حيثما تولِّي وجهَك في شوارع القاهرة، ستجد لافتة تأييد للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تُحاصرك صُوره تارةً ببذلته العسكرية، أو بلباس مدني، صور شتى وجملة واحدة.. "نؤيد الرئيس".
إن كنت من قاطني المحروسة، فحتماً ستعلم أن اللافتات تلك تخصُّ الانتخابات الرئاسية، المزمع عقدها يوم 26 مارس/آذار 2018، أما لو كنت من الزوار فربما ستلاحظ خلوَّ الشوارع من صور مرشحين آخرين، فقط السيد الرئيس!
وبعيداً عن اللافتات وبرامج التوك شو وصفحات الشبكات الاجتماعية، يدور سؤال كبير: هل الشارع المصري حقاً مهتم بتلك الانتخابات المحسومة مبكراً، أم أنه لم يعد عابئاً بالشأن العام؟
الإعلامي المصري عمرو أديب كان قد سخر مما وصفه بحالة الخمول الموجودة لدى الشعب المصري والإعلام، فيما يتعلق بالحديث عن الانتخابات الرئاسية التي تبقَّى عليها أيام، قائلاً: "مباراة الأهلي اليوم أصبحت أهم من الانتخابات".
وأضاف "أديب"، خلال تقديمه برنامج "كل يوم" المذاع عبر فضائية "أون إي" يوم الثلاثاء 6 مارس/آذار، أن الصحف الغربية أصبحت لا تتحدث عن الانتخابات أو تشجيع الناس على المقاطعة من كثرة الخمول الموجود في الشارع المصري.
ويخوض الرئيس المصري الانتخابات الرئاسية القادمة أمام منافس واحد هو موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد. وجاء ترشح موسى بشكل مفاجئ، بعد انسحاب المرشحين البارزين، ورفض آخرين خوض المنافسة، فيما وصف بأنه محاولة لتجميل شكل الانتخابات.
"عربي بوست" تجوَّلت في شوارع منطقة الدقي، والتقت بعض المارة، لتسألهم عن موعد الانتخابات القادمة؟ وهل سيشاركون بها؟ ولماذا؟
الملاحظ أن غالبية الناس كانوا يتوجسون خيفة ويرفضون الحديث بمجرد محاولة فتح باب الأسئلة حول الانتخابات. هذا جعلنا نجد بصعوبة بعض الأشخاص الذين قبلوا الحديث؟
في أحد الميادين بوسط الدقي، التقينا بـ"يسرية منصور" (54 عاماً)، التي تعمل بالشهر العقاري.
"الانتخابات هذا الشهر تقريباً، لكني لا أعرف متى موعدها بالضبط"، هكذا قالت وابتسامة تعلو وجهها، عندما استفسرنا منها عن موعد الانتخابات الرئاسية القادمة.
وأضافت سريعاً "سوف نعرف الموعد قبلها". هي تنوي المشاركة، وصوتها سيكون للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي "أعاد الاستقرار للبلاد وأقام بها المشاريع"، على حد تعبيرها.
ورغم استيائها من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، فإنها تؤمن بـ"لازم نقف جنب بلدنا". يسرية أم لولدين أحدهما يقضى فترة تجنيده الإجباري، "الحمد لله أنه بيخدم في القاهرة وليس في مكان بعيد"، كما أخبرتنا.
وقبل أن تغادرنا السيدة البشوش، أوصتنا ألا نكتب "شيئاً سيئاً" عن البلد، وأن نتقي الله فيما نقوله… وعدناها بتقوى الله وتركناها.
وكان المستشار لاشين إبراهيم، رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، دعا المرأة المصرية إلى المشاركة فى الانتخابات الرئاسية بكثافة واسعة، والاصطفاف أمام لجان الاقتراع، قائلاً خلال مشاركته فى ندوة بالمجلس القومى للمرأة، يوم الأربعاء 7 مارس/ آذار "أدعو الأم والأخت والزوجة والابنة، وكل امرأة مصرية قدمت شهيداً للوطن أن تمد ذراعيها لوطنها وأن تصطف أمام لجان الاقتراع فى مشهد أكثر مهابة من سابقه، وأن تعيد رسم لوحه وطنية تليق بمصر، وتدلى بصوتها لمصر قبل أن يكون لأحد المرشحين، وأن تشارك فى صنع مستقبل وطنها".
وكانت المرأة هي الصورة البارزة التي ظهرت بوضوح في المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014.
وعلى بُعد مائة متر من يسرية، وقف صادق (44 عاماً) يُنهى سيجارته قبل استقلال مترو الأنفاق، هو يعمل ملاحظ وردية بأحد مصانع القطاع العام.
حديث الرجل اتَّسق مع منظره الغاضب، هو لا يعبأ بالانتخابات ونتيجتها من الأساس حتى يعرف موعدها، فقناعته أنه "كله زفت" (يقصد كل الأمور سيئة).
صادق يرى أن "الثورة الزفت خربت البلد أكتر ما هي خربانة"، بسبب من سماهم "اللي واكلينها" (يقصد هؤلاء المستفيدين والاستغلاليين)، دون أن يحدد من يقصد تحديداً.
أولويات صادق في الحياه أن "يأتي بلقمة العيش" لأبنائه الأربعة. أنهى الرجل حديثه معنا سريعاً، ليستقلَّ المترو قاصداً وجهته.
تمثيلية الانتخابات
بالقرب من الجامعة الأميركية بمنطقة وسط البلد، التقينا بهشام ودعاء، الطالبين بكلية الحقوق، جامعة عين شمس.
لم يفصح الشاب والفتاة صراحة عن توجهاتهما السياسية، لكن من حماسهما للثورة والألتراس، تستطيع التمييز بسهولة أنهما من أنصار الثورة، ومعارضي الرئيس المصري.
