صرَّح مسؤولون أن إدارة ترامب تدرس القيام بتحرُّك عسكري جديد ضد الحكومة السورية، رداً على تقارير حول استخدامها أسلحة كيماوية في الوقت الحالي، الأمر الذي زاد من احتمالية شن ضربة أميركية ثانية على بشار الأسد في أقل من عام.
وطلب الرئيس خياراتٍ لمعاقبة حكومة الأسد، في أعقاب استخدامها غاز الكلور في هجماتها -7 على الأقل حتى الآن هذا العام- حسب التقارير، وربما مواد كيميائية أخرى تؤثر على المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وفي حادثٍ وقع يوم الأحد الماضي 4 مارس/آذار، وصف السكان والطاقم الطبي في الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة أعراض التعرض لغاز الكلور. ووفقاً لما ذكره الطاقم الطبي، توفي طفلٌ واحد.
وقد بحث الرئيس الإجراءات المُحتَمَلَة في بداية الأسبوع الماضي، في اجتماع للبيت الأبيض ضمَّ رئيس موظفي البيت الأبيض جون كيلي، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس.
وقال أحد المسؤولين، الذي فضَّل عدم الكشف عن هويته مثل غيره ممن تحدثوا عن المحادثات الداخلية، إن الرئيس لم يوافق على أي عمل عسكري، وإن المسؤولين قرَّروا مواصلة مراقبة الوضع.
وأنكرت المتحدثة باسم البنتاغون، دانا وايت، مشاركة ماتيس في مناقشات حول التدخل العسكري في سوريا، وقالت إن "الحوار لم يحدث".
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، إن ماتيس كان رافضاً "تماماً" الرد عسكرياً على هجمات الكلور الأخيرة، وإن ماكماستر "كان مؤيداً له".
وترى الصحيفة الأميركية أن احتمال تجدُّد العمل العسكري، حتى لو كان يُناقَش حتى الآن، يؤكد تفجُّر الصراع الذي أصبح ساحة معركة بين روسيا وإيران من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر.
تأتي مناقشات البيت الأبيض وسط موجة من الاتهامات من مسؤولي إدارة ترامب الذين سعوا إلى حشد الضغط الدولي على سوريا، بسبب الهجمات الكيماوية المُتكرِّرة على نطاقٍ صغير، وسط تصعيد الهجمات الجوية والبرية التقليدية واسعة النطاق، التي قتلت مئات المدنيين في الأسابيع الأخيرة.
سياسة النظام في استخدام الغازات السامة
جديرٌ بالذكر أن مسؤولين من الروس وسوريين أنكروا تقارير عن استخدام الحكومة للأسلحة الكيماوية.
إلا أن الجمعية الطبية السورية الأميركية، التي تتلقى تقارير الطاقم الطبي، تتحدَّث عن أن المرضى أصيبوا بأعراض مرتبطة بغاز الكلور 7 مرات هذا العام. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أيضاً في الغوطة الشرقية، ذكرت المستشفيات رؤية مرضى يعانون من أعراض تدل على التعرُّض لغاز السارين وفقاً لما ذكرته الجمعية.
وخلافاً للحوادث الفتاكة السابقة، يقول المسؤولون الأميركيون إنَّ نظام الأسد لا يقوم حالياً إلا بشن هجمات صغيرة النطاق، ويعتمد بشكل رئيسي على الكلور، وهو مصنوع من مواد متاحة تجارياً، ويصعب اكتشافه أكثر من المواد المؤثرة على الأعصاب مثل السارين.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية للصحفيين الشهر الماضي، فبراير/شباط: "إنَّهم يعتقدون بوضوح أنَّهم يستطيعون الإفلات من التتبع إذا أبقوا على استخدام هذه المواد عند مستوى معين".
ويشتبه المسؤولون في استخدام سوريا لأنظمة أرضية بدلاً من الوسائل الجوية لتوصيل العوامل الكيميائية حتى يكون من الصعب تتبُّعها.
وقال المسؤولون إنَّ الحكومة السورية لجأت إلى مثل هذه الهجمات لتعويض النقص في اليد العاملة، ولثني مؤيدي المعارضة عن العودة إلى المناطق الاستراتيجية.
وبينما يقلَّص الجيش الأميركي حملاته ضد تنظيم داعش، فإنَّ إدارة ترامب تخاطر بتورط أكثر عمقاً في الحرب الأهلية في سوريا، حيث تعد تركيا، حليف الناتو، لاعباً مهماً آخر.
ويعتقد كثير من المسؤولين الأميركيين، أنَّ المزيد من الاستقرار السياسي يمكن أن يحول وحده دون عودة المتطرفين.
كما أثار بعض المسؤولين قلقهم بشأن تحديد المسؤولية عن هجمات الكلور بشكلٍ قاطع. بينما يعرب آخرون عن شكوكهم في أنَّ شن ضربة أخرى ستردع الأسد في ظل فشل الضربة الأخيرة.
لن تقود إلى حرب
لكن يبدو مسؤولون آخرون، لا سيما في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، أكثر انفتاحاً على التحرُّك المُتجدِّد ضد الأسد. ويعتقدون أنَّ رد الولايات المتحدة قد يثني نظام الأسد عن إعادة بناء ترسانته الكيميائية، بطريقة قد تهدِّد الولايات المتحدة في نهاية المطاف، ويثبت أنَّ الولايات المتحدة لن تُردَع بالوجود الروسي في سوريا.
وتُسلِّط المناقشات الضوءَ على المنطقة الرمادية التي احتلتها مسألة استخدام الكلور في رد فعل الغرب على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وفي حين أنَّ الكلور ليس مادةً محظورة، فإنَّ استخدامه كعامل اختناق محظور بموجب القواعد الدولية للأسلحة الكيميائية.
وقال فريد هوف، المسؤول السابق في إدارة أوباما، الذي يعمل حالياً بالمجلس الأطلسي: "ستبعث الولايات المتحدة برسالة "قاتلة" إذا ما انتُقدت بعد الهجمات الكيماوية، لكنها لا تفعل شيئاً عندما يُقتل المدنيون بالأسلحة التقليدية".
وترى الصحيفة الأميركية أنه حتى لو سمح ترامب بهجوم آخر، فمن المحتمل أن يؤيد البنتاغون الحد من تورط الولايات المتحدة في الحرب.