كان ياسر ياسين يقود سيارته على طريق بالساحل اليمني المتعرج على البحر الأحمر عندما طارت السيارة "التويوتا هايلوكس" في الهواء بفعل انفجار.
وعندما استعاد التاجر، البالغ من العمر 30 عاماً، وعيه أدرك أنه لا يستطيع تحريك ساقه اليمنى أو يرى بعينه اليمنى.
كانت سيارة ياسين قد داست على واحد من آلاف الألغام المضادة للدبابات، والتي خلَّفها المقاتلون الحوثيون وراءهم قبل 3 أشهر، عندما انسحبوا من منطقة ميناء الخوخة وتركوه للقوات اليمنية الجنوبية، خصمهم بالحرب الأهلية في ذلك الركن من اليمن.
لم يكن شفاؤه سهلاً رغم المساعدة التي قدَّمها له التحالف العسكري المناهض للحوثيين، ومن أبرز أعضائه السعودية والإمارات.
وقال ياسين وهو يستند على عكّازه في أثناء زيارةٍ لمستشفى المخا؛ لمتابعة حالته بعد الانفجار، الذي وقع في فبراير/شباط 2018: "أخذوني (التحالف) إلى عدن، وهناك عالجوا ساقي، لكن حصلت مشكلة في الأجزاء المعدنية، وأصيبت ساقي بعدوى".
ولحق باليمن دمار شديد خلال الحرب، الدائرة منذ 3 أعوام، والتي تُقاتِل فيها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المدعومة من الائتلاف العربي بقيادة السعودية، لطرد الحوثيين من المدن التي سيطروا عليها في عامي 2014 و2015.
وتقول الأمم المتحدة إن الحرب أدت إلى أكبر أزمة إنسانية بالعالم، فيما تقول جماعات حقوقية إن الجانبين تسببا في أعمال عنف عشوائية، من بينها ما زرعه الحوثيون من ألغام محرَّمة مضادة للأفراد.
ولم يردَّ مسؤولون حوثيون على طلب من "رويترز" للتعليق. وينفي طرفا الصراع اتهامات من جماعات لحقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب.
ويمكن رؤية نتائج استخدام الألغام الأرضية في ممرات المستشفى بمدينة المخا، الواقعة على مسافة غير بعيدة شمال مضيق باب المندب الاستراتيجي، حيث كانت تمتلئ بالضحايا والزائرين خلال زيارة "رويترز" للمستشفى في الآونة الأخيرة.
مزروعة عشوائياً
شقَّ الأطباء ومعاونوهم طريقهم بين رجال مسلحين؛ لتقديم الإسعافات الأولية للمرضى المصابين في انفجار ألغام والمصابين بالشظايا وفي انفجار قذائف المورتر.
قالت رشيدة، ابنة الـ13 ربيعاً، والتي تم تركيب ساق اصطناعية لها: "كنت أسير مع أخي ودست على لغم وانفجر".
وقال والدها إنها لم تذهب قط إلى المدرسة؛ لأن أقرب مدرسة من قريتهم في محافظة تعز تقع على مسافة 30 كيلومتراً، وأُغلقت بعد اجتياح الحوثيين تعز.
وقال سكان وعاملون بالقطاع الطبي في المخا وقرى قريبة منها، إن الألغام تسببت بخسائر بشرية أكبر من خسائر الاشتباكات في المنطقة، التي شهدت إخراج الحوثيين من بعض المناطق الساحلية على البحر الأحمر منذ 2016.
وأضافوا أن المتفجرات مدفونة عشوائياً في مختلف أنحاء المنطقة، ومن ضمنها مناطق سكنية وملاعب وتحت الأشجار، حيث اعتاد اليمنيون الجلوس لمضغ "القات".
ولم يتضح عدد من فقدوا حياتهم بسبب تلك الأسلحة، غير أن طبيبين ومسؤولاً حكومياً قالوا إن العشرات ماتوا في مناطق المخا والخوخة الساحلية منذ أن بدأت قوات الحوثيين انسحابها في أوائل 2017.
وقالت القوات المسلحة في الإمارات والقوات اليمنية، إنها تزيل ما بين 250 و300 لغم أرضي كل أسبوع بالمنطقة الغربية.
وتم التخلص من أكثر من 40 ألف لغم منذ أن سيطرت القوات المدعومة بالتحالف على ساحل البحر الأحمر في سلسلة من المعارك بدأت عام 2016.
محلية الصنع
وقالوا إن نحو 90% من الألغام الأرضية مصنوعة محلياً، وأغلب الضحايا من المدنيين.
وقال خبير في المتفجرات بالقوات المسلحة الإماراتية، طلب عدم ذكر اسمه: "لديهم أيضاً ألغام أرضية روسية الصنع، أخذوها من مخازن الحكومة عندما اجتاحوا العاصمة صنعاء".
وسلَّحت الإمارات ودرَّبت، وتدفع أجوراً لآلاف المقاتلين من المحافظات الجنوبية، الذين يطلق عليهم المقاومة الجنوبية؛ من أجل السيطرة على مناطق ساحلية في غرب البلاد ودفْع الحوثيين إلى التقهقر لمعاقلهم الرئيسية بشمال البلاد.
وتدخل الحرب في اليمن عامها الرابع هذا الشهر، وعلى الرغم من الخسائر التي تكبَّدها الحوثيون بمناطق في غرب اليمن، فهم لا يزالون يسيطرون على أغلب المناطق المكتظة بالسكان.
ويجد ملايين المدنيين أنفسهم محصورين بين الضربات الجوية المكثفة التي يشنها التحالف، والحملات الصارمة التي ينفذها الحوثيون، فيما تضرر ما يُقدَّر بنحو 8 ملايين شخص من المجاعة والكوليرا والدفتيريا، بينهم مليونا طفل يعانون سوء التغذية الحاد.
ودعت منظمة هيومان رايتس ووتش، العام الماضي (2017)، الحوثيين إلى التوقف عن استخدام الألغام الأرضية واحترام معاهدة أوتاوا الموقَّعة عام 1997، التي تحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1999. ووقع اليمن على المعاهدة عام 1998.
وقال غسان مسعودي، مدير مستشفى المخا: "أغلب الضحايا الذين نجوا فقدوا ساقاً أو الاثنتين، وأصبح الكثيرون معوقين وغير قادرين على القيام بأي عمل بدني". وأضاف أن الجناح العسكري في المستشفى يعالِج أيضاً ضحايا الألغام من المدنيين.
ويحظى هذا الجناح من المستشفى بأكبر قدر من الاهتمام من الحكومة المعترف بها دولياً، ومن التحالف الذي تقوده السعودية؛ إذ يقدم العلاج لمقاتلين من جبهات في منطقة الجراحي -التي تبعد نحو 90 كيلومتراً- حيث تواجه المقاومة الجنوبية وحلفاؤها من السودان، العضو في التحالف، قصفاً مكثفاً من الجانب الحوثي.
وقال ياسين إن التحالف لن يدفع مقابل رحلته إلى الهند، حيث ينشد كثير من اليمنيين الرعاية الطبية، عندما احتاج لجراحتين جديدتين في عينه وساقه؛ لأنه ليس مقاتلاً.
واضطر ياسين إلى الدفع بطريقته الخاصة.
وقال: "بعت بقايا السيارة ومصوغات أمي وزوجتي، وذهبت إلى الهند، حيث أنفقت 8500 دولار. ما زلت لا أرى بعيني".