هشام ودعاء لن يشاركا في "التمثيلية"، على حد وصفهما، وكلاهما يؤمن أن الصناديق لن تغير الوضع. يقولون إن اعتقادهما هو أن "الشارع يجب أن يتحرك ليغير هذا الوضع".
المدهش أنه رغم انتمائهما لـ"معسكر الثورة"، كما فهمنا منهما، إلا أنهما رفضا تحرير توكيلات لخالد علي، المرشح المحتمل السابق المحسوب على فصيل الثورة، ولنفس الأسباب تقريباً… يرونها عبثاً.
وكان خالد علي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، قبل أن يتراجع ويعلن عدم المشاركة، قائلاً إنه "تم القبض على كثير من مسؤولي الحملة في كثير من المحافظات، وتمت إحالة العديد منهم إلى المحاكمات، قبل إعلان ترشحنا، وتقديمهم للمحاكمة، وتم تلفيق تهمة لي شخصياً، لتوفير ذريعة قانونية لمنعنا من الترشح".
وجاء قرار علي بعد يوم من إلقاء الأمن المصري القبض على المرشح الآخر الفريق سامي عنان، وتحويله للنيابة العسكرية، وسط اتهامات بالتزوير وعدم أخذ تصريح من المجلس العسكري.
في نفس منطقة وسط البلد، التقينا وائل محرز، مهندس الصوت بإحدى القنوات الفضائية. هو يعلم جيداً موعد الانتخابات الرئاسية، فهي أيام عمل بالنسبة له.
لكن بعيداً عن ظروف عمله، فهو لن يصوت في الانتخابات القادمة، ليس لأنه "ضد الرئيس والجيش"، على حد قوله، لكن لأنه يراها "انتخابات محسومة"، وفي نظره هي أقرب إلى الاستفتاء، و"السيسي فائز لا محالة".
وائل لا يبغض ثورة يناير، بالعكس، يراها ثورة شعبية رائعة، لكن "أفسدها الإخوان والثوار بطمعهم وسفالتهم، وكادت البلاد تضيع"، وعليه، فمن الحكمة والعقل الآن أن نهدأ "ونساعد الرئيس يبني البلد"، على حد تعبيره.
وجوه خمسة في شوارع القاهرة ارتضت الحديثَ معنا، قناعاتهم مختلفة، ومنطقهم متفاوت، المشترك الوحيد كان هو غياب الاهتمام بالعملية الانتخابية، التي يدرك الجميع أنها محسومة!
مخاوف من مقاطعة الانتخابات
وتزايدت مخاوف الحكومة المصرية من احتمال مقاطعة شعبية واسعة وغير مسبوقة لانتخابات الرئاسة المقبلة، التي لم يتبق على انطلاقها سوى أيام قليلة.
ومن المقرر أن تبدأ الانتخابات خارج البلاد من 16 – 18 مارس/آذار، على أن تُجرى داخل البلاد في الفترة من 26 – 28 من الشهر ذاته.
وعكس الإلحاح المكثف في الصحف والفضائيات على أهمية المشاركة في الانتخابات، مخاوفَ السلطات في مصر من مقاطعة جماهيرية غير مسبوقة للانتخابات الرئاسية، التي باتت مثاراً لسخرية المواطنين؛ بسبب غياب أي مرشح حقيقي يمكنه منافسة السيسي، بجانب المنافس الرسمي الوحيد موسى مصطفى موسى، الذي لم يُخفِ حتى أيام قليلة تأييده المطلق للسيسي.
وتم استخدام الخطاب الديني لحثِّ المواطنين على المشاركة في الانتخابات، فاعتبرت دار الإفتاء أن الممتنع عن الإدلاء بصوته في الانتخابات آثم شرعاً، قائلة إن الصوت أمانة سيُسأل عنها الإنسان أمام الله.
ودعا مفتي الجمهورية شوقي علام الشعب المصري، في تصريحات صحفية، للمشاركة بكثافة في الانتخابات الرئاسية؛ حتى يقدم مظهراً حضارياً ورسالةً للعالم أجمع.
أما وزير الأوقاف مختار جمعة، فألقى يوم الثلاثاء 6 مارس/آذار، محاضرةً في كلية الشرطة، أكَّد خلالها أن المشاركة في الانتخابات المقبلة واجبٌ وطني ومطلب شرعي، مشدداً على ضرورة المشاركة الفعالة؛ حتى يتم بناء الدولة العصرية على أسس ديمقراطية راسخة.
ونظَّمت مديرية التعليم بمحافظة بورسعيد جولةً قام بها تلاميذ المدارس الابتدائية على عدد من المصالح الحكومية؛ لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
ووزَّع التلاميذ أوراقاً دعائية تدعو للتصويت في الانتخابات، وهو ما انتقده كثير من أولياء الأمور، باعتباره استغلالاً للأطفال في عمل سياسي.
كما استعانت الحكومة بأمهات ضحايا العمليات الإرهابية؛ من أجل إقناع المصريين بالمشاركة في الانتخابات، إذ شدَّدت والدة أحد ضحايا الهجوم على "كمين الرفاعي" في الشيخ زويد بشمال سيناء- على ضرورة التصويت في الانتخابات، من أجل الدولة، واستعادة حق شهداء مصر، على حد قولها.
ووجَّهت السيدة أمل المغربي كلمةً إلى الشباب، خلال مشاركتها في مؤتمر جماهيري لتأييد السيسي، مساء الإثنين 5 مارس/آذار بالإسكندرية، قائلة: "اصبروا ولا تسمحوا لأحد بأن يحبطكم، فالخير قادم، مطالبة المصريين بالوقوف إلى جانب السيسي؛ لأنه يحقق إنجازات كبيرة".