بهذه الطريقة تحاول السعودية استعادة نفوذها في العراق.. وإيران غاضبة وتحاول إفساد التقارب

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/09 الساعة 13:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/09 الساعة 13:44 بتوقيت غرينتش

سلطت صحيفة الإنكوميست الأميركية، الخميس 8 مارس/آذار 2018، الضوء على رغبة السعودية في العودة إلى العراق عبر بوابة القوة الناعمة والدعم الاقتصادي بعد غياب دامَ 3 عقود، مما أزعج عدو الرياض اللدود، طهران.

وقالت الصحيفة الأميركية إن الأمور تبدو كالأيام الخوالي تقريباً. قبل أن يغزو صدام حسين الكويت عام 1990، كان مواطنو الخليج العربي يقيمون احتفالاتهم على ضفاف شط العرب جنوب العراق. وكان العديد منهم يمتلكون فيلات في الحقول المحيطة بالبصرة ويتخذون من العراقيات زوجات لهم. والآن، وبعد انقضاء 3 عقود، عادوا مرة أخرى؛ إذ تضع المملكة العربية السعودية اللمسات النهائية لقنصليتها بفندق شيراتون في مدينة البصرة، حيث يغني المطربون العراقيون الأغاني العاطفية ويرقص النادلون. وفي الشهر الماضي (فبراير/شباط 2018)، سافر عشرات الشعراء السعوديين إلى البصرة للمشاركة في مهرجان أدبي.

واستأنفت السعودية والعراق الرحلات، بعد انقطاعها فترة طويلة، حيث بلغ عددها 140 رحلة طيران شهرياً. وتقوم العديد من الشركات المملوكة للدولة، ومن بينها شركة "سابك" السعودية العملاقة للبتروكيماويات بتسجيل مكاتبها في بغداد. وتعهد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، خلال مؤتمر إعادة إعمار العراق، الذي انعقد بالكويت في الشهر الماضي (فبراير/شباط 2018)، بتقديم قروض قيمتها مليار دولار وائتمان صادرات بمبلغ 500 مليون دولار لدعم إعادة إعمار العراق بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

اهتمام سعودي بتشجيع أميركي


وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن الاهتمام السعودي جاء في بداية الأمر، بتشجيع من أميركا، التي قامت بحشد الدعم الخليجي للمساعدة على صد التمدد الإيراني نحو الغرب. لقد كانت صفقة صعبة المراس. فقد هدد العراق، في ظل حكم صدام، بغزو المملكة. وسُمح مؤخراً للمليشيات الشيعية التي تدعمها إيران بإقامة معسكر على الحدود السعودية. كما تم اتهام المملكة، التي تعتبر نفسها نصيراً للطائفة السنية في المنطقة، بتمويل الحركات الجهادية السُّنية في العراق.

ومع ذلك، يتولى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تخليص السعودية من منطقها الطائفي، بحسب الصحيفة الأميركية. ففي عام 2015، اضطلع بدور محوري في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأعاد العام الماضي (2017)، فتح حدود المملكة مع العراق. وقام بتحويل الدعم السعودي من رجال السياسة السنّة إلى نظرائهم الأكثر فاعلية من الشيعة.

وكان الأمير محمد بن سلمان استضاف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وقاسم الأعرجي وزير داخلية العراق الموالي لإيران. ويشير دبلوماسيون إلى التفاوت بين المساعدات التي تقدمها المملكة العربية السعودية وتلك التي تقدمها إيران، التي لم تتعهد بتقديم أي مساعدات، خلال مؤتمر الكويت. وذكر مسؤول عراقي أنه "بعد إخفاقها في التفوق على إيران عسكرياً، تسعى المملكة حالياً إلى التفوق عليها فيما يتعلق بتقديم المساعدات".

"إيران تذكي الطائفية"


ففي الدولة العربية ذات الأغلبية الشيعية، تسعى إيران إلى إذكاء الطائفية والحصول على ولاء الشيعة. وتريد السعودية استعادة ولائهم من خلال إحياء الهوية العربية للبلاد وتحريض العراقيين ضد إيران الفارسية. وقد اختفت القومية العربية إلى حد كبير حينما تم حظر حزب البعث، الذي كان يحكم العراق سابقاً عام 2003، بحسب الصحيفة الأميركية.

