"حرية حرية".. بهذا الهتاف انطلقت فجأةً حناجرُ قطاع من جماهير النادي الأهلي المصري بمدرجات استاد القاهرة، في أثناء مباراة الفريق مع نظيره الغابوني مونانا، مساء الثلاثاء 6 مارس/آذار، في دوري أبطال إفريقيا، لتشتعل المدرجات بعدها بمواجهات بين الجمهور والأمن، أفضت إلى وقوع بعض الإصابات، فضلاً عن تلفيات بالاستاد.
وفي صبيحة اليوم الثاني، ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على عدد من مشجعي النادي الأهلي من رابطة "ألتراس أهلاوي"، المحظورة بحكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، الصادر في مايو/أيار 2015، والخاص بحظر جميع روابط مشجعي الفرق الرياضية المصرية المعروفة بـ"الألتراس".
السؤال المهم هنا: لماذا بعد 6 سنوات من المطالبات المستمرة برجوع الجماهير إلى المدرجات، يقرر الألتراس التصعيد والدخول في مواجهة مع الأمن الآن بالتحديد، رغم أنهم حضروا العديد من المباريات العام الماضي (2017) دون مشاكل؟
"عربي بوست" التقى أحد شباب رابطة "ألتراس أهلاوي" بأحد مقاهي مصر القديمة، والذي طلب إخفاء اسمه؛ حفاظاً على أمنه، قبل أن يسرد ما حدث في هذه الليلة بالتفصيل.
"ما حدث ليلة الثلاثاء لم يكن مرتَّباً أو محضَّراً له على الإطلاق، بالعكس النية كانت الحفاظ على التشجيع فقط، وعدم التورط في أي مشهد سياسي قد يُستغل من طيفٍ ما للزج بنا في أتون معركة أخرى"، هكذا بدأ حديثه.
وأضاف أنه في أثناء المباراة، توجَّه 4 أمناء شرطة، بملابسهم الميري الرسمية، إلى شابين من الجماهير، كانا يحملان "لافتة 74″، وهي الخاصة بشهداء مذبحة بورسعيد، وأمروهما بإنزالها.
"سرعان ما اعتدى رجال الشرطة بالضرب بطريقة مستفزة على الشابين"، على حد قوله. هنا ثار هرج ومرج وسط المدرج، وبحركة -وصفها بأنها "لا إرادية وعفوية تماماً"، بدأ المحيطون يهتفون بالأغنية الشهيرة "حرية.. حرية".
في مقطع الفيديو الذي انتشر على الشبكات الاجتماعية، ستلاحظ أن الهتاف استمر دقائق معدودة ثم توقف، "أي إنه كان عفوياً وغير مرتَّب، وإلا لكان استمر طويلاً"، على حد تعبير عضو الألتراس، مضيفاً أن "الأمن تعامل بعنف مع الموقف، وحدثت مشاجرات، وكان ما رأيته على التلفزيون".
أما حسن (اسم مستعار)، أحد أعضاء ألتراس أهلاوي، فيكشف لنا خلفيات ما حدث بشكل أعمق، قائلاً إن
"هناك انقساماً داخل صفوف رابطة جماهير ألتراس أهلاوي، مثلما كان هناك انقسام سابقاً داخل ألتراس زملكاوي، والذي نجم عنه مصادمات عنيفة بين صفوف مشجعي النادي الأبيض، في وقت سابق".
وأضاف أنه كعادة جماهير الأهلي، فقد بقي هذا الانقسام داخلياً قدر الإمكان، دون إظهاره لعامة الناس، ومؤخراً نجح الفريق الأصغر سناً (من يمكن وصفهم بالحرس الجديد) في إحكام قبضته على مقاليد الألتراس، فأصبحت في حوزته قيادة السكاشن واللافتات وصفحة المشجعين على الشبكات الاجتماعية، و"تم إقصاء الحرس القديم الذي كان يقود الألتراس منذ بداية الثورة".
واتفق حسن مع الرأي القائل إن ما حدث كان عفوياً بشكل كامل، "لكن له خلفيه كاشفة، فالحرس القديم وجدها فرصة لإرسال رساله بأننا ما زلنا هنا ولنا حضور، ولن نقبل إهانة الأمن لأي من جمهورنا، في حين كان الحرس الجديد من أنصار التهدئة تماماً".
وأوضح أن هذا هو ما يفسر الواقعة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ رابطة ألتراس أهلاوي، عندما أصدرت صفحتهم على "فيسبوك" بيان اعتذار رسمي على الهتاف.
هذه إهانة كبيرة في عُرف الروابط الرياضية، وقال حسن ساخراً: "الحرس الجديد الذي يدير الصفحة لبّسونا الطرحة"، وهو مصطلح مصري يُستخدم للدلالة على الإهانة وصغر المكانة.
وأضاف أن الحرس القديم عاير الحرس الجديد بهذا الفعل، موضحاً أن هذا يفسر لك لماذا شملت الاعتقالات كلها في اليوم التالي للواقعة الحرس القديم وليس الجديد.
"أولاً؛ لأن تلك هي الأسماء المعروفة لدى الأمن، ثانياً لأن الأمن يعلم جيداً أن هؤلاء لن يسمحوا بتلقي الإهانات من الشرطة، وسيقومون بالرد بالهتافات والأغاني"، هكذا أوضح حسن.
من جانب آخر، تبرَّأت إدارة النادي الأهلي من الموقف تماماً، فصرح العميد محمد مرجان، المدير التنفيذى للنادي الأهلي، بأنه ستتم محاسبة كل من قام بالشغب خلال مباراة مونانا الغابونى، موضحاً أن الأهلي لديه بيانات المشجعين كافة الذين حضروا المباراة.
والشيء نفسه تقريباً، فعلته مجموعة ألتراس أهلاوي على "فيسبوك"، التي أصدرت بياناً اعتذرت وتبرأت فيه مما حدث.