، سببت مسألة إعادة الممتلكات غير المشروعة صداعاً حقيقياً لها. لذلك، كان من الواجب أن تعيد الملايين المحتجزة في حسابات البنوك السويسرية لعائلة ديكتاتور الكونغو السابق موبوتو سيسي سيكو، وفق تقرير لصحيفة Le Point الفرنسية.
في هذه الحالة، لسائل أن يسأل: كيف يمكن التصرف بشكل مختلف؟ لاسيما أن قضاء كينشاسا لم يُدل بأي معلومة قضائية في هذا الخصوص؟
في الوقت الحاضر، يبدو أن مسألة تسليم أموال مبارك على المحك أيضاً؛ لأن القاهرة لا تعمل على إثبات الأصل غير القانوني للمبلغ الذي يناهز 300 مليون فرنك سويسري، (260 مليون يورو) الذي أودعه نجلا الرئيس المصري السابق علاء وجمال مبارك في البنوك السويسرية.
حيال هذا الشأن، أشار الناشط بمنظمة "بوبليك آيز" غير الحكومية، أوليفييه لونغشامب، إلى أنه "سيكون من الصعب للغاية على سويسرا إثبات الجرائم المرتكبة في مصر دون مدّها بأية أدلة من (مصر)".
قائمة من 48 اسماً
عندما تخرق سويسرا الإجراءات، فإن ذلك ستكون له عواقب وخيمة. فيوم 10 سبتمبر/أيلول سنة 2011، أرسلت السلطات التونسية طلباً إلى نظيرتها السويسرية تلتمس فيه تبادل المعلومات الدولية.
وفي وقت مبكر من يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول، فوّض مكتب العدل الفيدرالي مكتب المدعي العام ليأخذ على عاتقه مهمة التعامل مع هذا الطلب.
وحسب المحكمة الجنائية الفيدرالية فإن "سويسرا لم تبرم مع تونس أية معاهدة للتعاون في المجال القانوني". ويستند هذا القرار إلى "ضرورة أن تحافظ سويسرا على صورتها".
ومن جهتها، جمّدت كل من برن وبروكسل أصول 48 من أفراد أقرباء بن علي، بما في ذلك ابن أخيه سفيان بن حبيب بن علي، الذي اعتقل في تونس يوم 14 يناير/كانون الثاني سنة 2011. ولم يُطلق سراحه إلا في أواخر فبراير/شباط عام 2012.
أما في سويسرا، فيجد ابن أخ بن علي نفسه ضمن قائمة الأشخاص المشتبه بمشاركتهم في أعمال مشبوهة من قبيل "سوء إدارة المصالح العامة، أو الرشوة، أو الفساد، أو تبييض الأموال، أو المشاركة في منظمة إجرامية".
مصادرة في سويسرا، لكن ليس في تونس
تم تجميد الأموال التي يمتلكها سفيان بن حبيب بن علي في سويسرا، البالغة قيمتها حوالي 4.5 مليون يورو. وفي 24 أبريل/نيسان سنة 2014، أصدر مكتب الادعاء العام السويسري قراراً بإعادة "الأصول التي وافق على تسليمها، نزولاً عند طلب التونسيين في إطار التعاون المتبادل". وبعد مُضيّ شهر، طعن في هذا الحكم محاميان لابن شقيق بن علي، وهما فيليب باسكوير ورومان جوردان.
أكد رومان جوردان قائلاً: "هل تعلم أنه في هذه القائمة تم تسجيل اسم طفل يبلغ من العمر سنتين ونصف؟ وقد اتخذت هذه الإجراءات على أساس لقب عائلته، دون تمييز سنهِ. فضلاً عن ذلك، لم يكن هناك أبداً أي دليل ضد عميلنا. ومع ذلك، حُرم حق الإنصات إلى شهادته، ولم يمنح حق الولوج إلى ملف القضية إلا بعد أن عرض مطلب الاستئناف. واليوم، تعمل تونس بنفسها على طيّ هذه الصفحة وتصبّ تركيزها على قانون المصالحة".
ورغم ذلك، اعتبرت السلطات السويسرية استئناف سفيان بن حبيب بن علي غير مقبول، في الحكم الصادر بتاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول سنة 2014، عن محكمة الشكاوى التابعة للمحكمة الجنائية الفيدرالية.
العديد من الأسماء الوهمية
من الواضح أن النظام القضائي التونسي، الذي انطلق منذ سنة 2011 بموجب مرسوم قانون بمصادرة أملاك 114 فرداً من عائلة المخلوع، من بينها 400 شركة و550 عقاراً، ينظر في مقترح إصدار أحكام نهائية حول هذه الممتلكات؛ نظراً لأن عملية التحقيق مليئة بالعثرات، لعل أبرزها أن الزعماء المهووسين بالسرقة نادراً ما يفتحون حسابات بأسمائهم الحقيقية.
علاوة على ذلك، يختبئ هؤلاء الزعماء وراء أسماء الشركات المنتشرة في جزر العذراء أو بنما، حيث ترفض هذه الدول طلب لجان الإنابة القضائية. وقد أدى التقصّي حول ممتلكات آل بن علي إلى بروز العديد من الأسماء الوهمية.
ففي سويسرا، زعمت منظمة من المنصفين أن الرئيس التونسي الأسبق يجوب بانتظام ضفاف بحيرة ليمان، واتهمته بامتلاك مبنيين في جنيف. لكن هذه المنظمة لم تقدم أي دليل ملموس يثبت صحة ادعاءاتها، ما بدّد آمال التونسيين.
المسّ من شخصه
رغم خيبة الأولى، عاد ابن شقيق بن علي إلى المحاكم السويسرية بتاريخ 18 أبريل/نيسان سنة 2017. لكن هذه المرة، كان يعتزم الاعتراف بعدم قانونية تسجيل اسمه على "الجدول الزمني الذي أقرّه القانون الصادر عن المجلس الاتحادي [الحكومة] المؤرخ يوم 19 يناير/كانون الثاني سنة 2011 بشأن اتخاذ تدابير ضد أشخاص معينين أصولهم تونسية".
وبالنسبة لابن شقيق بن علي، فإن تسجيل اسمه على هذا الجدول قد مسّ بشكل خطير من شخصه. ومرة أخرى، رفضت المحكمة الإدارية الاتحادية طلب سفيان بن حبيب بن علي في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول سنة 2017.
ومع ذلك، أتيحت الفرصة أمام ابن شقيق الرئيس المخلوع للطعن في قرار المحكمة الاتحادية العليا، وهي أعلى محكمة في سويسرا. لكن لم يكن لديه الوقت لذلك، إذ توفي بتاريخ 23 فبراير/شباط سنة 2018.