ويتم التركيز بصفة خاصة على البصرة، التي تعد أكثر مناطق العراق ثراءً. وتتضمن المشروعات التي خصصها السعوديون للاستثمار في العراق، مشروع معمل البتروكيماويات بالبصرة، الذي يمكن أن يساعد على استغناء العراق عن المنتجات الإيرانية.

وتركز السعودية أيضاً على المنطقة الممتدة على الحدود، والتي تود المملكة تحويلها إلى حقول خصبة من خلال الاستعانة بالمياه الجوفية. ويأمل المسؤولون العراقيون أن تتولى المملكة تمويل شبكة السكك الحديدية وإعادة فتح خطوط الأنابيب التي كانت تنقل النفط العراقي إلى البحر الأحمر حتى عام 1990، بحسب الصحيفة الأميركية.

وانجرف جنوب العراق نحو موالاة إيران حتى تمت تسمية الطرق السريعة باسم الراحل الخميني، زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية، وأصبحت الأحزاب الشيعية التي تدعمها إيران تحكم البلاد. ومع ذلك، يشعر البعض في طهران بالغضب ويتذكرون كيف شجعت السعودية العرب بالعراق؛ بل والشيعة منهم، على شن حرب دامت 8 سنوات ضد إيران خلال حكم الخميني بدءاً من عام 1980. ويشعر رجال الأعمال الإيرانيون بالقلق جراء المنافسة الجديدة على السوق العراقي، والذي يمثل ثاني أكبر الأسواق الإيرانية للمنتجات غير النفطية بعد الصين، بحسب الصحيفة الأميركية.

ولتشديد قبضتها على العراق، قامت إيران بفتح منطقة تجارة حرة بجوار معبر شلامشه المجاور للبصرة. وألغت شروط التأشيرة من جانب واحد للعراقيين؛ لتيسير متعة التسوق في خوزستان الحدودية. وأدى انهيار عملة إيران إلى إلغاء الجمارك. ويستورد العراق أكثر من 100 ضعف ما يصدّره إلى إيران من حيث القيمة.

إيران تحاول إفساد التقارب


وترى الصحيفة الأميركي أن الفصائل الموالية لإيران في العراق تحاول إفساد التقارب مع المملكة العربية السعودية. ويستشهد رجال السياسة بانضمام نحو 3000 من السعوديين إلى تنظيم داعش. ويتساءل أحد رجال الميليشيات في البصرة: "كيف يمكننا أن نرحب بمن قتلونا؟!"، وانزعج رجال الدين في النجف من طلب المملكة فتح قنصلية بأكثر المدن الشيعية قدسيةً.

ومع ذلك، فقد حظي التحرك السعودي بشعبية كبيرة. ورغم العلاقات الطائفية القوية بالشيعة الإيرانيين، شارك أهالي البصرة في الخطوط الأمامية لحرب العراق ضد إيران. ويرى البعض الوجود الإيراني بمثابة استعمار. وقد تأثرت الميليشيات بإمكانية التوسع السعودي في المجال التجاري. ويأمل هؤلاء أن يحتاج المستثمرون السعوديون للحماية ويساعدوا في علاج البيروقراطية المؤلمة التي تعانيها البلاد، بحسب الصحيفة الأميركية.

ويبدو رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، سعيداً بالتلاعب بالمنافسة الإقليمية. ويُذكر أن قوات الأمن العراقية قامت بمصادرة الملصقات التي طبعتها الجماعات الموالية لإيران والتي تدين إقامة قنصلية سعودية بالبصرة. ومع ذلك، قد تحتاج المملكة إلى المزيد من الطمأنة. ولم تقم حتى وقتنا هذا سوى بدراسة بعض الاستثمارات المحتملة. وربما سوف تنتظر إلى ما بعد انتهاء الانتخابات العراقية في مايو/أيار 2018، قبل أن توقِّع أية صفقات.

وتستبعد بلدان الخليج الأخرى الاستثمار في العراق باعتباره ثقباً أسود للفساد. وقد يحتاج الأمير الشاب محمد بن سلمان أيضاً إلى بعض الصبر الاستراتيجي كي يدرك حقيقة مباردته. ومع ذلك، إذا كانت السعودية تأمل تحقيق انتصار سريع، فإن أول مباراة كرة قدم لها في العراق منذ نحو 40 عاماً تعد بمثابة تذكرة مفيدة. فقد ظهر لاعبو السعودية بملعب البصرة يرفعون الأوشحة العراقية عالياً، وفي النهاية، مُني الفريق السعودي بهزيمة 4-1.

علامات:
تحميل المزيد